خطبة عن ( أفرغ قلبك من هموم الدنيا وكن مهموما بالآخرة)
مارس 26, 2016خطبة عن ( الترغيب في غض البصر والترهيب من النظرة المحرمة)
مارس 27, 2016الخطبة الأولى ( هم الدنيا وهم الآخرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجَهْ، من حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّه، جَمَع الله له شَمْله، وَجَعَلَ غناهُ في قَلْبه، وَأَتَتْه الدُّنيا وهي راغِمة، ومَن كانتِ الدُّنيا هَمَّه، فَرَّقَ الله عليه شَمْله، وجعل فقره بين عَيْنَيْه، ولم يأتِه منَ الدُّنيا إلاَّ ما قدر له)
إخوة الإيمان
الهَمُّ سلاح ذو حَدَّينِ، فإن كان متعلقًا بالآخرة ونعيمها، فهو محمود، وصاحبه مأجور، وإن كان الهم مُتَعَلِّقًا بالدُّنيا وغرورها، كان مذمومًا. وقد جَعَلَ الله لصاحب الهم الأخروي ثلاث مِنَح؛ يَتَفَيَّأ ظلالها، وينعم بها : الأولى : أن يجمعَ الله له شمله، وجَمْعُ الشَّمل: هو الاجتماع بكل ما يعنيه من هموم، فيجمع الله على صاحب الهم الأخروي قلبه، وفكره، ومقصده، وأهله، وولده، وقريبه، وصديقه، وماله، وتجارته، ويجمع الله عليه القلوب، ويكتب له القَبول، فيجتمع لهذا العبد كل ما يحيط به مِن أمور الخير جميعًا. يعطيه الله السكينة والطمأنينة، ويجمع عليه أفكاره ويقلل نسيانه، ويجمع عليه أهله ويزيد من المودة بينهما، ويجمع عليه أبناءه وييسرهم له، ويجمع عليه أقرباءه ويبعد عنه الشقاق، ويجمع عليه ماله فلا يتشتت بتجارة خاسرة أو تصرف أحمق، ويجمع القلوب عليه بعد أن يكتب له القبول في الأرض، فلا يراه أحد إلا أحبه، والنِّعمة الثانية التي يُنَعَّم بها صاحب الهَمِّ الأُخروي : أن يجعلَ الله غناهُ في قلبه، وهذا هو الغِنَى الحقيقي؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ » رواه البخاري ومسلم ،قال الإمام المناوي صاحب فيض القدير عند شرح هذا الحديث: “يعني: ليس الغنى المحمود ما حصل عن كثرة العرض والمتاع؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه لا ينتفع بما أوتي، بل هو متجرد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، فالحريص فقير دائمًا، ولكن الغنى المحمود المعتبر عند أهل الكمال غنى القلب، وفي رواية: ((النفس)) ، وهو استغناؤها بما قُسم لها، وقناعتها ورضاها به بغير إلحاح في طلب ولا إلحاف في سؤال، ومن كفَّت نفسه عن المطامع قرت وعظمت، “. أما الغني بالمال الفقير القلب فإنه يلهث كما يلهث الوحش في جمع المال وهو يملك الملايين، ولكنه غير قانع بما رزقه الله فهو فقير، فقد اتخذ المال إلهًا من دون الله، فالفقير هو الذي يشعر بانعدام المال عنده والحاجة الدائمة إليه. فغِنى القلبِ أن يَرْضَى العبد بما قسم الله له؛ وفي الحديث: (وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ)؛ رواه الإمام أحمد، وهو حديث حسن. وغِنَى القلب عزيزٌ في دُنيا الناس، شريفٌ بينهم؛ لأنه قدِ اسْتَعَفَّ بِغِنَاه عما في أيدي الآخرين، وفي الحديث: الذي رواه ابن ماجه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّوكَ » ، وثالث نعمة يُلقَّاها صاحبُ الهمِّ الأخروي: هي مَجِيء الدُّنيا له، وهي راغمة، فَيَأْتيه رِزْقه مِن حيث لا يحتسب، ويجعل له ربُّه مِن كل أمر يسرًا، فيُوَفَّق في دنياه، من غير مسألة ولا إشراف نفس.- صاحب الهم الأخروي كافأه ربُّه بنظير قصده، فلمَّا جَرَّد همه للآخرة، كَفَاهُ الله همَّ دنياه، وهل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان. وصاحب همّ الآخرة يهرب من الدنيا وزينتها يخشى فتنتها وزخرفها، وهذا لا يعني أن ينقطع عنها ويهرب هروب الغلاة والضالين، كلا، بل يأخذ منها قدر ما يبلِّغُه إلى الآخرة، ومع إعراضه عنها فهو متبع هدي نبيه إذ قال: كما في البخاري(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » ، وقوله: كما في مسند أحمد« مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » . إلا أنها تأتي إليه ذليلة صاغرة دون جهد وعناء وهو ليس بحاجة إليها؛ لأنه جعل همه الآخرة، فكفاه الله هم الدنيا، وأتت إليه راغمة.
إخوة الإيمان
وإذا عاشَ العَبْدُ هَمَّ آخرته، قويَ يقينُه، وطَارَتْ غفلته، ودامتْ خشيته، وسعى للآخرة سعيها، وهو مؤمن. وإذا تَغَلْغَلَ همُّ الآخرة في النفوس، وَوَصَلَ سُوَيْداء القلوب، هانَ على المرء ما ضاعَ من دُنياه، ورخص عليه ما خسره في تجارته ومربحه؛ لأنه يَسْتَيقِن أن مستقره وبقاءه هناك، في الدار الآخرة، {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هم الدنيا وهم الآخرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
صاحبُ هَمِّ الآخرة يعيش في دنيا الناس مع الناس، يسعى في طَلَب رِزْقه، لا يطغى إن أَقْبَلَتْ إليه الدُّنيا، ولا يغتمّ إن أدبرتْ عنه. وصاحبُ هَمِّ الآخرة يعيشُ في القِمم، فلا يرضى بالدُّون، وهو قادرٌ على التَّمام، ولسان حاله:
وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
صاحبُ الهَمِّ الأُخرَوي تراه عالي القدر، لا يقعد عن المكْرُمات، ولا تَتَوانى همته عنِ الصَّالحات الباقيات، لا يفرغ من خير إلاَّ إلى خير. صاحب همِّ الآخرة إن كان في العلم، كُوفئَ باحتياج الناس إليه، وإن كان في بذل المعروف، كوفئَ بثناء الناس عليه، وإن كان فيما كان، كان الله، وكان الناس معه. صاحبُ هذا الهَمِّ لا يخلو مِن هُمُوم تعتريه في دنياه، من همِّ عمل، أو مسكن، أو زواج، أو تربية ولد، أو غيرها، غير أنها هموم صغيرة، تضيع أمام همه الأكبر، ومقصده الأعظم.
إخوة الإيمان:
همُّ الآخرة مبدأٌ رَبَّى عليه النَّبي – صلى الله عليه وسلم – صحابتَهُ الكِرام، فكان – عليه الصلاة والسلام – يغرس في قُلُوب أصحابه هذا الهمِّ، كان إذا رأى شيئًا مِن زينة الدُّنيا يُسْمِع أصحابه: ((لبيكَ إنَّ العيشَ عيش الآخرة)).، وحينما أهدى له ملك النصارى جبَّة من ديباج، منسوج فيها الذَّهب، تَعَجَّبَ الصَّحابة مِن لين مَلْمسِها وجمالها؛ فقال لهمُ النَّبي – صَلَّى الله عليه وسلم – أمام هذه الدَّهشة: ((أَتَعْجَبُونَ مِن هذه الجبَّة، فو الله لمناديل سعد بن معاذ في الجنَّة أحسن مما تَرَوْن)). هذا الهمُّ الأخروي عاشَهُ الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وَسَلَفُنا واقعًا مَحْسُوسًا. هذا الهمُّ أيقظ المصطفى – صلى الله عليه وسلم – مِن منامِه، وهو يقول: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءتِ الرَّاجفة، تتبعها الرادِفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه)). هذا الهم عاشَهُ الصِّديق – رضي الله عنه – فكان عظيمَ الخشية، سريع الدَّمعة، إذا أمَّ الناس، غَلَبَه البكاء من خشية الله .
الدعاء