خطبة عن ( الصحابي:( حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ )
فبراير 22, 2017خطبة عن (أمير المؤمنين: عمر بن عبد العزيز)
فبراير 25, 2017الخطبة الأولى ( الدُّنْيَا : سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ..وَجَنَّةُ الْكَافِرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ». وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ » ، وروى البزار في مسنده والحاكم في المستدرك :(عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى طَعَامٍ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا ، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا فِي الآخِرَةِ ، يَا سُلَيْمَانُ ، الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ) .
إخوة الإسلام
مِنْ خَصَائِصِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أنَّهُ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: « فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ….) ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم :« الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ » ، فهذه الجملة المختصرة الموجزة ، هي في غاية البلاغة، وقد تضمنت معنى عظيماً واسعاً ، قد يعبر عنه بمجلدات. (فالدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ) : لأن المؤمن يتقيد فيها بأحكام الله -عز وجل- وحدوده، فإذا طلبت منه نفسه شيئاً من الشهوات المحرمة توقف، وحبس نفسه عنها، وإذا أراد لسانه أن ينطق بكلام لا يرضاه الله -عز وجل- فإنه يمتنع عن ذلك، وإذا أرادت عينه أن تنظر إلى مواقع محرمة، أو إلى قنوات محرمة، أو إلى صور ومظاهر محرمة في المواقع، وفي الأسواق، فإنه يمنع نفسه ويجاهدها، ويصبر ،ويفطم نفسه عن اللذائذ المحرمة، وعن كل فعل مشين لا يليق بالعبد المؤمن ،
ومعلوم أن الجنة حفت بالمكاره، وأن النار حفت بالشهوات، فهو يحمل نفسه على الأفعال التي هي من قبيل الطاعات والقرب ،مما يحبه الله -عز وجل- ويرضاه ،ولو كانت نفسه تجد فيه مشقة وعنتاً بسبب ذلك، وأما طريق النار، فمحفوف بألوان الشهوات والمتع المحرمة، والنفوس قد ركب فيها هذا الأمر تركيباً مازجها ،وخالطها تمام المخالطة، فهو يحبس نفسه ويصرفها عن هذه المحرمات، فالدنيا سجن بالنسبة للمؤمن، ولهذا بعض من لا فقه له ولا علم ،يقول:
كلما أردنا شيئا قلتم لنا: حرام ، حرام ، فنقول له: أنت تطلب الأشياء المحرمة دائماً، ولا تكتفي بالمباح ،ولا تطلب الحلال، ولم تكتفِ بالمشروع، وإنما طلبت المباح، وبعد المباح طلبت الأشياء المحرمة، فنفسه صاحبة شهوات، وتطلب الشهوات، فهو يتنقل بين محرم إلى محرم. فالجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، وأما الكافر ،فليس عنده حلال وحرام ، فكل شيء عنده مباح فعله ،وإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا ،فإذا مات صار إلى العذاب الدائم ، وشقاء الأبد . فالله سبحانه وتعالى يعطي الدنيا خالصة للكافر ،وتكون عقوبته في الآخرة, والمؤمن يكون مبتلى في الدنيا على قدر إيمانه ،ويجازيه الله في الآخرة . وفي مسند أحمد يقول صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ وَلاَ يُعْطِى الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ) ولكن ، لا يعني هذا أن نعيم الكافر في الدنيا غير مكدر ،بل فيه من التكدير الكثير ،وإن كان ظاهره الراحة والعيش المرفه ،فهم يعيشون في خوف ورعب ومشاكل أسرية واجتماعية لا تعد ولا تحصى ،ويخافون أشد الخوف والرعب من الموت ،ودنياهم على حالهم هذه خير لهم من آخرتهم لأن الدنيا صارت لهم جنة بالنسبة إلى المآل النهائي . بخلاف المؤمن ،فإنه ينقطع عن كل شهوة ونعيم حرمه عليه الشرع ،فيلتزم بالشرع ولا يخرج عن نطاقه قيد أنملة ،فهو مقيد به كالمسجون الذي له صلاحية محددة ،فإذا خرج من الدنيا التي هي سجنه ومات ،صار إلى جنته الحقيقية ،فالوعد المنتظر وهو الجنة وعد به بعد صبر وقيد ، فكأنه سجن بالنسبة له ، لوجود جنة منتظرة . والنعيم في الدنيا قد يملكه أيضًا كثير من المسلمين فهذا عبد الرحمن بن عوف وذاك سعد بن الربيع وذاك عثمان بن عفان وغيرهم من الصحابة كانوا تجارًا وكان النعيم بأيديهم وكذا الشافعي وأبو حنيفة والليث ، ولكن مع ذلك فدنياهم لا زالت سجنًا لهم، لكونهم يأملون جنة الله سبحانه وتعالى . إذن ، فالدنيا سجن المؤمن ، لأنه لا يعطى فيها كل ما تشتهيه النفس، بخلاف الآخرة ، ففيها ما تشتهيه النفس ،فهي الجنة المنتظرة . وبالمقابل الكافر، ففي دنياه ما تشتهيه النفس من الشهوات والملذات لبعده عن الدين فهي له جنة، بخلاف الآخرة ،فإنه فيها سجين النار . ففقر مع إيمان ،خير من نعيم مع كفر ، فللمؤمن الجنة الأخروية ،إن صدق مع الله ،وإلا أصابه ما أصاب أهل الكفر على قدر معصيته .
أيها المسلمون
ووجود هذه الأموال والتجارات ،والهيمنة العالمية التي بأيدي أعداء الله كما نراه اليوم ، ما هي إلا من الاستدراج ، ألا ترى أن رب العزة والجلال يقول: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (44) ،(45) القلم ،وقال جل شأنه : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (182)، (183) الأعراف ، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود 102 ، وقال جل شأنه : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (47) الزمر
فلا غرابة من وجود هذه القوة والهيمنة والنعيم بأيدي أهل الكفر ،رغم عصيانهم وبعدهم عن دين الله ،فلهم الدنيا ،وهي استدراج لا مستقبل لهم بها ،ولنا الآخرة إن صدقنا الله ورضينا بديننا ،واعتززنا به ،فهو مستقبلنا . وقد وجد شيء من الحزن لدى بعض الصحابة رضي الله عنهم كيف يكون قيصر مع كفره وعصيانه في نعيم ،والرسول مع طاعته في ضنك عيش شديد؟ فأجابهم نبينا عليه الصلاة والسلام بأن لهم الدنيا ،ولنا الآخرة. ففي الصحيحين: أن عمر بن الخطاب دخل على النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ « مَا يُبْكِيكَ » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ « أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ » . وكذا القسوة والظلم من الأعداء تجاه المسلمين ، فهي سنة قديمة عرفها المسلمون قديمًا وسطرها التاريخ من آلاف السنين ، فدعوة الرسل دعوة واحدة ،ودينهم واحد، إلى كلمة التوحيد [ لا إله إلا الله ] : أي لا معبود بحق إلا الله ،وإن عُبد غيره فهو بباطل . وفي سبيل هذه الكلمة حصل لأهل الإسلام العناء الشديد من أهل الكفر ،فهذا ليس بحادث ولا جديد ،ولكنه يتجدد حسب الزمان والمكان ،حسب قوة المؤمنين وضعفهم ،على مر العصور ، وشواهد ذلك كثيرة ، ومنها : ما أخرجه البخاري في صحيحه : (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » . فهذا خباب ،يشتكي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام من أذى قريش للمسلمين ،والنبي يصبره ،ويذكره بما حصل لأهل الإسلام قديمًا ،وأي عذاب أشد من وضع المنشار ، ويشق به الرجل نصفين ، ومع ذلك يثبت على دينه . وأخرج أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بإسناد حسن : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةً رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ ،وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ ،وَصَهَرُوهُمْ فِى الشَّمْسِ ،فَمَا مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا ،إِلاَّ بِلاَلٌ ،فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِى اللَّهِ ،وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ ،فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ ،وَأَخَذُوا يَطُوفُونَ بِهِ شِعَابَ مَكَّةَ ، وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ) . وأخرج الشيخان : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَائِمٌ يُصَلِّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِى مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا فَيَجِيءُ بِهِ ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – سَاجِدًا ، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – وَهْىَ جُوَيْرِيَةٌ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الصَّلاَةَ قَالَ « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ – ثُمَّ سَمَّى – اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً » ، وفي الصحيحين : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، فَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
أيها المسلمون
نعم « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ».،فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». فالجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها أنهار من الخمر لذة للشاربين، وفيها أنهار من العسل المصفى، واللبن، فالدنيا بالنسبة إليها مهما كان الإنسان في رغد فهو في سجن، ففي الجنة لا يوجد شيء حرام، وفي الجنة حور مقصورات في الخيام، قاصرات الطرف لا تنظر إلى غير زوجها، وزوجها لا يتطلع إلى غيرها؛ لأنه يرى أن الحسن قد اجتمع فيها. والجنة فيها كمال النعيم المقيم والخلود، وفيها رضوان الله -عز وجل- والنظر إلى وجهه الكريم، والجمال والحسن الذي يتجدد حيناً بعد حين، فما نحن فيه في هذه الدنيا وحالتنا وضعفنا وعجزنا وأمراضنا ومصائبنا وهمومنا سجن بالنسبة للجنة. والدنيا جنة الكافر، فالكافر هنا في الدنيا هي جنته لهذين السببين: الأول: أنه لا يتقيد أصلاً بأحكام الشريعة، يتمتع كما تأكل الأنعام، كلما طلبت نفسه شيئاً رعت، يسرح في كل ما تشتهيه نفسه بدون أي قيود، الرجل يضاجع ابنته، ويضاجع أخته ويقول: أنا أولى بها من الآخرين، وهذا موجود، وبكثرة، والفجور، والخمور، والمال الحرام والمكاسب، وكل الأفعال المشينة ، فهو لا يرعوي منها، ولا يستحيى، يأكلون ويتمتعون تماماً كما تأكل الأنعام، فهي بالنسبة إليه جنة، فقد أطلق لنفسه العنان من أجل أن تسرح في أودية الشهوات، ومن جهة أخرى ما يكون فيه الكافر -ولو كان بائساً في هذه الحياة الدنيا، ولو كان فقيراً معدماً، ولو كان مريضاً- بالنسبة لعذاب الله -عز وجل- والنار التي تنتظره والجحيم أبد الآبدين، بالنسبة إليه تعتبر هذه جنة، وهذا شيء مشاهد في المقارنة بين أحوال الناس في هذه الحياة الدنيا. فالدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن، والآخرة سجن الكافر، وجنة حقيقية للمؤمن،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الدُّنْيَا : سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ..وَجَنَّةُ الْكَافِرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
مر أحد أهل العلم وهو سهل الصعلوكي – رحمه الله- وهو عالم كبير، وله أبهة ومعه أتباع، وله رونق وهيئة ولباس، فخرج يهودي من الحمام الذي يستحمون فيه ، خرج متسخ، ثيابه ، فقير حالته ، فإذا هو بهذا العالم الذي في هذا اللباس، فوقف في وجهه وقال: تزعمون أن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن؟ قال: نعم، قال: انظر إلى حالي أنا من الفقر ورثاثة الهيئة، وانظر إلى حالك أنت في هذه الأبهة، وهؤلاء الأتباع وهذه اللباس وهذا المركب، قال: نعم، إن ما تصير إليه أنت في الآخرة من النار يكون هذا جنة بالنسبة إليك -يعني في الدنيا-، وما يصير إليه المؤمن في الآخرة يكون ما له في الدنيا من هذا النعيم هو سجن بالنسبة لنعيم الآخرة الذي ينتظره ،فأفحم اليهودي وسكت. فالدنيا مهما عظم نعيمها وطابت أيامها وزهت مساكنها ،فإنها للمؤمن بمنزلة السجن لأن المؤمن يتطلع إلى نعيم أفضل وأكمل وأعلى ،وأما بالنسبة للكافر فإنها جنته لأنه ينعم فيها وينسى الآخرة ،ويكون كما قال الله تعالى فيهم( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد 12 ،فالكافر إذا مات لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله فكانت له النار ، ولهذا كانت الدنيا على ما فيها من التنغيص والكدر والهموم والغموم ، كانت بالنسبة للكافر جنة لأنه ينتقل منها إلى عذاب إلى عذاب النار والعياذ بالله ، فالدنيا بالنسبة له بمنزلة الجنة .
الدعاء