خطبة عن ( أسبق الناس إلى هموم الآخرة هم الانبياء والصالحون )
مارس 26, 2016خطبة عن (هم الدنيا وهم الآخرة)
مارس 26, 2016الخطبة الأولى ( أفرغ قلبك من هموم الدنيا وكن مهموما بالآخرة)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن ابن ماجة : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لأَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ فَهَانُوا عَلَيْهِمْ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِى أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِى أَىِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ ».
إخوة الإسلام
المؤمن مهموم بالآخرة، هذا الهمُّ الذي رسم في وجه الفاروق عمر خَطَّين أسودينِ منَ البُكاء؛ خوفًا من الآخرة. وهذا الهمُّ جَعَلَ الفاروق يبكي – رضي الله عنه – حيث سمع ذكر الآخرة من ذلك السائل الذي خاطب عمر فقال: يَا عُمَرَ الخَيْرَ جُزِيتَ الجَنَّةْ اكْسُ بُنَيَّاتِي وأُمَّهُنَّهْ أَقْسَمْتُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ ، فقال عمر: فإن لم أفعل، يكون ماذا؟، قال: يَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلنَّهْ ، قال عُمر: متى؟ ، قال: يَوْمَ تَكُونُ الأُعْطِيَاتُ مِنَّهْ وَالوَاقِفُ المَسْؤُولُ بَيْنَهُنَّهْ إِمَّا إِلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّةْ ، فبكى – رضي الله عنه – وقال لغلامِه: يا غلامُ، أعطه قميصي هذا، لا لِشِعْره؛ ولكن ليوم تكون الأعطيات منَّة، والواقف المسؤول بينهنَّه، إِمَّا إلى نارٍ وإما إلى جنة. وهذا الهمُّ عَرَفَه الخليفةُ الثالث، الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، عثمان بن عفان، فكان إذا وقف على القبر بكى، حتى تبتل لحيته بالدُّموع، ويقول: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: كما في الترمذي وغيره « إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ » وكان يَمْتَثِل قول الشاعر:
فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ وَإِلاَّ فَإِنِّي لاَ إِخَالكَ نَاجِيًا
وهذا الخليفةُ الصالح العادل في مملكته عمر بن عبدالعزيز، حمل همَّ آخرته، فطار عنه رقاده، وَتَرَقْرَقَتْ من همِّة دمعاته، بكى ذات يوم في السَّحَر، حتى بكى لبكائِه زوجتُه وأولاده، فسئل عن بكائه، فقال: تذكرتُ منصرف الناس يوم القيامة، فريقٌ في الجنة، وفريق في السَّعير.
إخوة الإيمان:
وحَمْلُ همِّ الآخرة لا يعني انعزال العبد عن حياة الناس، فيترك إجابة الدَّعوة، ويهجر زيارة الصديق والقريب، وَيَتَقَوْقَع في صَوْمَعَتِه ورَهْبَنَتِه، هذا تَصَوُّر خاطئ قاصِر؛ بل إنَّ صاحبَ الهَمِّ الأخرويِّ، يجتهد في صِلة الرَّحِم، وإجابة الدَّعوة، ومُخالَطة الناس، والصبر على أذاهم، ويسعى في إصلاح ما فَسَد؛ لأنَّه يعلم أنَّ تلك الأعمال درجات وحسنات في ميزانه يوم الآخرة. حَمْل همِّ الآخرة، لا يعني أن يكونَ صاحبه مكفهر الوجه، دائم العبوس، فهذا قُدوتنا وحبيبنا – صلى الله عليه وسلم – أعظم مَن همَّ لآخرته، كان يضاحِك ويُمازِح، ويُداعِب ويُلاعِب، ولكل مقام مقال، وقد روى ابن حبان والبزار واللفظ له (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) ، فيا أخي الغافل، وكلنا ذاك الغافل، اسْتَجْمِع همكَ لآخرتكَ، واسْتَشْعِر هذا الهم في صبحكَ ومسائكَ، إذا أظْلَمَ عليكَ ليلكَ، فتَذَكَّر ظُلمة القبور، وإذا الْتَحَفْتَ فراشكَ فتفكر التحافكَ الأكفان، وإذا استيقظتَ من رقادكَ، فاستشعر قيام العالمين لرب العالمين. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]،
وأمَّا صاحبُ همِّ الدنيا، فهو ذاك المَغْرُور، الذي ملكتْ عليه العاجِلة شغاف قلبه، فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ويُوالِي ويُعادِي، يَتَهَلَّل إذا ذُكِرَتْ، ويَشْمَئِز إذا ذُمَّت، فبشاشته وهشاشته، وعتابه وملامته لأجل الدُّنيا وللدنيا.ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، صاحب هذا الهم والحال يعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة، بأمورٍ ثلاثة : أولاها: أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله، فتراه وإن حصَّل الثَّراء، أو بلغ المنصب والأضواء، مشتتَ البال، هائم الفكر، مضطرب النفس، كثير القَلَق، لا بركة في مالِه وَولَدِه، القلوبُ لا تجتمع عليه، والقَبُول لا يُكْتَبُ له. يفرق الله عليه شمله وأمره، فما من شيء كان يحيط به إلا مزقه الله عليه، فتراه متشتت البال والفكر ومضطرب النفس، كثير القلق على كل أمر مهما كان تافهًا، يفرق عليه ماله فلا يوفق في تجارة أو عمل، ويفرق عليه أبناؤه وزوجه فيرى عقوقًا دائمًا يزيد همه وغمه، ويجد من زوجه تأففًا وتمردًا وشكوى لا تنقطع تجعله يتمنى الخلاص من الدنيا من شدة ما يجد، ويفرق الله الناس عنه فلا يحبه أحد، بعد أن كتب الله له البغضاء في الأرض. نسأل الله العافية والسلامة. فهو مبغوضٌ في أرض الله؛ لأنَّ اللهَ قد بغضه في سمائه، وفي الحديث: ((إنَّ اللهَ يُبْغِض كل جَعْظَرِي جَوَّاظٍ، عالِم بأمر الدنيا، جاهِل بأمر الآخرة)). والجَعْظَرِي: هو الفَظُّ الغليظ المُتَكَبِّر. والجَوَّاظ: هو الذي جَمَع المال، ومَنَع حق الله فيه.
إخْوَة الإيمان:
وعقوبةٌ ثانيةٌ تحل على مَن جعل دنياه همه، أن يجعلَ الله فقره بين عينيه، فهو إن كان غنيًّا، لا يعيش حياة القناعة أبدًا، فمهما حَصَّل وكسب وكنز، يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه، ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة، والخوف منَ المستقبل، يزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه، وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه. هذا الحريصُ اللاَّهِث وراء طَنين الدُّنيا ورنينها، هو في الحقيقة عبدٌ لما يطلُب، وهذه هي التَّعاسَةُ التي دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – على أصحابها بقوله: ((تَعِس عبدُ الدِّينار، تَعِس عبد الدِّرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شَيكَ فَلا انْتَقَش)). عدم القناعة، تجعله يشعر دائمًا بالفقر والحاجة، يجعله يجري ويلهث وراء المال كلما ازداد شعوره بالفقر، وهذا مما يزيد في تعبه وهمه وقلقه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أفرغ قلبك من هموم الدنيا وكن مهموما بالآخرة)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأمْرٌ ثالثٌ يُلاقِيه صاحب هم الدنيا : أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له، فتجده دوما يطلب الدنيا وهي دومًا هاربة منه، ويطلبها وهي تبتعد عنه، يجري وراءها كما يجري من يحسب السراب ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، فهو يسعى للمنصب والجاه والشهرة والثناء وغيرها، فهو يهلك نفسه من أجل ذلك، ولا يأتيه من الدنيا غير ما كتب له، ولكن ذلك عقوبة من الله له، وهذا ما جعل عثمان بن عفان ذا النورين رضي الله عنه يقول فيما روي عنه: (همّ الدنيا ظلمة في القلب، وهمّ الآخرة نور في القلب). المهموم بالدنيا وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح، فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له، بهذا نفث رُوح القُدُس في روع النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب)). وأصحاب هذا الهم استعاذَ مِن حالِهم خيرُ البشر – صلى الله عليه وسلم – فكان يقول في دعائه: ((اللهُمَّ لا تَجْعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)).
عباد الله
هذا هو حال مَن هَمَّ لأمر أُخراه، وخبر مَن أراد دنياه، فجعلها مقصده، ومنتهى مُناه، نسأل الله – تعالى – أن يحييَ قلوبنا مِن غفلتها، وأن يعليَ هِمَمنا في طاعته، وأن يجعلَنا مِمَّن أراد الآخرة، وممن سعى لها سعيها، وهو مؤمن. فلا بد أن نفرغ قلوبنا من هموم الدنيا ، فمن كان مهموما بالمال ، فالحق يناديه : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) الذاريات 22 ، 23، ومن كان مهموما بالولد فالله سبحانه هو القائل :(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الشورى 49 ، 50 ، ومن كان مهموما بضر مسه ، فليلجأ إلى الله الذي يكشف الضر ،يقول سبحانه : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) النمل 62 ، وقال تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) الأنبياء 83 ، 84، فأمور الدنيا كلها لا تستحق أن تجعلك مهموما مشغولا عن الله ، لأن الأمر كله بيد الله ، وليكن همك الذي يشغل قلبك هو هم الآخرة ، وكيف تنال رضا الله وكيف تنجو من عذابه ، قال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران 185 ،
الدعاء