خطبة عن (نعم الله تعالى ظاهرة وباطنة)
ديسمبر 5, 2022خطبة عن حديث ( طهِّروا أجسادَكم )
ديسمبر 7, 2022الخطبة الأولى ( هَذَا رَبِّي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (75) :(79) الانعام
إخوة الإسلام
إن للجهل بالله سبحانه وتعالى، وعدم معرفته المعرفة الصحيحة آثاراً سلبية عظيمة، وأعظمها أن يقع الجاهل بالله في أعظم ذنب، ألا وهو الشرك بالله، وما قال بنو إسرائيل لنبي الله موسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) الاعراف (138)، إلا بسبب جهلهم بالله، وعدم معرفتهم به سبحانه- معرفة حقيقية، ولذا قال لهم موسى -عليه السلام-: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف: 138]. فالجهل بالله مصيبة عظيمة، تجعل الإنسان يتخبط في هذه الحياة؛ فلا يعرف خالقه، ولا يعرف شرعه، فهو يسير على غير هدى، تتحكم فيه الأهواء والشهوات، ويتلاعب به الشيطان، وتقاذفه الشبهات، وتسيّره النفس الأمارة بالسوء؛ فتوقعه في المخالفات العظيمة, والموبقات الكبيرة، فطالما كان القلب بعيدًا عن معرفة بارئه، فإنه يظل مستوحشًا .
وقد فطر الله عزَّ وجلَّ القلوب على معرفته لأن الله تعالى قد خلق جميع عباده حنفاء، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ « أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)، وفي صحيح البخاري: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » ،ثُمَّ يَقُولُ ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ )، ويقول ابن القيم “والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهي هذه الخصال (أي: سُنن الفطرة)، فالأولى: تزكي الروح وتطهر القلب، والثانية: تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها” [تحفة المودود] ، ومن عرف الله حق المعرفة، فقد وجبت له سعادة الدنيا والآخرة .. قال مالك بن دينار: (خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قالوا: وما هو يا أبا يحيى؟، قال: معرفة الله تعالى). [حلية الأولياء]، فلو عرفنا الله المعرفة المطلوبة لتغيرت أحوالنا، ولتحسنت أوضاعنا، ولصرنا في حال غير الحال الذي نحن عليه اليوم، ولكن لما كان الجهل بالله يلازمنا، قل خوفنا منه، وضعف رجاؤنا فيه، فكثرت الجرائم، وتحولت النعم ،
والعبد إذا عرف الله عبده حق عبادته، وقدّره حق قدره؛ فهذه المعرفة تجعله يعبد الله وهو يعلم من هو الله الذي يعبده ويتقرب إليه، بخلاف الذي يعبد الله وهو لا يعرفه حق المعرفة، والعارف بربه يعبده بإجلال وخضوع ووقار وخشوع، وبالتالي سيكثر من عبادته والتقرب إليه، وكلما زادت عظمة الله في قلب العبد؛ كلما ازداد شوقاً له، وحباً لعبادته، والتقرب منه، ومن أراد أن يعرف ربه حق المعرفة فعليه بالقرآن، ومن أراد أن يعظمه حق التعظيم والإجلال فعليه بالقرآن ، فإن ثلث القرآن يتكلم عن الله -سبحانه- وتوحيده، وعظمته، وأسمائه وصفاته؛
أيها المسلمون
وإن المتأمل والمتدبر لهذه الآيات المباركات من كتاب رب الأرض والسموات، والتي تصدرت بها هذه الخطبة، يتبين له: أن قول إبراهيم لقومه هذا القول فيه تنبيه لهم لمعرفة الله الرب الحق ،وأنه سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، ولا ند له، ولا نظير ولا مثيل له ، وأن هذه الكواكب ، وذاك القمر ، وتلك الشمس ، كلها لا تستحق الألوهية، ولا تستحق العبادة، لأنها مخلوقات لله، وفي قوله هذا أيضا تهيئة لنفوس قومه، والتفكر في خالق الكون ومدبره، فهو يهيئ القوم قبل التصريح لهم بأن له ربا غير الكواكب، وفي قوله هذا برهان عقلي واضح أن الخالق للعالم العلوي والسفلي هو الذي يتعين أن يُقصد بالتوحيد والإخلاص، وأن هذه الأفلاك والكواكب وغيرها ما هي إلا مخلوقات ، ليس لها من الأوصاف ما تستحق العبادة؛
وفي قوله: (هَذَا رَبِّي ) وقوله: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : فيه بيان لصفات هذا الرب الخالق العظيم، الكريم الرحيم، (فهذا ربي) : فهو رب يأمر رسله بالرحمة واللين مع عباده، قال الله تعالى لرسله محمدا : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (159) آل عمران، (هذا ربي) : فهو رب يدعونا أن ندعو إليه سبحانه باللين والحكمة، فقال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (125) النحل، وقال سبحانه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (43)، (44) طه، وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (33) ،(34) فُصلت وقال تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ) (48) الشورى ، ويوصينا نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: (يَسِّروا ولا تُعسِّروا وبَشِّروا ولا تُنفِّروا) ( صحيح البخاري)،
(هذا ربي) : فهو سبحانه يخبرنا بنتائج أعمالنا ويوضح لنا الرؤية، فيأمرك بالصلاة لتستمتع في حياتك قبل آخرتك، لترتاح نفسيا وتسعد، ويأمرك بالزكاة لتطهر مالك، فتلقاه بمال حلال ، ويأمرك بالصيام لتصبح من المتقين، وتقوى أمام الفتن، ويأمرك بالحج لتتعلم أصول المعاملة في غمرة الزحام، فربك ينقيك من الذنوب، ويقربك إليه، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة، وإذا سألك عبادي عني، وليس إذا سألك المتقون، أجيب دعوة الداع، وليس المؤمن، حتى إذا دعاه مذنب أجاب دعوته، ورق قلبه لخالقه، فاقترب منه، وذاق حلاوة قربه، وجنة حبه،
(هذا ربي): يتنزل كل ليلة تنزيلا يليق بجلاله، ليغفر الذنوب ، ويتوب على خلقه، ويجيب دعواتهم ، وينزل عليهم رحماته بالليل والنهار، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ». وفي رواية: « يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ».
أيها الموحد
إن القرب من الله تبارك وتعالى لا يحرمك شيئًا من لَذَّة الحياة الدنيا المباحة، أو متاعها الطيب، بل هو ينمِّي هذه المتعة ويباركها ويزكِّيها وينظمها، وأجمل الأوقات وأطيبها هو ما قضاه العبد قريبًا من ربه تبارك وتعالى، ذاكرًا، أو مناجيًا، أو شاكرًا، أو عابدًا، أو في أمر من أمور حياته الدنيا، يستشعر به طاعته لله عز وجل، أو نفعه لإخوانه المسلمين، أو خدمته لأمته، فإن الله سبحانه وتعالى قد وسع على عباده، فقال سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) [الجاثية: 13].
(هذا ربي): فربك قريب منك، فنَبْضُ قلبك، وتَأَلُّق فكرك، وحركة جسدك، وتَقَلُّب زمانك، وليلك ونهارك كله بيده سبحانه وتعالى، لا يعزُب عنه مثقال ذرة من شأنك، ولا يغيب عنه حال من أحوالك. قال سبحانه وتعالى عن موسى وهارون عليهما السلام: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) [طه:46]. فالله تعالى أقرب إليك من حبل الوريد، فلا يليق بمن آمن بربه عز وجل أن ينساه لحظة من حياته. فلنتعرف إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وإلى آثار هذه الأسماء والصفات في حياتنا، فكل حياتنا وحياة من حولنا من البشر، والجماد، والحيوان، والأملاك والأفلاك، أثر من آثار عظمة الله تبارك وتعالى وقدرته. فالكون كله يسبِّح الله تبارك وتعالى، فالسموات والأرض، والنجوم والجبال، والشجر والدواب، وكل شيء يسبح الله عز وجل، ويتلو الثناء له والتمجيد والاعتراف بعظمته وألوهيته، وسلطانه الكامل وقدرته التامَّة، وأَحَدِيَّتِه، وسَرْمَدِيَّتِه، ومجده وعظمته (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هذا ربي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يجدر بالإنسان أن يتعرف إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، فإنها أشرف العلوم وأعظمها وأجملها وأزكاها، فحينما يتعرف المرء على الله تبارك وتعالى بعظمته التي لا تحيط بها العقول، ولا تُدْرِكها الأوهام، ولا تستوعبها اللغات، يزداد إيمانا، وقربا وطاعة وحبا، فما أحوجنا إلى الله تبارك وتعالى، وإلى التعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العُلى، وإلى أن نتوجه إليه تبارك وتعالى- وهو الغني عنا- بمحبتنا وتَأَلُّهِنا، وذِكْرنا واستغفارنا، بما يكون صفاءً لقلوبنا، وزادًا إلى آخرتنا، ومرضاة وقربى وزلفى إليه تبارك وتعالى. ومن الواضح أن الصورة الذهنية الصحيحة عن الله تعالى تتجلى بعد الموت، لأنه سبحانه لا يحب العذاب لعبادة (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (147) النساء، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»، وفي الصحيحين : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»، فتعرف أخي الموحد على الله. فإنه القريب الرحيم الودود المجيب، ثم انطلق بهمة لتحقيق هدفك، وتعامل مع الله بحب وحسن ظن كبير، فهو يحبك ويدعمك، والمعرفة الصحيحة بالله تدفع المؤمن لمزيد من العمل والجهد، لأنه واثق من الإجابة، وليس محبطًا كما يريد الشيطان له أن يكون.. فلا تستجب له، فإنه يهدف لأن يصيبك بالحزن والهم والغم.. وهذا ما يمتناه، فأقبل على الله بعقل وقلب يحبه بلا خوف، افعل ما يرضيه، وابتعد عما يغضبه، لتذوق حلاوة الإيمان.
الدعاء