خطبة عن (الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)
نوفمبر 11, 2017خطبة عن ( قصة أَصْحَابِ الْجَنَّةِ دروس وعبر)
نوفمبر 11, 2017الخطبة الأولى ( وقفات مع حديث الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى الَّذِى قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِىَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ – أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَاقُ – إِلاَّ أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرُ – قَالَ فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا – قَالَ – فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِىَ شَعَرًا حَسَنًا – قَالَ – فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ. فَأُعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا –قَالَ – فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ – قَالَ – فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ. فَأُعْطِىَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا – قَالَ – فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ كَأَنِّى أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. قَالَ وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. قَالَ وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِىَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ ) .
إخوة الاسلام
إن الإنسان في حياته الدنيا لا ينفك عن ابتلاءات السراء والضراء، والمنع والعطاء ، والقبض والبسط ، والشدة والرخاء، وعلى الانسان أن يأخذ العبرة ممن سبقوه ،حتى يحسن التعامل مع البلاء، ويوظف الضراء والسراء في مرضاة الله تعالى، وذلك بالصبر والدعاء في الضراء، والحمد والشكر في السراء. ومن أعجب القصص التي قصها علينا النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ العظة والعبرة منها ، هذه القصة التي تلوتها عليكم ، إنها قصة الثلاثة من بني إسرائيل الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى والذين ابتلاهم الله تعالى بالضراء، ثم بدل ضراءهم سراء؛ ليبتليهم ، من منهم شاكر للنعمة ، ومن منهم جاحدها، وفي هذه القصة يتبين بجلاء أن الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ ، كما قال سبحانه :
{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (35) الأنبياء ، فالله تبارك وتعالى يبتلي عباده بالشر والخير ليميز المؤمن من غيره ، والصادق من الكاذب ، قال تعالى :{ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت 1: 3 ) فبالفتنة والاختبار تتميَّز معادن الناس ، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين ، وإلى مدَّعين أو منافقين ، وعلى قدر دين العبد وإيمانه يكون البلاء ، وفي سنن الترمذي (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ » ، كما تشير القصة إلى معنىً عظيم ، وهو أن الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء ، وذلك لأن الكثيرين من الناس قد يستطيعون تحمُّل الشدَّة والصبر عليها، ولكنهم لا يستطيعون الصبر أمام هواتف المادَّة ومغرياتها . وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ ) رواه الترمذي .
وفي القصة السابقة ،فقد نجا الله الأعمى في هذا الابتلاء فرضي الله تعالى عنه لشكره النعمة، وإقراره بفضل المنعم سبحانه وتعالى، وسخط على صاحبيه لجحودهما وكفرهما نعمة الله تعالى عليهما.. وفي القصة دليل على ما في النفوس البشرية من الجحود والاستكبار الذي لا يعالج إلا بالإيمان والذل والخضوع لله تعالى، وكسر كبرياء النفس وعلوها حتى لا تكون سببًا في هلاك صاحبها. كما أن هذه القصة تدل على اختلاف البشر في القناعة والطمع:
فمنهم من هو صاحب طمع وشره وحرص كما كان حال الأبرص الذي طلب جلدا حسنا ولونا حسنا ولم يكتف بأحدهما وهو الضروري، وكذلك الأقرع حين طلب شعرا حسنا، فلم يكتف بطلب الشعر فقط، ومنهم القنوع الذي يرضيه اليسير كالأعمى الذي طلب أن يبصر فقط، ولم يزد على ذلك بعينين حسناوين، أو بصرا حادا أو نحو ذلك..
ويتجلى ذلك أيضا في طلب الأبرص والأقرع للإبل والبقر، واكتفاء الأعمى بالغنم، ومعلوم أن الإبل والبقر أنفس مالا، وأغلى ثمنا، وأكثر نفعا من الغنم.
ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : الترفق والتلطف في معاملة أهل البلاء ، فهؤلاء الثلاثة مما زاد البلاء عليهم اشمئزاز الناس . ومن السنة أنّ من رأى مبتلى أن يسأل الله العافية ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ ». ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : أن يحرص الإنسان على أن يكون ممن تدعو له ملائكة الرحمن ، فلقد دعا الملك لهؤلاء الثلاثة بالبركة في المال فبارك الله لهم في أموالهم . ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : أنّ النعم تزول بكفرانها وجحودها . وتبقى بشكرها ، قال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم 7، فإن أردت بقاء ما أنعم الله به عليك فكن من القلة الشاكرة .
ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : أنّ الإنسان عليه أن يتأدب مع الله في العبارة ، فقد قال الملك في الحديث : (فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ )،ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : عظيم قدرة الله الذي أذهب عنهم البلاء في طرفة عين . ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : جواز الدعاء المعلق ، (إن كنت كاذباً فصيرك الله) . ومن الدروس المستفادة من هذه القصة : أنّ من صفات الله الرضى والسخط ونحن نثبت معناها ، ونفوض كيفها ، لأن الكيف لا يعلمه إلا الله
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات مع حديث الأَبْرَص وَالأَقْرَع وَالأَعْمَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذه القصة أحكام وفوائد إضافة إلى العظة والاعتبار؛ فمن أحكامها: أن شكر النعمة واجب شرعا، وهو موجب في الدنيا حفظ النعمة وزيادتها، وسبب للثواب في الآخرة. وأن كفر النعم معصية يوجب في الدنيا زوالها، مع الإثم الموجب لعقوبة الآخرة، ولذا رضي الله تعالى عن الأعمى، وغضب على الأبرص والأقرع وعاقبهما في الدنيا قبل الآخرة. ومن أحكام هذه القصة: أنه لا مانع من تذكير الإِنسان بحاله الماضية السيئة في مقام الدعوة والنصيحة، وأما في حال الخصومة والتعيير فيبقى التحريم على أصله؛ لقول الله تعالى ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات:11]. ومن أحكام هذه القصة: جواز تنكر الإنسان لمن يعرفه، وإتيانه في هيئة أخرى لاختباره إذا كان ذلك لمصلحة، كما جاء الملك عليه السلام للثلاثة في صور بشر لاختبارهم. ومن أحكام هذه القصة: جواز ذكر الأفعال السيئة التي وقعت من السابقين للنصح والوعظ وأخذ العبرة، ولا يعد ذلك من الغيبة. والأولى عدم تسمية من وقع لهم ذلك إلا لمصلحة؛ لأن العبرة بما وقع لهم، ولا فائدة من ذكر أسمائهم؛ ولذلك لم يسمهم النبي صلى الله عليه وسلم، واكتفى بذكر ما جرى لهم فهو موطن العظة والعبرة. وفي هذه القصة تتجلى أهمية الصدقة ومنزلتها عند الله تعالى، وأنها سبب لاستدامة العافية، ونماء النعمة، وفيها الزجر عن الشح فإنه رأس الرذائل، وسبب المصائب، وقد حمل أصحابه على الكذب وكفر النعمة. والصدقة باب لشكر النعم ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7].
الدعاء