خطبة عن ( من خصائص الأمة الإسلامية وفضائلها ومميزاتها )
أغسطس 27, 2022خطبة عن (من مظاهر قدرة الله: خلق السماء)
أغسطس 29, 2022الخطبة الأولى ( هو اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (8) التين
إخوة الإسلام
الله تعالى هو أحكم الحاكمين ،ونحن على ذلك من الشاهدين ،فهو أحكم الحاكمين خلقاً وإيجاداً، وصنعاً وتدبيراً، وقضاء وتقديراً، فهو سبحانه أقوى الحاكمين حِكمةً في قضائه ،بحيث لا يخالط حكمه تفريط في شيء من المصلحة، فالحكيم (جل جلاله) اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، لا ينبغي لغيره سبحانه أن يُسمى به ولا يُكنى، وهو: ” المتصف بكمال الحكمة في الأقوال والأفعال والأحكام والخلق والأمر سبحانه، فلا يقول ولا يفعل إلا الحق والصواب الذي لا يدخل في تدبيره وخلقه خلل، ولا زلل ولا نقص ولا عيب “، والله تعالى هو الحكيم (جل جلاله) فهو الذي يحكم بين عباده بما أراد، يحكم بينهم بالحكم الكوني ،وهو واقع ،فلا راد لحكمه، وله الحكم الشرعي التكليفي ،الذي هو صالح لكل زمان ومكان، والله تعالى هو المتفرِّد على كل ما في الوجود، فلا حكمَ إلا له تعالى، فالحكم لله ولا حكمَ لأحدٍ سواه، وهو لذلك خيرُ الحاكمين، قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (87: الأعراف)، وقال الله تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين) (109: يونس)، وقال الله تعالى: (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (يوسف :80). كما أنه تعالى أحكمُ الحاكمين إذ هو المتحكم بغيره من الحاكمين ،الذين ما كان أن يكون لهم حكمٌ لولا أنه حكَّمهم بإذنه فيما يشاء. فالحكمُ لله أولاً وآخراً، والحكم لله من قبلُ ومن بعد، وإن توارى من وراء حجاب الأسباب فتوهَّم الجاهلون أنه ليس هو مَن حكَّم مَن شاء فكان من الحاكمين، قال الله تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (45 هود)، قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) (7 التين). فيتبيَّن لنا أن الله تعالى متحكِّمٌ بالوجود بتدخُّله المباشر، كما يتجلى بفعل “كن فيكون”، وبتدخُّلٍ آخر غير مباشر بأسبابٍ توارى من وراء حجابها وسلَّطها على ما شاء من وقائع وأحداث هذا الوجود. وفي سنن أبي داود والترمذي بسند ضعيف: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ (لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَانْتَهَى إِلَى ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتَى) فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ (وَالْمُرْسَلاَتِ) فَبَلَغَ ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ »،
أيها المسلمون
وإيماننا بأن الله هو أحكم الحاكمين يعني: أن شريعة الله هي المنهج الحق ،الذي يصون الإنسانية من الزيغ ،ويجنبها مزالق الشر، ونوازع الهوى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس:57-58]. فهذا الدين بأصوله ومبادئه وفَّى ويفي بحاجات البشرية في كل عصر ومصر، وانتشر في أنحاء الدنيا، ودخل تحت سلطانه أجناس البشر، فوسع بمبادئه وقواعده كل ما امتد إليه نفوذه من المعمورة، وعالج كافة المشكلات على اختلاف البيئات، وما عجز في يوم من الأيام عن أن يقدم لكل سؤال جوابًا، ولكل واقعة فتوى، ولكل قضية حكمًا، فمن مقتضيات الإيمان: الإقرار بحق التشريع لله وحده، فالحكم لله وحده: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف:40]، فالحكم لله، والعبادة لله، ولا يجوز منازعة الله في حكمه، ولا يجوز صرف شيء من ذلك لغير الله. والتولي والإعراض عن تحكيم شرع الله من مسالك المنافقين والظالمين، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور:48-50]. وعلى الرغم من هذا الوضوح والجلاء ،إلا أن أعداء الإسلام أبوا إلا وضع العراقيل وتلفيق التهم، واختلاق الشبه حول الشريعة وشمولها وصلاحيتها، ولقد استطاع أعداء الإسلام أن يجعلوا ممن ينتسب إلى الإسلام من يحارب الشريعة ،ويقاوم تطبيقها بكل قوة؛ أما سمعوا قول الله: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:9]، فالله -سبحانه وتعالى- يريدنا أن نتخذه إلهًا وربًا وحاكمًا، ونرضى بذلك ونخضع لعظمته ونرضى بشريعته؛ لأنه خالقنا ورازقنا، ومحيينا ومميتنا ،وإليه مآبنا؛ فهو المستحق لأن يجعل حاكمًا، والله لا يرضى عنا حتى نقيم دولة الإسلام ،التي تسلم مقاليد الحكم إلى الذين يجعلون التشريع لله -تعالى- ،وتنبذ الطواغيت والظلمة الذين اعتدوا على سلطان الله ،ونازعوه في حكمه وقضائه. وقد قرر الإسلام بصورة واضحة هذه القضية فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا ﴾ [النساء:60].
أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله تعالى :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف:40] ، وقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (8) التين ،فإذا كان الصانع البشري، يعرف بصنعته أكثر ممن سواه، ويملك أسراراً عنها، وإذا كان هذا المخلوق البشري، يتصف بالعجز، والضعف، والقصور، ويتعرض للنسيان، وإلى المرض، وليس لديه من العلم إلا قليلاً، فإذا كانت هذه هي طبيعة المخلوق البشري، فهل هذا المخلوق البشري مؤهل لأن يصنع قانوناً يحل به مشاكل أبناء جنسيه، ويعالجها بجدارة متناهية، وقدرة فائقة على تحقيق العدل، بين بني البشر، وإنصافهم، وكبح جماح الفاسدين والمفسدين، والمجرمين، بالتأكيد فلا يستطيع، ولن يستطيع هذا المخلوق البشري إنتاج أي قانون قادر على تلبية حاجيات البشر كلها، وتحقيق العدل بينهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتحقيق السلام، والسعادة، والراحة، والطمأنينة، والسكينة، لأنه أعجز، وأضعف، وأحقر، وأجهل من تحقيق ذلك كله، إذن لا يبقى إلا صانع الإنسان، ومصوره، ومكونه، وخالقه، وهو الله أحكم الحاكمين، فهو الوحيد والأوحد، الذي يملك أسرار صنع الإنسان. وبما أن الله جل في علاه، يمتلك جميع الصفات العليا، وله الكمال المطلق، إذاً، فالله الأقدر، بأن يصنع للبشر جميعاً، قانوناً ينظم شؤونهم الحياتية في كل زمان ومكان، ويُقيم العدل الكامل، ويردع الفاسدين والمفسدين في الأرض، ويمنع اللصوص، من سرقة ممتلكات الناس، ويمنع انتشار الفاحشة، وأكل أموال الناس بغير حق، ويُضفي على المجتمع، هالة من القداسة، والنظافة، ويخيم عليه الطهر، والعفاف، والفضيلة، ومكارم الأخلاق، ويقوي الصلات الاجتماعية بين الأفراد، فيصبحون كلهم جسداً واحداً، ولُحمة واحدة.
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ،فحينما يفرض الله تعالى قطع يد السارق، فيخلص المجتمع من اللصوص، والحرامية، والسارقين الذين يسطون على بيوت الناس، ومحلاتهم، ومصانعهم، وبنوكهم، فيكون قطع أيديهم، عظة وتخويفاً للسارقين، وأماناً للمجتمع!، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ،حينما يفرض الله تعالى جلد الزاني، ورجم الزاني المحصن، ويأمر المؤمنين بقوة وشدة، بعدم الرأفة، والرحمة بالذين يقوضون الأخلاق الكريمة، ويشيعون الفاحشة، والرذيلة في المجتمع ،ففي ذلك سلامة للمجتمع من اختلاط الانساب ،وهتك الاعراض الناس ،
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) ،فحينما يطهر المجتمعات البشرية، من عصابات الإجرام والقتل، والمفسدين في الأرض، فيضع بنداً في قانونه العظيم، تتزلزل له فرائص المجرمين، وترتجف قلوبهم، فينهارون، ويتلاشون لشدة العذاب الذي سيتعرضون له، من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، والصلب ، قال الله تعالى 🙁إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (33) المائدة، فالله تعالى هو الرحمن الرحيم، وهو أرأف بعباده، من عباده بأنفسهم، وقد شرع لهم قانوناً متوازناً، ومناسباً، ومتلائماً مع بنيتهم المادية، والروحية، والنفسية، والعقلية، والفكرية، وضمن لهم حياةً طيبةً، صالحةً، تسودها الفضيلة، والطُهْرُ، والعفافُ، وخالية من القتل، والاغتصاب، والاعتداء، وخالية من انتهاك الأعراض، والرذيلة، ومن الظلم، والجَوْرِ، والطغيان، كما ضمن للإنسان كرامته، وعزته، وحريته، وكفل له انتقاد أعلى مسؤول في الدولة، وهو آمن على حياته.
أيها المسلمون
ومن عجائب القصص : قيل أن امرأة دخلت على نبي الله داود (عليه السلام) ،فقالت: يا نبي الله : ربك ظالم أم عادل، فقال داود: ويحك يا امرأة ،هو العدل الذي لا يجور، ثم قال لها: ما قصتك؟ ،قالت: أنا أرملة ،عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي ،فلما كان أمس شدّدت غزلي في خرقة حمراء ،وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه ،وأبلّغ به أطفالي ،فإذا أنا بطائر قد انقض عليّ وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئاً أبلّغ به أطفالي. فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام ،وإذا بالباب يطرق على داود ،فأذن بالدخول ،وإذا بعشرة من التجار ،كل واحد بيده مائة دينار ،فقالوا: يا نبي الله ،أعطها لمستحقها. فقال لهم داود عليه السلام ،ما كان سبب حملكم هذا المال؟ قالوا يا نبي الله : كنا في مركب ،فهاجت علينا الريح ،وأشرفنا على الغرق ،فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء ،وفيها غزل ،فسدّدنا به عيب المركب ،فهانت علينا الريح ،وانسد العيب ،ونذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار ،وهذا المال بين يديك ،فتصدق به على من أردت، فالتفت داود- عليه السلام- إلى المرأة وقال لها: رب يتجر لكِ في البر والبحر ،وتجعلينه ظالماً، وأعطاها الألف دينار ،وقال: أنفقيها
على أطفالك.
الدعاء