خطبة عن: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)
أكتوبر 26, 2019خطبة عن قوله تعالى (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)
نوفمبر 2, 2019الخطبة الأولى ( لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ سَلْمَانَ ( رضي الله عنه ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ ». وفي مسند أحمد : (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ »
إخوة الإسلام
الدعاء : هو استشعار الافتقار إلى الغني ، والحاجة إلى المغني ، والذل بين يدي العزيز ، والضعف بين يدي القوي جل في علاه ، مما يعطي العبد القوة الحقيقية ؛ لأنه موصول بالقوي المتين ؛ قال الخطابي : الدعاء هو : إظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية ، واستشعار الذلة البشرية ، وفيه معنى الثناء على الله تعالى، وإضافة الجود والكرم إليه ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ” رواه الترمذي ، فالدعاء عبادة بذاته ، ويتضمن أصل العبادة بعمومها ، إذ أصل العبادة الخضوع والتذلل والمسكنة مع الحب لله تعالى ؛ وهذا مما يتضمنه الدعاء .وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث متعددة تدل على أن للدعاء أثر عظيم في رد القضاء ، وهذا يدل على فضل هذه العبادة العظيمة ، ويحدو بالنفوس المؤمنة بالقدر ، أن تكثر من الدعاء في أمورها كلها ، فإن الدعاء من القدر الذي يُدفع به القدر، فيقول أمير المؤمنين عمر :( نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ) متفق عليه ،وقد تضافرت الأدلة على أن الدعاء يدفع البلاء ، ويرد القضاء ، فهو من القدر الذي لا شيء أنفع منه في دفع الضر ، أو جلب النفع . وفي الحديث المتقدم والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ »قال أهل العلم من شراح الحديث : معناه : أن الدعاء سبب في حصول الخير ، وأن هناك أشياء مقدرة ومربوطة بأسباب ، فإذا تحقق السبب وقع المقدر ، وإذا لم يتحقق السبب لم يقع ، فإذا دعا المسلم ربه حصل له الخير ، وإذا لم يدعُ وقع به الشر ، كما جعل الله صلة الرحم سببًا لطول العمر ، وقطيعة الرحم سببًا لضده ،وقال آخرون : إن الدعاء من جملة الأسباب التي رتب الله على فعلها مسببات، فهو سبب لجلب النفع ودفع الضر، فالدعاء بحصول الولد مثلاً هو: من جملة الأسباب الأخرى لحصوله، وكذلك بالشفاء والنجاة وغير ذلك. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم :(لاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ) هو المبالغة، لبيان عظمة نفعه بين جملة الأسباب المادية الأخرى، حتى كأنه يدفع القضاء المبرم، أو يقال : إن المرء ربما يفعل أفعالاً توجب العقوبة ،فيوشك أن تقع به ،فيدعو الله فيرفعها، فالعقوبة مقدر وقوعها بعدم الدعاء، فلما دعا رفعت فكأن ذلك بمثابة رد القضاء. وهذا لا يعني التعارض بين القدر والدعاء ،ولا تغيير القدر، فإن الدعاء مقدر كما سبق، ولكن المراد أن ما في أيدي الملائكة من الصحف قد يتغير، فمن أوشك أن ينزل به البلاء فدعا الله، صرف عنه ذلك، ولذلك قال ابن تيمية (رحمه الله) : أنّ المقدّر نوعان : الأول : مقدّر لا يبدّل، وهو المكتوب في اللّوح المحفوظ، لا يطّلع عليه أحد من خلقه عزّ وجلّ . الثاني : نوع هو مكتوب في صحف الملائكة، وتُعطاه الملائكة كلّ عام ليلة القدر، كما قال الله تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } الدخان 4،.فإذا دعا العبد ربّه، أو وَصَل رحمه، خُفِّف القضاء ،أو مُحِي في صحف الملائكة، وبذلك يوافق في الأخير ما كتبه الله في اللّوح المحفوظ، وهذا من معاني قول الله تعالى : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد:39]. ويقول الإمام ابن القيم مبينا علاقة الدُّعاء بالبلاء : “والدُّعاء من أنفع الأدويةِ، وهو عدوُّ البلاء، يدافِعه، ويعالجه ،ويمنع نزولَه، ويرفعه ، أو يخفِّفه إذا نزل، فالدُّعاء عدوُّ البلاء”
أيها المسلمون
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله في أوقات الشدة والأزمات ، ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: « اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا »وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ « اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ ) ، فلا ينبغي للمسلم أن يستسلم ويترك الأسباب بحجة أن هذا قدره، ففي الصحيحين : (عَنْ عَلِىٍّ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ « اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ » . ثُمَّ قَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) الآيَةَ ، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ». فعلى المسلم أن يتسبب ( أي يعمل بالأسباب)، ويتعالج ، ويسترقي ،وكل ذلك من قدر الله تعالى وقضائه ،وإذا أصابه بعد ذلك ما يكره ،فليقل: قدر الله وما شاء فعل، كما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيجد بردها على قلبه إن كان صادقاً.
أيها المسلمون
وروى الحاكم وحسنه الألباني ( عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) ،ففي الحديث تشبيه لما يحدث بين الدعاء والبلاء كالمصارعة التي تَحدث في مكانٍ ما،بين السَّماء والأرض؛ فالبلاء نازِل، والدُّعاء صاعِد، واللِّقاء بينهما محتوم، فلِمن الغلبة ؟ ، إذا تصوَّرنا الأمرَ هكذا، فإنَّنا سنقف حتمًا مع احتمالاتٍ ثلاثة :أولها : أن يكون الدعاء أقوى من البلاء، فيَصرعه (والدُّعاء القويُّ هو الدعاء المستوجِب لشروط القبول). ثانيها : أن يكون الدُّعاء بنفس قوَّة البلاء (وهنا يتصارعان حتى قِيام الساعة). ثالثها : أن يكون الدُّعاء أضعفَ من البلاء (وهنا سيَنزل البلاء، لكنَّه سيخفف منه). ولنا في هذا أمثِلةٌ كثيرة صحَّت عنه صلى الله عليه وسلم؛ منها : حين جاءه الأعرابيُّ يومَ الجمعة وهو عليه الصلاة والسلام على المِنبر، فشَكا له القحطَ والجدْبَ وقلَّةَ المطَر، فاستَغاث واستَسقى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ البلاءَ بالدعاء، فنزَل المطرُ من ساعته، حتى جاءت الجمعةُ الأخرى فيَأتي نفس الأعرابي والنبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنبر فيَشكو له كثرةَ المطَر وخوفَ الغرق والتَّلَف، فيردُّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم البلاءَ بالدُّعاء فيقول: « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا » ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَفِيهِ قَالَ « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا ». قَالَ فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ وَسَالَ وَادِى قَنَاةَ شَهْرًا. وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ أَخْبَرَ بِجَوْدٍ ). ومثال آخر، كما في صحيح مسلم : (قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « سَأَلْتُ رَبِّى ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّى أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ».فهنا أصاب الدُّعاءُ ما نزل من بلاءٍ في موضعين.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلا ينبغي الاستِهانة والاستِخفاف في فهم أهميَّة الدُّعاء، خصوصًا وأنَّ الأمَّةَ تتعرَّض اليوم لهجمةٍ شرسة في بلاءٍ ما بعده بلاء، وشدةٍ ما بعدها شدَّة، ونحن نرى الدِّماءَ التي تُسفَك، والدَّيارَ التي تُنتهك، والأعراضَ التي تُستباح، وقد حِرصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على الدعاء؛ ابتداءً من استيقاظ المسلم، وانتهاءً بعودته إلى فِراشه للنَّوم، وهو في دورة من الدُّعاء لا تَنتهي؛ ليَدفع بذلك ما نزَل وينزِل من البلاء، وكان يقول عليه الصَّلاة والسلام كما في الأدب المفرد للبخاري : (إنَّه مَن لم يَسأل اللهَ تعالى، يَغضب عليه)، وفي سنن الترمذي : (عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِى إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ » ، وفيه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ » ، بل إنَّ أهل الجنَّة يفسِّرون سببَ نجاتهم من النَّار ودخولهم الجنة بقولهم: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ الطور: 27، 28 ، فالسبب هو مُباشرتُهم المستمرَّة للدعاء؛ وكما قال الله تعالى : ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ [الفرقان: 77]. ولذا كان الصَّحابةُ رضوان الله تعالى عليهم يَسألون اللهَ المِلحَ للطَّعام؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ الدعاء لا يَجلب لهم إلَّا كلَّ خير، وكان عمر رضي الله عنه يَستنصر بالدعاء ويقول: “إنَّما تُنصرون من السَّماء”، وكان يقول أيضا : “فإنِّي لا أَحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء؛ فإذا أُلهمتُ الدُّعاءَ فإنَّ الإجابة معه”
أيها المسلمون
والدعاء لا يكون مقبولا إلا إذا توفرت فيه وفي الداعي جملة من الآداب يأتي على قمتها الإخلاص في القول والعمل، فلا يدعو إلا الله سبحانه، فإن الدعاء عبادة من العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات إلى الله، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصا لوجهه سبحانه مصداقا لقول الله تعالى: { وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن:18]، وقوله تعالى: { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [غافر: 14]، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ” إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ” [رواه أحمد – وصححه الألباني]. وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه (جامع العلوم والحكم): “… اعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسئول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة”.
الدعاء