خطبة عن (هم الدنيا وهم الآخرة) مختصرة1

                          الخطبة الأولى (هم الدنيا وهم الآخرة) مختصرة1

 الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                 أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (18)، (19) الاسراء، وفي سنن ابن ماجه: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ».

إخوة الإسلام

من المعلوم أن الناس متفاوتون في همومهم، وبالتالي فهم مختلفون في نهاياتهم، وهذه سنة كونية، ومشيئة ربانية، قال الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]، وقال تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف:30]، وقال تعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (7) الشورى،

وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن يدرك الانسان أن الله تعالى خلق الدارين (الدنيا والآخرة) وجعل بينهما ارتباطا، فالدنيا مزرعة للآخرة، فهي دار عمل، ودار اكتساب، ودار ممر، وليست دار مقر، وجعل الله تعالى الآخرة دار الجزاء والثواب، قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران:185 

ولما كان الناس متفاوتين في اهتماماتهم، فقد انقسموا في همومهم إلى صنفين: الصنف الأول: صاحب الهم الدنيوي: وهو ذلك الذي ملكت الدنيا عليه قلبه، فلا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، ولا يتكلم إلا في شأنها، وهذا الصنف هو الذي دعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري فقال: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ)،

فصاحبُ همِّ الدنيا، هو شخص مَغْرُور، ملكتْ عليه العاجِلة شغاف قلبه، فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ولها يُوالِي ويُعادِي ،ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، قال الله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (20)، (21) القيامة، وقال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (16)، (17) الاعلى، وقال تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (36) الشورى،

وصاحب هم الدنيا يعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة بأمورٍ، ومنها: أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله، فتراه وإن حصَّل الدنيا ومتاعها، إلا أنه مشتتَ البال، وهائم الفكر، ومضطرب النفس، وكثير القَلَق، لا بركة في مالِه وَولَدِه، القلوبُ لا تجتمع عليه ،والقَبُول لا يُكْتَبُ له،

وصاحب هم الدنيا مبغوض في السماء والأرض، ففي صحيح مسلم: (يقول صلى الله عليه وسلم: وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ».

ومن عقوبات صاحب هم الدنيا: أن يجعلَ الله فقره بين عينيه، فهو إن كان غنيًّا، لا يعيش حياة القناعة أبدًا، فمهما حَصَّل وكسب وكنز، يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه، ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة، والخوف منَ المستقبل، ويزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه، وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه.

                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم                

                            الخطبة الثانية (هم الدنيا وهم الآخرة)             

الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                     أما بعد  أيها المسلمون    

ومن عقوبات صاحب هم الدنيا: أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له، فهو وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح، فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ». وفي مسند البزار: (عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ :هَلُمُّوا إِلَيَّ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).

أيها المسلمون 

أما الصنف الآخر: فهو صاحب هم الآخرة: وهو ذلك الذي المؤمن الذي انشغل بالله تعالى عمن سواه، ويأخذ من الدنيا ما ينفعه في الآخرة، وهو يراقب الله في سره وعلانيته، يفرح لله، ويغضب لله، ويسخط لله، ويرضى لله، ويتمثل الجنة أمامه، فيسلك طريقها، ويتمثل النار، فيبحث عن مهرب منها، يُحكم شرع الله تعالى في أحواله وأقواله وأفعاله، ويعبد ربه بين الخوف والرجاء، وهو دائم التوبة، سريع الأوبة، قال الله تعالى في شأنهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (63): (67) الفرقان،

                       ونستكمل في اللقاء القادم إن شاء الله

                                       الدعاء