خطبة عن حرمة زواج المثلية وعمل قوم لوط وحديث (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)
فبراير 1, 2020خطبة عن قوله تعالى (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
فبراير 1, 2020الخطبة الأولى ( إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ ، قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ : « أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خَطِيبًا ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » .ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا ، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – )
إخوة الإسلام
يبين لنا هذا الحديث النبوي الشريف ، أن امْرَأة سَرَقَتْ في عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلَّم في غَزْوةِ الفَتحِ، فَفَزِعَ قَومُها، أي: الْتجَؤوا إلى أُسامةَ بنِ زَيْدٍ مَولى رَسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلَّم ، يَستشفِعون بِه عِندَ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلَّم أنْ لا يَقْطَعَ يَدَها، إمَّا عَفْوًا وإمَّا فِداءً، فَلَمَّا كَلَّمَه أُسامةُ رضي الله عنها فيها تَلَوَّنَ وجْهُ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلَّم، وقالَ لَه: أتُكَلِّمُني، والمُراد: أتَشفَع في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ؟ ، فَأَجابَه أُسامةُ رضي الله عنه: اسْتَغفِر لي يا رَسولَ الله، فلمَّا كانَ العَشيُّ ،قامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم خَطيبًا، فَأَثْنى عَلى اللهِ بِما هو أهْلُه، ثُمَّ قالَ : أمَّا بَعدُ، فَإنَّما أهْلَك النَّاسَ قَبلَكم ،أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهِم الشَّريفُ تَرَكوه ،ولَم يُقيموا عليه الحَدَّ؛ لِوَجاهَتِه وشَرَفِه، وإذا سَرَقَ فيهِم الضَّعيفُ، أي: الوَضيعُ الَّذي لا شَرَفَ لَه ولا أتْباعَ ولا مَنَعةَ، أقاموا عليه الحَدَّ، أي: قَطَعوه؛ لِخُمولِه وسُقوطِ وجاهتِه، والَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيدِه، لَو أنَّ فاطِمةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَها، ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم بِتِلكَ المَرْأةِ الَّتي سَرَقَت فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوبتُها بَعدَ ذَلِكَ وتَزَوَّجَتْ . ففي هذا الحديث الشريف عَرْضٌ رائعٌ تَبْرُزُ فيه شخصية الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم-، في مشهد من أروع مشاهد العدل والمساواة والحزم في سبيل الانتصار للحق. والرسول – صلى الله عليه وسلم – يضرب هنا أروع الأمثلة في تطبيق مبدأ العدالة والمساواة دون تفريق بين قوي وضعيف، وكبير وصغير، وشريف ووضيع، فالكل أمام الشرع سواء، لا يُراعِي الغنيَّ لغناه، ولا يُحَابي الشريفَ لشرفه ومنزلته، فالناس سواسية كأسنان المشط، كما في قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) « الحجرات: 13». ، كما يبَيّن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث : أن الإسلام يرفض التفريق بين الناس رفضاً باتاً، كما يرفض تقسيمهم إلى سادة وعبيد، وأشراف وضعفاء، ومن المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قد أرسى قاعدة أساسية في المساواة، على ضوئها تُحَلّ مشكلة التفرقة العنصرية بتطبيق عمليٍّ حازم لا تَعْرفُ الدنيا له مثيلاً، فالإسلام كان له فضل السّبق في إرساء قواعد الحق والعدل ، بدون تمييز أو محاباة، كما قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، « النساء: 135»، ، وقد غضب الرسول – صلى الله عليه وسلم – لهذه الشفاعة وَيُقْسم بقوله: (واللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)، وحاشا للسيدة فاطمة أن تسرق ،أو تفعل ما يُوجِبُ عليها الحدّ، ولكنه مع ذلك يريد – عليه الصلاة والسلام – أن يبيِّن مع أنها ابنته، فهي أحق أن يتشفع لها لو جازت الشفاعة، ولكنه مَثَلٌ من نورٍ يَضْرِبُهُ الرسول – صلى الله عليه وسلم – كي يبقي مثالاً خالداً على مَرِّ الأيام والعصور، مُظْهراً عدالة الإسلام، فالناس أمام الشرع سواء.
فهذا الحديث يركز الضوء علي بعض المبادئ الأساسية اللازمة لاستقرار الحياة البشرية ، وحماية النفس والحياة في المجتمع المسلم المحكوم بمنهج الله وشريعته ، ففي وضوح لا لبس فيه ، يبين الحديث أن هذه المبادئ التي يترتب عليها استقرار حياة المجتمع وسـلامته ، تتركز في منع الشفاعة في الحدود ،و ترك المحاباة في إقامتها على من وجبت عليه ، ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر ،والإنكار على من رخص أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه الحد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسامة : ” أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ … قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا” ، كما يشير الحديث إلي ضرورة الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما من خالف أمر الشرع ، والتحذير من فعل الشيء الذي جر الهلاك إلى الذين من قبلنا لئلا نهلك كما هلكوا :” إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا … “
أيها المسلمون
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة” ، فلما كانت هذه الأمة عادلة كانت عزيزة، فقد ذكرت كتب التاريخ أنه لما استُخلف عمر بن عبد العزيز ، وفد عليه قوم من أهل “سمرقند” رفعوا إليه أن قتيبة (قائد جيش الفتح الإسلامي) دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فأمر عمر بن عبد العزيز عندها بعقد محكمة للنظر في تلك الشكوى ، ويكون مقرها سمرقند نفسها، وأقيمت المحكمة ،وأصدر القاضي المسلم حكما بإخراج المسلمين من سمرقند ، لأنهم دخلوها ولم يخيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، ليذهل أهل سمرقند من هذا العدل، ولتكون عاقبة هذا العدل الإسلامي دخول أهل سمرقند في دين الله. كما تروي كتب السيرة والتاريخ إسلام (جبلة بن الأيهم) وهو أحد ملوك الغساسنة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-، وأن جبلة حضر بوفد كبير، ثم شارك في موسم الحج وقتئذ، ودخل المسجد الحرام ، ليطوف بالبيت العتيق، واشتد الزحام حول الكعبة، فوطأ رجل من بني فزارة على إزار جبلة من شدة الزحام، فسقط الإزار، وغضب جبلة غضبة عارمة، واشتد الأمر على نفسه ،فلطم الفزاري لطمة هشمت أنفه، وسال دمه على الأرض، فتحمل الفزاري اللطمة وكتم غيظه، ثم ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يشكو إليه ما حدث، بعث عمر إلى جبلة فحضر بين يديه، ولما سأله عمر عَمَّا حدث منه أخذ جبلة يتعجب؟! ثم قال لأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه-: لقد تَرَفَّقْتُ مع هذا البدوي، ولولا حرمة البيت لقطعتُ الذي به عيناه (يعني رأسه)؟! فقال له عمر:إذاً أنتَ مُقِرٌّ بما ادّعى عليك خصمك، فإما أن تسترضيه وإلا اقتصصتُ له منك؟ ، دُهِش جبلة وقال: أتقتص له مني وأنا ملك وهو سوقة؟! قال عمر: إن الإسلام قدْ سوَّى بينكما، ورأى عمر – رضي الله عنه – أن يترك لجبلة فرصة للتروي، فأرجأ الفصل في القضية إلى غد، ولما كان جبلة حديث عهد بالإسلام فقد أخذته العزة بالإثم، وصعب عليه أن يكون هو والبدوي حسب قوله في منزلة واحدة، وأخذ الشيطان يُسَوِّل له الهروب، فخرج من المدينة خائفاً يترقب، واستطاع أن يفلتَ من قبضة السلطان في جنح الظلام، ولحق بالروم متنصراً، وهكذا أصرَّ أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – أن يُنَفِّذَ حكم الإسلام، ويسوي بين رفيع ووضيع، لأن الناس جميعاً في الإسلام سواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأصبح الإسلام مناط فخرهم، ودعامة مجدهم وشرفهم، إذْ رأوا في سماحته العادلة وعدالته السمحة ما يُغْنِي عن الحسب والنسب، فقالوا: «كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لم تكن هذه المبادئ الإنسانية العادلة قولاً مأثوراً، أو كلاماً مسطوراً فحسب، ولكنها كانت حقيقة واقعة تجلت في أعمال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الطيبين – رضي الله عنهم أجمعين-، إِذِ انْمَحَتْ من نفوسهم تلك المبادئ الهدَّامة التي كان لا يُقَاس الرجل فيها بخُلُقِه وأدبه ومروءته، وإنما يُقَاس بقبيلته وماله وتجارته، فالناس أمام الشرع سواء، والميزة والفضل لأهل الدين والتقوى والأخلاق الحميدة والنفوس الزكية. هذا هو الإسلام دين الحق والخير، دين العدل والمساواة، سبب السعادة والرخاء، لمن أراد أن يحيا حياة كريمة في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون
ومن أهم ما يرشد إليه ، وما يستفاد من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : حِرص رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم على تأكيد مَبْدَأ العَدْلِ والمُسَاوَاة بين الناس. ثانيا : كل إِنسان يَنَال جزاءَ عَمَلِهِ، خيرا أو شرا، دون النَظَرِ إلى الأنْسَاب والأحْساَب. ثالثا : حدودُ اللّه تُقام على الجميع، فلا تَسْقُط لِقَرَابَةٍ ، ولا تُخَفَّفُ لهَوًى. رابعا : أن الشفاعة لا تجوز في الحدود إذا بلغت الإمام، أو بلغت نائبه، أما ما قبل ذلك فلا بأس ، خامسا: الغضب لله : فالغضب لله عز وجل محمود ،وأما الغضب للانتقام ،وحظ النفس ، فإنه مذموم ، فالغضب لله ولشرائع الله من هدى الرسول صلى الله عليه وسلم ،ودليل على غيرة الإنسان ،وعلى محبته لإقامة شريعة الله، سادسا : في الحديث بيان لأسباب هلاك الأمم : فإن من أسباب هلاك الامم عدم اقامة العدل بين الرعية ، ومحاسبة الضعفاء وترك الوجهاء ، سابعا : فيه: مَنقبةٌ ظاهِرةٌ لِأُسامةَ رضي الله عنه، وَفيه: تَركُ الرَّحمةِ فيمَن وجَبَ عليه الحَدُّ ، وأنَّ شَرَفَ الجاني لا يُسقِط الحَدَّ عنه ، وأنَّ أحكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيعُ .
الدعاء