خطبة عن حديث (الْعُطَاسُ مِنَ اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ)
مايو 7, 2022خطبة عن الكلمة الحسنة الطيبة (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( هيا إلى : قوارب النجاة ، وهلموا إلى شعاع النور )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (42) :(43) هود ،وقال الله تعالى : (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (40) النور
إخوة الإسلام
كل إنسان مسلم عاقل على ظهر هذه البسيطة يعلم علم اليقين أنه في بحر متلاطم الأمواج، وهو في غمرة خوضه لهذا البحر بحاجة لقوارب نجاة ، وشعاع من نور ،قد تكون سببا في وصوله إلى بر الأمان، فينال المغفرة والرضوان من الواحد الديَان ،فيلقاه وهو عليه راض غير غضبان ،فيدخله خضر الجنان بإذنه سبحانه وتعالى ، فحياة المؤمن كلُّها صراعٌ بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فإنْ هو استجاب للشيطان والهوى، تردَّى إلى المهالِك والخسران، وإنْ هو استجاب لداعي الحق والهدى، ارتَقَى إلى أعلى الدرجات، ولقد قيَّض الله للمؤمن قوارب للنجاة منَ المهالك، وشعاعا من النور ينير له طريقه ، فإن هو استجاب إليها أقلَّتْه إلى شاطئ الأمان، وأنْجتْه منَ الضَّياع والهلاك، وأبصر طريقه المستقيم. وإليكم بعضَ هذه القوارب التي أعَدَّها الله لعبادِه المتقِين : القارب الأول : هو قارب معرفة الله : وهو قارب النجاة من كلِّ ضلالة وانحراف، فالذي يعرف الله تعالى، يعرف بالتالي الطريق إلى كل خير، ويجتنب بالتالي أسباب الوُقُوع في الشَّرِّ، فمعرفة الله أول طريق السالكين، ومنطقة سبيل المسترشدين، والحصانة من كل سوء، والأمان من كلِّ زيغ. ومعرفة الله – عز وجل – إنما تتحقق، وتتزايد، وتتعمق، بتزايد الاطلاع على خلقِه، والإدراك لصنعه، وقدرته، وفضله، وآياته البيانات، فيما كان ويكون. والمؤمن الحقيقيُّ يجب أن يقدر الله حق قدره، ويعرفه حق معرفته، يعرف طريق الوصول إليه، والتقرب إلى جلاله، يعرف ما يرضيه، وما يسخطه، وما يدنيه منه، وما يبعده عنه، يعرف ذلك ليس لذات المعرفة؛ وإنما للتقيُّد والالتزام؛ لتزكية النفس، وتخليتها، وترقيتها، حتى تبلغ درجة الرَّبَّانيَّة؛ قال الله تعالى : ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: 79]
أيها المسلمون
أما القارب الثاني من قوارب النجاة : فهو معرفة حال القلوب وتزكيتها : فواجب علينا جميعا أن نراجع حال قلوبنا مع الله سبحانه ، وأن نسعى لتزكيتها وتطهيرها ،قال ابن القيم (رحمه الله): في قوله تعالى: “وثيابك فطهر”: جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب، بل قال سبحانه عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله: “أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة: 41)، فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب. بل لزمنا جميعاً أن نتعرف على أعمال القلوب، ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، فقد قال صلى الله عليه وسلم : “ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ” رواه البخاري ومسلم. وقال الله سبحانه : “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ” الجمعة (2)، فقدم التزكية على التعليم ،وذلك من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها، فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد ،كما في الحديث: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ” رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل أهم الأعمال وأعظمها.. والمراد بالأعمال القلبية هي تلك الأعمال التي يكون محلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله عز وجل، ولذلك نجد آيات كثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال تعالى: “وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ” [الحجرات:7] هذا بالإضافة إلى المحبة لربه، والخوف والرجاء، والخشوع والتوكل والإنابة، والصبر واليقين، والخشوع، وما إلى ذلك، أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب، فالإيمان هو إيمان القلب، والتقوى هي تقوى القلب، كما قال الله سبحانه: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” [الحج:32] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : “التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ” رواه مسلم. وأعمال القلوب كأعمال الجوارح ،يتعلق بها الثواب والعقاب أيضاً، فكما أن المرء محاسب على قول لسانه وفعل جوارحه ،فهو محاسب على عمل قلبه ،وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم ،فقال سبحانه: “يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء:88، 89)، والقلب السليم : هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه ،وخلص عمله له ،وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره سبحانه وتعالى . ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ ،إنما هو ابتلاء القلوب قال الله سبحانه : “وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ” (آل عمران: 154)، وقال سبحانه: “أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى” (الحجرات: 3). وأعمال القلوب يتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلا وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه فإن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ – رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ . قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ « وَمَا ذَاكَ » . قَالَ الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ . فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ . فَخَرَجْتُ فِى طَلَبِهِ ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِى الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ »
فالله سبحانه وتعالى لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك ،فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها. كذلك فأعمال القلوب أنها أساس النجاة من النار والفوز بالجنة كالتوحيد ،فهو عبادة قلبية، وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قول النبي صلى الله عليه وسلم : “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: “هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ” رواه أحمد. كذلك فإن أعمال الجوارح كما ذكر ابن القيم رحمه الله- في (مدارج السالكين) لها حد معلوم، وأما أعمال القلوب لا حد لها، بل تضاعف أضعافاً، وذلك لأن أعمال الجوارح مهما كثرت وعظمت لها وقت معلوم، أما العبادات القلبية فإنها إذا استقرت في قلب العبد، فإنها تكون ملازمة له على كل حال. أما عن أهم أعمال القلوب : فهو النية الصالحة بالإخلاص لله سبحانه وحده لا شريك له ، فهو رأس مال العبد الصالح ومدار سلامة قلبه، والتسليم له سبحانه ،والرضا به رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، وبالقضاء والقدر ، والمحبة له سبحانه ولدينه ولنبيه ولكتابه ،والمحبة فيه سبحانه لعباده المؤمنين، والخوف والوجل منه سبحانه ،الذي هو أساس تقواه، والتوكل عليه سبحانه ،والصبر على طاعته ، الذين هما أساس البذل لدينه والثبات عليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قوارب النجاة وشعاع النور)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قارب آخر من قوارب النجاة ألا وهو : الهروب من الفتن : فقد أخبرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بظهورِ الفتنِ في الدّين والدّنيا؛ فتنُ الدّين : بما يصدّ عن الإيمان بالله جلّ وعلا ،والقيام بأمره واتّباع هديِ نبيّه ، وفتنُ الدّنيا : بما يحصُل من القتلِ والخوف والسّلب والنّهب ونحوِها، وقد ثبَت في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ، وَيُلْقَى الشُّحُّ ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ . قَالَ « الْقَتْلُ الْقَتْلُ »، والشريعةَ الإسلاميّة ـ وهي الصالحةُ لكلّ زمانٍ ومكان ـ قد تضمَّنت من الضماناتِ والأسُس ومن المبادئ والأصول ما يَكفل للأمّة جميعِها توقّي أخطارِ الفتن، وما يضمَن الحصانةَ الوقائيّة لدفعها قبل وقوعِها، ولرفع أضرارِها وآثارِها بعدَ حُلولِها. توجيهاتٌ سامِيَة تضبِط زمامَ الأمُور أن ينحرِف، وتعليماتٌ كريمَة تصون العقولَ أن يضلّ أو تتخبّط، وتدابيرُ شرعيَّة تقي الخطواتِ أن تتَعثّر أو تزلَّ عن الصواب. فمن محاسن ديننا دين الإسلام : أنه لم يسلمنا للفتن ،بل وجهنا إلى كيفية التعامل معها ،وأوضح لنا سبل الخلاص منها ،أي الخروج منها، ومن هذه السبل :السبيل الأول: الاعتصام بالله: كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] فالتمسك بالله هو الهادي إلى الحق، ويتحقق بأمرين: الأمر الأول: التمسك بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]. وقال الله سبحانه: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]. وفي مسند الإمام أحمد وغيره (عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».
الأمر الثاني: التوجّه إلى الله والاعتماد عليه :بالتوبة الصادقة وملازمة الاستغفار والإلحاح بالدعاء والتقوى بطاعته واجتناب فيما عنه نهى وزجر: قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] ،وقال الله تعالى على لسان هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52]. ، وقال الله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29]. وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2-3]. وقال الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. وقال الله جل جلاله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ ». رواه مسلم ، وعَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ قَالَ « الْقَتْلُ » .رواه ابن ماجه وصححه الألباني
الدعاء