خطبة عن ( قصة أَصْحَابِ الْجَنَّةِ دروس وعبر)
نوفمبر 11, 2017خطبة عن ( جبر الخواطر، وتطييب النفوس)
ديسمبر 2, 2017الخطبة الأولى ( واجب المسلم تجاه المظلومين والمستضعفين من المسلمين)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الأنفال : 72 ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ ». رواه أبو داود ،وفي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ « تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ »
إخوة الإسلام
علَّمَنا إسلامُنا وشريعتنا – شريعة العدل والرحمة – أن نصرة المظلوم واجبٌ شرعي، حتى لو كان هذا المظلوم كافرًا، قال تعالى : ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، بل ولا يجوز التباطؤُ في نصرة المظلوم؛ لأن اللهَ أمرَنا بذلك في الآية سالفة الذكر، فقال تعالى : ﴿ فَأَجِرْهُ ﴾. فإذا كان هذا في حق الكافرين، فهو آكَدُ في حق المسلمين المستضعفين، يقول الله تعالى : ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75]، فالروابطُ الإيمانية ، والأخوة الإسلامية ، تحتِّم علينا حقوقًا وواجباتٍ تجاه المستضعفين والمعذبين والمقتلين والمشردين والمظلومين والمعتقلين من المسلمين في كل مكان ، فهذا الدم الإسلامي الذي نراه يُراق، وهذه الأعراضِ التي نشاهدها تُنتَهك، وصرخات المظلومين التي نسمعها تخترق الآذانَ ، كل ذلك يدعونا إلى أن نسأل أنفسنا هذا السؤال ، والذي نسمعه يتردد كثيرا بين المسلمين من عامة الناس ، وأقول من عامة الناس (وليس أصحاب النفوذ ولا الحكام من الرؤساء أو الملوك أو الوزراء )
والسؤال : ما هو واجب المسلم العادي تجاه إخوانه من المسلمين المعذبين والمقتلين والمشردين والمظلومين ؟؟ وماذا باستطاعة المسلم العادي أن يقوم به أو يعمله ، تجاه هؤلاء المستضعفين ، وهو لا يملك شيئا ، وليس فيه يده سلطة أو قرار ؟ يقول ابن القيم: “المواساة للمؤمن أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجُّع لهم، فعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساةُ؛ فكلما ضعُف الإيمان ضعُفت المواساة، وكلما قوي قويت، فالمسلم العادي الذي ليس بيده اتخاذ قرار الجهاد ، ولا تحريك الجيوش ، ولا حمل السلاح ضد أعداء الاسلام ، فنصرته لإخوانه من المستضعفين لها أشكال متعددة كل حسب استطاعته ، فالله سبحانه وتعالى هو القائل في محكم التنزيل : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) البقرة 286، وقال تعالى : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق 7، وانظروا في أخبار السابقين كما قصها علينا القرآن الكريم ، فهذا الرجل المؤمن كان يعلم يقينا أنه ليس في استطاعته محاربة فرعون وجيوشه ، وليس في استطاعته أن يمنعه من قتل سيدنا موسى ، ولكن في استطاعته أن يخبر موسى بخبر القوم ، وعزمهم على قتله ، وفي استطاعته أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ولو في حدود ضيقة ، ولأجل ذلك ، فقد جاء هذا الرجل المؤمن مسرعا ودون تباطؤ ، لإنقاذ حياة رسول الله موسى ( عليه السلام ) ، فجاء من أقصى المدينة وهو يسعى لنصرة المظلوم ، قال الله تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20].
وأيضا في قصة مؤمن آل فرعون ما يؤيد ذلك ، فهو رجل يقف مع الحق ، ومع المستضعفين من المؤمنين برسالة موسى ، فكان جهاده بالكلمة فقط ، لأنه يعلم أنه لا يستطيع أن يحارب فرعون وجنوده ،ولكن في استطاعته أن يسمع الحق لمن حضر مجلسه ، ويدافع عن سيدنا موسى عليه السلام تلميحا لا تصريحا ، فقال الله تعالى على لسانه (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) غافر (28) ومن الواضح والجلي ،أن الأمة الإسلامية الآن ،وفي عصرنا الحاضر ، تمر بنفس أحوال الضعف والذلة التي مر بها سيدنا موسى وقومه حين كانوا مستضعفين في مصر من فرعون وجنوده وأتباعه ، وحينها قال أصحاب موسى لنبيهم : (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) الاعراف 129، .. فماذا كانت اجابته ؟ قال الله تعالى على لسان موسى : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الاعراف (128) وقال تعالى :(قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الاعراف (129) وبما نصح به سيدنا موسى (عليه السلام) قومه من المستضعفين ، ننصح به المستضعفين من المسلمين في كل مكان في عصرنا الحاضر .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (واجب المسلم تجاه المظلومين والمستضعفين من المسلمين)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما أهل العلم فنصرتهم للمسلمين المستضعفين أن يصححوا المفاهيم الخاطئة ،وأن يذكروا المسلمين بأدنى حقوق الأخوة في الإسلام ،وبيان حكم الشرع في نصرة إخوانهم من المسلمين المستضعفين والمقتلين والمعتقلين والمشردين .فواجب علينا – نحن الخطباء والأئمة والعلماء كل في موقعه – أن نحث إخواننا من المسلمين على مساعدة هؤلاء المستضعفين ، بقدر المستطاع ، بالمال، بالبدن، بالجاه ، بالدعاء والدعاء سهم لا يخيب ، وبالنصيحة ، وباستقبالهم في ديارنا ، أو بالإعلان عن ظلم الظالمين ،وأفعالهم الشنيعة التي يرتكبونها في حق المسلمين في وسائل الاعلام المختلفة ،وكذا شبكات النت والتواصل الاجتماعي ، وذلك بنية فضح أفعالهم ، وبيان ظلمهم ،وكذلك إعالة أسر هؤلاء من المسجونين والمعتقلين والشهداء والمقتولين منهم ، وكذلك بالقلم والكتابة في الصحف والمجلات .. وهكذا .. فعلى كل مسلم واجبه حسب طاقته ،وعلى قدر استطاعته ،والظروف المحيطة به، لأن في ذلك تفريج لكرباتهم ، وإشعارهم بأن إخوانهم المسلمين معهم في أي مكان ، قال الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71)، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».وفي رواية لمسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
أيها المسلمون
واعلموا أن التارك لأي حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم ، سيتعرض للمساءلة عن ذلك من رب العزة جل وعلا ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ». فهذا الحديث القدسي ،تضمن ثلاث صور للتقصير في حق المسلم ، وكانت محلا للعتاب الإلهي ،ويقاس عليها عدم نصرتهم ومساعدتهم ،بل إنها في هذه الحالة التي نمر بها أولى بالعتاب مما تقدم . الدعاء