خطبة عن ( من عوائق التنمية في بلاد المسلمين كما تبينها سورة النمل)
مارس 17, 2018خطبة عن حديث (قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ )
مارس 24, 2018الخطبة الأولى ( هيا إلى الحسنات الجارية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (12) يس ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ « إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا ». قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُبْتَاعُ وَلاَ يُورَثُ وَلاَ يُوهَبُ. قَالَ فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِى الْقُرْبَى وَفِى الرِّقَابِ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. وروى ابن ماجة في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِى صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ».
إخوة الإسلام
إن من أهم الأمور التي يجب أن يعتني بها المسلم: رصيده من الحسنات الجارية ، فالحديث عن الحسنات أمر لا مهرب منه يوم القيامة، وهو المعيار الشرعي لترجيح كفة الميزان، والنجاة من النيران، والسعادة بدخول الجنان، قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ. فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ. نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6-11]، وقال الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (7) ،(8) الزلزلة ، ولذلك فالأمر يتطلب اليقظة التامة، والسعي الحثيث ،لاغتنام موارد جارية من الحسنات، حتى يجد المسلم نبعا متدفقا للأجور في حياته وبعد مماته، وفي السنة النبوية إرشاد لهذه المنابع من الحسنات الجارية ،لكي نرتوي من نبعها العذب، فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»؛ حسَّنه الألباني في صحيح الترغيب، فعلينا أن نعدَّ العدَّة لهذا اليوم العظيم، و أن نسارِع لنكتسب فضائل الأعمال الصَّالحة، ونَسعى لنَيل مغانم الأفعال والأقوال الطيِّبة، لنيل الخيرات والحسنات الجارية؛ والناس بعد الممات ينقسمون قسمين باعتبار جريان الحسنات والسيِّئات عليهم:القسم الأول: من يَموت وتنقطع حسناته وسيئاته على السَّواء، فليس له إلا ما قدَّم في حياته الدُّنيا. القسم الثاني: من يَموت وتبقى آثارُ أعماله من حسناتٍ وسيئاتٍ تجري عليه، وهذا القسم على ثلاثة أصناف: الأول: من يَموت وتجري عليه حسناتُه وسيئاته، فمثل هذا يتوقَّف مصيره على رجحان أيٍّ من كفَّتَي الحسنات أو السيئات. الثاني: من يَموت وتنقطع سيئاته، وتبقى حسناته تَجري عليه وهو في قبره، فينال منها بقدر إخلاصه لله -تعالى- واجتهاده في الأعمال الصَّالحة في حياته الدُّنيا، فيا طيب عيشه، ويا سعادته. الثالث: من يموت وتنقطع حسناته، وتبقى سيئاته تجري عليه دهرًا من الزَّمان إن لم يكن الدَّهر كله، فهو نائم في قبره ورصيده من السيئات يزدادُ يومًا بعد يوم، حتَّى يأتي يوم القيامة بجبال من السيئات لم تكن في حُسبانه، فيا ندامته ويا خسارته. ومن الحسنات الجارية : أولا : الصدقات الجارية: والصدقة الجارية هي ما يخرجه المؤمن من المال أو من غيره يراد به الثواب والأجر. ومعنى الجارية : أي الغير منقطعة ، وهي التي يستمر ثوابها في حياة المسلم وبعد موته ، فإذا أعطيت الفقير طعاما فأكله ، أو مالا فانتفع به ،فهذه الصدقة ليست صدقة جارية ،إنما يكتب أجرها فقط ، وأما الصدقة الجارية ، فلبقاء نفعها يدوم أجرها عند الله ، ومن أمثلة الصدقة الجارية ، ما رواه ابن ماجة : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِى صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ». هكذا يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أهم الصدقات الجارية (عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ) ، والعلم الباقي أثره ، وتجرى عليه حسناته في حياته وبعد مماته هو العلم النافع ، من علوم الدنيا والدين ، ويدخل فيه علم الطب والهندسة والصناعات والمهن والحرف ونحو ذلك، ولا شك أن أفضلها العلوم الشرعية ، مما يتعلق بالكتاب والسنة من علوم التفسير والحديث والفقه والعقيدة التوحيد والأخلاق والمعاملات والتهذيب والسير ونحوها. فتعليم الناس العلم ، وخاصة علوم الدين ، والشريعة ، هي من أعظم العبادات المتعدية النفع إن لم تكن أعظمها على الإطلاق ، وثواب من علم الناس الخير عظيم جدا و من ذلك أن له مثل ثواب من عمل بذلك العلم ، ففي سنن ابن ماجة ( أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ ». وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم (وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ) ، فكلمة الولد تشتمل الذكر والأنثى، فيدخل في ذلك الابن والبنت إذا كانا صالحين ، والصالح هو الذي قام بحقوق الله وحقوق العباد ، فكل من ربى أولاده وأحسن تربيتهم على الإسلام ورعايتهم وتوجيههم يكتب له أجر كل الاعمال الصالحة التي يقوم بها أبناؤه ،وكل مكرمة يعلّمها الأهل لأبنائهم تزيد من مقامهم ودرجتهم يوم القيامة حتى يبلغ المرء بذلك أعلى الدرجات ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا” رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم (وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ) ، ويدخل في ذلك كتابة المصاحف أو شراؤها وتوزيعها وإهداؤها للمساجد أو للإخوان المسلمين، إلى غير ذلك ، أما قوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ )، فبناء المساجد وعمارتها واقامة شعائر الدين فيها من الحسنات والصدقات الجارية للمسلم في حياته وبعد مماته ما انتفع المسلمون بها ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ». ويدخل في ذلك من ساهم في شرائه أو بنائه ، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرة العاملين، ونحو ذلك من العمل الذي ينسب إلى صاحبه أنه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورا أخرى للصدقات الجارية بقوله صلى الله عليه وسلم :(أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ ) ،فكل ذلك مما ينتفع به المؤمن ، اذا احتسب عند الله أجره ،وابتغى به وجهه الكريم ،
ومن صور الحسنات الجارية ،والصدقات النامية : إصلاح الطرق :فإن المسلم إذا أصلح الطرق وأزال عنها الأذى واستمر الناس ينتفعون بهذا فإن ذلك من الصدقات الجارية. ومنها : بناء المدارس الإسلامية : سواء في البلاد المسلمة أو البلاد التي بها أقلية مسلمة، وخاصة مدارس نهاية الأسبوع لتعليم اللغة العربية ومدارس القرآن . ومنها : المساهمة في بناء المستشفيات لعلاج المرضى: وخاصة من الفقراء والمحتاجين ، فكم من مريض لم يجد سريراً وهو بأمس الحاجة إليه؟ ،وكم من مريض احتاج إلى غسيل للكلى وعانى الأمرّين ليجد موعداً؟، وكم من المرضى الذين يرهقهم البحث عن علاج أو عن دواء ولم يجدوه ؟.فالمساهمة في تخفيف الألم ورفع المعانة ودوام نفع ذلك للفقراء والمعوزين من أفضل أبواب الصدقات الجارية . ومن صور الحسنات الجارية: نَشر العلم النافع على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فكل من يتعلَّم هذه المعلومات يدخل في باب عِلمٍ يُنتفع به. ومنها : تربية الأولاد تربيةً سليمة على أسس شرعيَّة؛ فتنال أجر استغفاره لك حيًّا وبعد الممات. ومنها : شراء مبرِّد مياه ووضعِه في مكانٍ عام ليَشرب منه المارَّة في الطريق أو في المسجد، ومنها : ( الوقف) من الأموال ، أو غيرها ، ووقفها على المحتاجين إليها ، فقد روى البخاري (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ . قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا نَزَلَتْ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بِيرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . فَقَالَ « بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ – أَوْ رَايِحٌ – شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ » . قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِى بَنِى عَمِّهِ . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ « رَايِحٌ » وفيه أيضا (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ فَإِنَّ لِى مِخْرَافًا وَأُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا)
أيها المسلمون
للحسنات الجارية فَضل كبيرٌ من الله تعالى، فلنحرص كلَّ الحرص على نيل هذا الفضل، ولنبلغ المسلمين عن هذا الأجر، وعن بعض الصور المشرقة من الصدقات الجارية التي ينبغي لكل مسلم أن يأت بها ،ولو مرة واحدة في العمر ، ليكون من أهلها ، فما يدرك كله ، لا يترك جله ، ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : – منيحة الغنم أو البقر أو الإبل للفقراء ليستفيدوا من وبرها ولبنها وروثها .فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أَلاَ رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسٍّ وَتَرُوحُ بِعُسٍّ إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ ». رواه مسلم ،ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : حفر الآبار في المناطق التي تحتاجها كالبوادي والقرى ، أو تعميق ما غارت مياهها ، وبناء ما تهدم من جدرانها . ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : إهداء بعض النساء الفقيرات ماكينات خياطة وتطريز لتعمل عليها وتستفيد من دخلها ، وإعطاء الفقراء بعض أدوات الزراعة كالحراثات والحصادات والمناجل ، وخير من ذلك البذور والشتلات التي تنتج مرة من بعد مرة . وتركيب برادات المياه الداخلية والحافظات بالمساجد ليشرب منها المصلون في تلك المساجد ،ووضع اباريق الوضوء في المساجد التي لا يوجد بها مياه في صنابير . وتعليق حوامل الكتب ولوحات الإعلانات عن المحاضرات والندوات والأنشطة الدعوية في المساجد ، وتوفير لوازم المساجد من المكيفات ومكبرات الصوت والساعات وغيرها . ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : حفر القبور للموتى ودفنهم فيها ، ففي سنن البيهقي (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أُجْرِىَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِيَّاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كَفَنَّهُ كَسَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ ». ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : التبرع بالأرض كطريق للمسلمين يعبرون منها بأقدامهم أو مركباتهم ،والتبرع بالأرض لجمعية خيرية أو هيئة شرعية لتبني عليها مقرها أو بعض منافعها ، والتبرع بالأرض لتكون مقبرة للمسلمين يدفنون فيها موتاهم ،والتبرع بالأرض للفقراء والمساكين ليبنوا عليها منازلهم ، والتبرع بالأرض للفقراء ليغرسوها ويستفيدوا من زرعهم فيها . ففي البخاري : (ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعًا فَقَالَ « لِمَنْ هَذِهِ » . فَقَالُوا اكْتَرَاهَا فُلاَنٌ . فَقَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا مَعْلُومًا » ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : شراء الملابس الجديدة وتوزيعها على مستحقيها من الفقراء والمحتاجين خاصة عند حلول العيد أو بداية العام الدراسي ،وفرش بيوت الفقراء بالفراش المناسب لهم، وتجهيز بيوت الفقراء بما يحتاجون إليه من أثاث ولوازم كالسرر وأدوات الطبخ والخزانات ( الدواليب ).، والتصدق للفقراء بالثلاجات والغسالات والسخانات وأدوات الكي وأجهزة التدفئة في المناطق الباردة ، والمكيفات المبردة في المناطق الحارة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هيا إلى الحسنات الجارية )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : إدخال السرور على أطفال الفقراء بإهدائهم لعب الأطفال الخالية من المخالفات الشرعية ولو كانت مستخدمة ، وتوزيع الخمار الشرعي “الحجاب” والعباءات الساترة على النساء في البلدان التي تعاني من تبرج وتهتك وسفور وتوفير لوازم دور التحفيظ النسائية المختصة بتدريس القرآن والسنة بمثل الكراسي والسبورات والأقلام وغيرها مما تحتاجه تلك الدور . ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : بناء استراحة على الطرق الطويلة تحتوي على بعض الخدمات المهمة كدورات المياه وغير ذلك مما يستفيد منه العابرون على تلك الطرق ، ففي سنن ابن ماجة : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ». ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : بناء مسكن مناسب لطلاب العلم الذين يؤمون العلماء ليجاوروهم ويأخذوا العلم عنهم ، ويقصدون الجامعات العلمية والشرعية لتحصيل العلم النافع فيها . – بناء مراكز إسلامية بالدول التي يوجد بها أقلية مسلمة وتجهيزها بلوازمها المهمة فيها . ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : منح بعض الفقراء وسيلة مواصلات خاصة بهم ،ففي صحيح مسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ». قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : منح بعض المرضى المعاقين سيارات خاصة تناسب حالتهم الصحية وتتوافق مع إعاقتهم ، أو التبرع بسيارات إسعاف لبعض مراكز الإسعاف لنقل المرضى والجرحى وخصوصا حال الأزمات في الحروب والآفات العامة . والتبرع بسيارات لنقل الموتى من البيوت والمستشفيات والمساجد للمقابر ليتم دفنهم فيها ،والمساهمة في توفير الأطراف الصناعية لبعض المرضى الذين اتلوا بتلف بعض أطرافهم أو بترها ، والتبرع لمرضى السكر بأنابيب تحليل السكر عند عجزهم عن شرائها ، والتبرع بجهاز توسيع الشعب الهوائية لمن أصيب بضيق في التنفس، وشراء النظارات البصرية للفقراء المصابين بعجز في نظرهم . ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية :غرس الشجر الذي يستفيد الناس من ثمره أو ظله أو ورقه أو جذوعه، ففي الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا ، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » ، ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : إنشاء موقع على شبكة الإنترنت العالمية تدعو إلى الإسلام والمعتقد الحق والمنهج الصواب الموافق للكتاب والسنة ،وكذلك المساهمة في إنشاء قناة فضائية إسلامية تدعو إلى الإسلام وتنافح عنه ، بضوابط شرعية لا بد منها ، أو إنشاء إذاعة إسلامية تنشر الخير في الأرض ، ويمكن أن تكون إذاعة محلية تختص بقطر معين أو تكون عالمية الإرسال ، وإعداد مجلة إسلامية شرعية تتناول قضايا الإسلام والمسلمين ، ففي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ »، وقال صلى الله عليه وسلم « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) ، ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : مد المجاهدين في سبيل الله بلوازم الجهاد من عدة وعتاد ، وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ». وفي الصحيحين : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا » ، ومن كنوز الصدقات والحسنات الجارية : إهداء حقيبة المدرسة التي تحتوي على لوازم الدراسة من أقلام ودفاتر وألوان ومراسم لأبناء الفقراء عند بداية العام دراسي ، أو توفير حاسب آلي لمن ينتفع به في الدعوة إلى الله تعالى سواء كان لأفراد أو لمجموعات دعوية أو إغاثية ، أو إضاءة الطرق المظلمة التي يحتاج إليها المسلمون في تنقلاتهم في الليل . أو تركيب المظلات التي تحمي من الشمس والمطر للطلاب في المدارس أو للمنتظرين لسيارات النقل العام في الطرق العامة ، أو تمهيد وتعبيد طرق المسلمين التي تهدمت من السيول الجارية والأمطار الغزيرة والتصدعات الخطيرة وغيرها ، ففي مسند أحمد (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ زَحْزَحَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً يُؤْذِيهِمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ »
أيها المسلمون
الحسنات الجارية ، إنها أعمال يسيرة ، وأخرى كبيرة تناسب كل ذي همة ، وتوافق كل ذي عزيمة ، وهي بضاعة رائجة ،وتجارة مثمرة ، معروضة على عرصات الحياة، وكل الناس يغدو إليها ، وينافس عليها ، فأين أنت عنها ؟! ،هل ترضى بالدون وتقنع باليسير ؟ ، فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». وغدا تقوض الخيام ، وتخلع الأوتاد ، وترفع الأطناب ، وينادى في الأهل والأحباب ، الرحيل …الرحيل ! فيا لفرحة الفائزين برضوان رب العالمين ! ويا لحسرة وخسارة المفلسين في يوم القيامة والدين ! ويا لخسارة الغافلين يوم يصاح في آذانهم ، جاء الأجل .وانتهت فرص العمل ، وأنتم في خمول وكسل ، فعضوا أصابع الندم ، وأدروا دموع الألم ، اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل !
الدعاء