خطبة عن (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)
أبريل 14, 2016خطبة عن ( أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
أبريل 14, 2016الخطبة الأولى ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (17) لقمان
إخوة الإسلام
( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) : ففي مسند أحمد وغيره (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلاَ أُجِيبُكُمْ وَتَسْأَلُونِي فَلاَ أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلاَ أَنْصُرُكُمْ ». وروى البخاري في صحيحه (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » . كما روى الترمذي في سننه (عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ،وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ». وروى مسلم في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ » وقد ذم الله في كتابه أهل الكتاب ، لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون) ( 78) : (79 ) المائدة ، وروى الترمذي في سننه (عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ فِيهِمُ النَّقْصُ كَانَ الرَّجُلُ فِيهِمْ يَرَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْبِ فَيَنْهَاهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُفَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ فَقَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) ». فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) قَالَ وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ « لاَ حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا ».
أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن وصايا لقمان الحكيم لابنه ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان (17)، فيوصي لقمان ابنه بالصبر ، وبين له أن ذلك من عزم الأمور ، فكأنه يقول له : اصبر على ما أصابك ! إن ذلك من عزم الأمور ، اصبر وما صبرك إلا بالله ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، فلا تجزع ما دام ربك معك ،انطرح بين يدي ربك في ظلمة الليل ، عسى ربك أن يرى انكسارك ، وبكاءك ، وخشوعك ، وخضوعك ، فيرحمك ويدفع عنك البلاء ، وما ابتلاك ربك إلا لينعم عليك ، بنعيم لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، في دار الخلود . نعم أبشر أيها الصابر أبشر ، فالله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، وتعالى في عليائه ، يبشرك من فوق سبع سماوات ، فعندما علم بحالك ، وأنت المؤمن التقي الصالح ، وما يحصل لك من تألم ، وتأوه ، وضيق ، وحزن ، بسبب البلايا التي تحيطك يمينا وشمالا ، فأراد أن يطمئن قلبك ، ويسر حالك ، فينشرح صدرك ، ويرتاح بالك ، ولمَ لا وأنت لطالما أقمت الصلوات المكتوبات ، وصمت المفروضات ، ولمَ لا وأنت الذي بذكره يلهج لسانك ، ولمَ لا وأنت قد تصدقت على الفقير بأموالك ، ذكّرت الغافل ، ورفعت الجهل عن الجاهل ، صافي النية ، لا تحقد ولا تحسد ، لا تزدري ولا تنتقص ولا تفتري ، تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتحب لأخيك ما تحبه لنفسك ، بل ربما أدركت درجة الصائم القائم بحسن خلقك ، فكنت من المقربين إلى نبيك محمد صلوات ربي وسلامه عليه ، فلله درك ما أعظم ثباتك ، وما أكثر ثوابك !
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
اصبر أيها المبتلى ، فإني والذي لا إله إلا هو أعلم أنك تتألم ، نعم تتألم ، والألم يعذبك ، والهم يأسرك ، والضيق قد ألم بك ، والحال قد تنكرت لك ، ونار الأسى تتضرم في جوفك ؛ لكنك ترجو من الله جل في علاه ما لا يرجو الكافر الجاحد فقال سبحانه : { .. إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } آل عمران 104 . وروى الترمذي بسند حسن صحيح (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ » ، وفي الترمذي بسند حسن (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ». ألا يكفيك أيها المبتلى الصابر أن الله يحبك ، إي وربي يحبك ، فما ابتلاك إلا ليكفر من ذنوبك وخطاياك ، فتلقاه وأنت طاهر من تلك الأدران والأوساخ ، أم أنك تريد أن تذنب ، وتذنب ، وتذنب ؛ حتى تغرق ، فيأتيك الموت بغتة ، وأنت على تلك المعاصي ؟؟؟ ، لا ورب الكعبة ! إن كنت ترضاها على نفسك ، فالرحمن الرحيم لا يرضاها . علق قلبك بالحي الذي لا يموت ، ولا تلتفت إلى وساوس الشيطان ، فهو وحده سبحانه الذي يجلب النفع ، ويدفع الضر ، وأنه تعالى ماضٍ فيك حكمه ، عدل فيك قضاؤه ، لا راد لأمره أحد ، فهو الذي يبتلي من يشاء بعدله ، ويرفع البلاء عمن يشاء بعدله ، ويعطي من يشاء بعدله ، ويمنع من يشاء بعدله ، ولا يظلم ربك أحدا ، وإن شئت اقرأ معي ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (( فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة ، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا ، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عين المحبين ، وحياة العارفين ))
الدعاء