خطبة عن ( كيف تنال رضا الله؟ )
أكتوبر 19, 2022خطبة عن (تيجان الرحمن لأهل الإيمان، وحديث (يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الذاريات (24): (30)
إخوة الإسلام
من المشاهد المؤثرة في قصص الأنبياء كما جاء في القرآن الكريم مشهد زيارة الملائكة (عليهم السلام ) لبيت نبي الله وخليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) ،وما تضمنه هذا الموقف الفذ من المبالغة في إكرام الضيف، حيث قال الله تعالى: (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) الذاريات (26)، وقال تعالى: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (69) هود، فيبين ذلك مدى إكرام إبراهيم (عليه السلام) للضيفان، ومما لا يخفى على أحد أن الاسلام يحث على مكارم الاخلاق ، وحسن المعاملة؛ حتى جعل حسن التعامل مع الناس من أخص صفات المؤمنين، وإكرام الضيفان من أمارات الإيمان؛ ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»، فمن أكرم الضيف نال خلعة الإيمان، ورضا الخالق، وحب المخلوقين، قال ابن عبد البر: (أجمع العلماء على مدح مكرم الضيف، والثناء عليه)، وعن أَبي شُرَيْحٍ خُوَيلِدِ بن عمرٍو الخُزَاعِيِّ قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ، قالوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رسول اللَّه؟ قَالَ: يَومُه وَلَيْلَتُهُ، والضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذلكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ) متفقٌ عَلَيْهِ. وفي روايةٍ لِمسلمٍ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ، قالوا: يَا رسول اللَّه، وكَيْف يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلا شَيءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ).
أيها المسلمون
ومما تضمنته هذه القصة أيضا: تلقي نبي الله إبراهيم وزوجه البشارة بالولد، بعدما انتهت أسباب الأرض، وبعد أن بلغت الزوجة سن اليأس ،إضافة إلى عقمها ،وأصبح الزوج الصالح شيخاً هرماً ,قال الله تعالى: (وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) الذاريات (28) ،(29)، فكان رد الملائكة دقيقاً محدداً بأنه أمر الرحمن وقدره الذي يدل على قدرته ولو تخلفت كل الأسباب. فالله تعالى على كل شيء قدير، فهل يستطيع أحد أن يخلق من التراب بشراً سوياً ، فلا يقدر على ذلك إلا الله تعالى، فهو على كل شيء قدير ، وقد أخبرنا عن ذلك بقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (فاطر:11). وهل هناك من يستطيع أن يخلق امرأة من رجل بدون امرأة ؟. إنه الله وهو على كل شيء قدير ، وقد أخبرنا عن ذلك بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً} (النساء:1). وهل هناك من يستطيع أن يخلق طفلاً من امرأة بلا رجل ؟. إنه الله تعالى ،فهو على كل شيء قد ير، وقد أخبرنا الله تعالى عن خلق عيسى من مريم عليه السلام، بقوله تعالى: { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (آل عمران:47). ومن ذا الذي يستطيع أن ينسف هذه الجبال الشامخة العظيمة الصلبة فيجعلها مستوية بالأرض ؟. إنه الله تعالى، والذي هو على كل شيء قدير، وقد أخبرنا الله سبحانه عن ذلك بقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (105) :(107) طه حقا ،فقد قال الله تعالى :{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة:120).
أيها المسلمون
ومما تضمنته هذه القصة المباركة: إخبار الملائكة إبراهيم عن تنفيذهم لحكم الله في قوم لوط بعدما أمهلهم الله فلم يزدهم الإمهال إلا طغياناً وإسرافاً, وازدادوا في مبارزة الله بنعمه، وازدادت فطرتهم انتكاساً ،وازدادت قلوبهم عن الله بعداً وعناداً ،فكان قرار الإهلاك الذي لا مرد له ،حتى أن الله تعالى لم يقبل فيهم شفاعة نبيه إبراهيم عليه السلام . فمن سنن الله تعالى في خلقه سوق الظالمين إلى مهالكهم، بما كسبت أيديهم. وهي سنة في الظالمين ثابتة ،لا تتغير ولا تتخلف، سواء كان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، فلله مع الظالمين سنن وأيام، جعلها الله عبرة لمن يعتبر، فكم حفظ التاريخ مصارع أمم ودول ومجتمعات، كفروا بأنعم الله، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، ففي شأن الظالمين قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [النحل: 113]، فأرسل الله عليهم عقوبات استأصلت شأفتهم، وقضت عليهم، فها هي آثارهم باقية، ومساكنهم خاوية، لم تنفعهم قوتهم، ولم تغن عنهم كثرتهم من الله شيئًا. فأين عاد ، قال تعالى: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ﴾ [الفجر: 7-8]؟ وأين ثمود، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [الفجر: 9]؟ ، وأين الفراعنة ، قال تعالى: ﴿ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ [الفجر: 10-5]؟ ،وأين من نقبوا البلاد.. وأذلوا العباد؟!، وأين من نحتو الجبال، واتخذوا منها بيوتا فارهين؟ ،وأين من حازوا القوة، وقالوا من أشد منا قوة؟، وظنوا أنهم بمنجاة حتى فاجأهم العقاب، وأذلَّهم العذاب، وأوقع الله بهم بأسه، فلم ينفعهم الندم. فصاروا بعد الوجود أثرًا، وأصبحوا للتاريخ قصصًا وعبرًا، قال تعالى: ﴿ فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما تضمنته هذه القصة من الحكم والأحكام: أن من الحكمة، قص الله على عباده نبأ الأخيار والفجار، ليعتبروا بحالهم وأين وصلت بهم الأحوال. ومنها: فضل إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، حيث ابتدأ الله قصته، بما يدل على الاهتمام بشأنها، والاعتناء بها. ومنها: مشروعية الضيافة، وأنها من سنن إبراهيم الخليل، الذي أمر الله هذا النبي وأمته، أن يتبعوا ملته، وساقها الله في هذا الموضع، على وجه المدح له والثناء. ومنها: أن الضيف يكرم بأنواع الإكرام، بالقول، والفعل، لأن الله وصف أضياف إبراهيم، بأنهم مكرمون، أي: أكرمهم إبراهيم، ووصف الله ما صنع بهم من الضيافة، قولاً وفعلاً، ومكرمون أيضًا عند الله تعالى. ومنها: أن إبراهيم عليه السلام، قد كان بيته، مأوى للطارقين والأضياف، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان، وإنما سلكوا طريق الأدب، في الابتداء السلام فرد عليهم إبراهيم سلامًا، أكمل من سلامهم وأتم. ومنها: مشروعية تعرف من جاء إلى الإنسان، أو صار له فيه نوع اتصال، لأن في ذلك، فوائد كثيرة. ومنها: أدب إبراهيم ولطفه في الكلام، حيث قال: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} ولم يقل: {أنكرتكم} ،ومنها: المبادرة إلى الضيافة والإسراع بها، لأن خير البر عاجله. ومنها: أن الذبيحة الحاضرة، التي قد أعدت لغير الضيف الحاضر إذا جعلت له، ليس فيها أقل إهانة، بل ذلك من الإكرام، كما فعل إبراهيم عليه السلام، وأخبر الله أن ضيفه مكرمون. ومنها: ما من الله به على خليله إبراهيم، من الكرم الكثير، وكون ذلك حاضرًا عنده وفي بيته معدًا، ومنها: أن إبراهيم، هو الذي خدم أضيافه، وهو خليل الرحمن، وكبير من ضيف الضيفان. ومنها: أنه قربه إليهم في المكان الذي هم فيه، ولم يجعله في موضع، ويقول لهم: {تفضلوا، أو ائتوا إليه} لأن هذا أيسر عليهم وأحسن. ومنها: حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين، خصوصًا، عند تقديم الطعام إليه، فإن إبراهيم عرض عليهم عرضًا لطيفًا، وقال: {أَلَا تَأْكُلُونَ } ولم يقل: { كلوا}، فينبغي للمقتدي به أن يستعمل من الألفاظ الحسنة، ما هو المناسب واللائق بالحال، ومنها: أن من خاف من الإنسان لسبب من الأسباب، فإن عليه أن يزيل عنه الخوف، ويذكر له ما يؤمن روعه، ويسكن جأشه، كما قالت الملائكة لإبراهيم [لما خافهم]: {لَا تَخَفْ}، وأخبروه بتلك البشارة السارة، بعد الخوف منهم. ومنها: شدة فرح سارة، امرأة إبراهيم، حتى جرى منها ما جرى، من صك وجهها، وصرتها غير المعهودة. ومنها: ما أكرم الله به إبراهيم وزوجته سارة، من البشارة، بغلام عليم.
الدعاء