خطبة عن (أمنيات الصالحين والطالحين من الموتى)
مارس 7, 2017خطبة عن ( يوم الحساب وأهواله )
مارس 8, 2017الخطبة الأولى ( وقفات مع حديث : مَا قَلَّ وَكَفَى ، خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ،والحاكم في مستدركه ،والطبراني في معجمه، واللفظ لأحمد : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى وَلاَ آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً »
إخوة الإسلام
من بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أوتي جوامع الكلم ، أن مقولاته المختصرة ،قامت بتأصيل الحكمة الشرعية ،وتوصيلها إلى أصحابه الكرام رضي الله عنهم بألفاظ موجزة ، تحمل بين طياتها معان كثيرة ، كما هو الحال في الحديث المتقدم . ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى )، فالإنسان في الدنيا إذا انكب عليها فإنه كلما أخذ منها كلما ازداد نهماً، ولذلك جاء في المستدرك على شرط الشيخين للحاكم (عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : منهومان لا يشبعان : منهوم في علم لا يشبع ، ومنهوم في دنيا لا يشبع)، وفي سنن الدارمي : (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ : مَنْهُومٌ فِي الْعِلْمِ لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ ، وَمَنْهُومٌ فِي الدُّنْيَا لاَ يَشْبَعُ مِنْهَا ، فَمَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يَكْفِى اللَّهُ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَمَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَبَثَّهُ وَسَدَمَهُ يُفْشِى اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَجْعَلُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ لاَ يُصْبِحُ إِلاَّ فَقِيراً وَلاَ يُمْسِى إِلاَّ فَقِيراً ) . وفيه أيضا : (عَنْ عَوْنٍ قَالَ ،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ : صَاحِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الدُّنْيَا وَلاَ يَسْتَوِيَانِ ، أَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ فَيَزْدَادُ رِضًا لِلرَّحْمَنِ ، وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيَتَمَادَى فِى الطُّغْيَانِ . ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ ( كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) العلق 6،7
قَالَ ، وَقَالَ الآخَرُ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر 28 ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ : طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا. فطالب العلم إذا كان طالباً لله سبحانه لا يشبع أبداً، وكلما ازداد علماً علم بجهله، وطلب العلم وانكب عليه، فيفتح الله سبحانه وتعالى له أبوابه، ولا يشبع منه أبداً، وطالب المال كذلك لا يشبع منه أبداً، وكلما ازداد مالاً ازداد حرصاً على المال،، وطلباً له. وهكذا يقول الملكان (كلمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ) كما في الحديث المتقدم : (فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ) أي: إذا كان المال على قدر حاجتك، وكفايتك فهو أفضل لك من الكثير الذي يلهيك، فقد ترى الرجل لديه ألف يريدها أن تكون ألفين، ثم يريدها أن تكون مليوناً، وهكذا يظل يبحث عن المال، وفي النهاية يأتيه الموت وإذا به عليه ديون، وإذا بالمال له أصحاب يطلبونه، وإذا بالإنسان قد ضاع منه المال بسبب حرصه وجشعه. إذاً: فما قل مع الإنسان مما يكفيه، خير له مما كثر وهو يلهيه. والكفاف من المال : هو ما كف عن الناس أي أغنى عنهم ، وما يكف الإنسان عن الجوع وعن السؤال ، والذى لا يشغله عن طلب الآخرة ، فهذا الكفاف خير من تحصيل المال الكثير الذى يلهى عن الدار الآخرة ، فقليل يكفيك خير من كثير يطغيك ، لأن القليل الذي يكفيك وتكون فيه شاكراً ، أفضل من الكثير الذي يشغلك ويلهيك عن الشكر . وقليل باق خير من كثير فان ، فإنه الاقتصاد المحمود ، لأن كثرة الدنيا مطغاة وملهاة ، وأن من أراد به الله الخير كان رزقه كفافا وقنعه الله بما آتاه . وسئل بعضهم ما الكفاف؟ فقال : جوع يوم وشبع يوم ولقد كان هدي نبينا صلى الله عليه وسلم سؤال المولى سبحانه وتعالى أن يجعل رزقه كفافا ، فمما أخرجه النسائي في السنن الكبرى وفي صحيح ابن حبان : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا ” ، والكفاف في الرزق هو هدي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، وذلك في متابعة هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم لأن أحسن الهدي هدي الأنبياء – ففي مصنف عبد الرزاق : عن رجل يقال له : ميكائيل من أهل خراسان قال : كان عمر إذا قام من الليل قال : «قَدْ تَرَى مَقَامِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَرْجِعْنِي مِنْ عِنْدَكَ يَا اللَّهُ بِحَاجَتِي مُفْلِحًا مُنْجِحًا مُسْتَجِيبًا مُسْتَجَابًا لِي , قَدْ غَفَرْتَ لِي وَرَحِمَتْنِي » فإذا قضى صلاته قال : « اللَّهُمَّ لَا أَرَى شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا يَدُومُ , وَلَا أَرَى حَالًا فِيهَا يَسْتَقِيمُ , اجْعَلْنِي أَنْطِقُ فِيهَا بِعِلْمٍ وَأَصْمُتُ فِيهَا بِحُكْمٍ , اللَّهُمَّ لَا تُكْثِرْ لِي مِنَ الدُّنْيَا فَأَطْغَى , وَلَا تُقِلَّ لِي مِنْهَا فَأَنْسَى , فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى » . وفي الزهد لأبي داود : عن عبد الله – يعني ابن مسعود – أنه قال في خطبته : أَصْدَقُ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ ، وَأَوْثَقُ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى ، وَخَيْرُ الْمِلَلِ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَحْسَنُ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ ، وَأَحْسَنُ السُّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْرَفُ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللَّهِ ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ عَزَائِمُهَا ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَأَحْسَنُ الْهَدْي هَدْي الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَشْرَفُ الْمَوْتِ مَوْتُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَعْمَى الضَّلَالَةِ ، الضَّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى ، وَخَيْرُ الْعِلْمِ مَا نَفَعَ , وَخَيْرُ الْهَدْي مَا تُبِعَ ، وَشَرُّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى) . وفي سنن النسائي الكبرى : عن ابن عباس ، قال : قال له رجل : رجل قليل العمل ، قليل الذنوب أعجب إليك أو رجل كثير العمل كثير الذنوب؟ قال : « لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا »
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : (وَلاَ آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً )، فالذي ينفق لله عز وجل، فينفق على عياله، وعلى نفسه وقرابته وأرحامه، وينفق على الفقراء والمساكين، فهذا يعجل الله عز وجل له بعطاء، من فضله سبحانه ورحمته، وقوله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً) أي: أخلف عليه فيما أنفق من مال ، واجعل البركة فيه . ويقول تعالى : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39) سبأ ، ويقول سبحانه : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (261)، (262) البقرة ، ويقول الملكان : (وَأَعْطِ مُمْسِكاً مَالاً تَلَفاً ) ، فالممسك الذي يبخل: عن نفسه، وعياله، ويبخل عن أمه وأبيه، ويبخل عن الفقراء والمساكين، مع وجوب ذلك عليه، فهذا يعجل الله عز وجل له تلفاً: فيتلف ماله، تتلف صحته، ويضيع عليه هذا المال، الذي اكتسبه والذي بخل به. لذلك فالمؤمن ينفق مما أعطاه الله سبحانه وتعالى ولا يبخل، فيتعبد الله بالمفهوم الأشمل والأوسع، في كل وقت وفي كل عمل من الأعمال، ويؤدي الواجبات، والنوافل، ويطعم نفسه وأهله، وضيفه، وعياله، فالله عز وجل يملأ يديه رزقاً من فضله وكرمه سبحانه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات مع حديث : مَا قَلَّ وَكَفَى ، خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) (29)، (30) الاسراء ،وقال تعالى : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (38) الروم ،وقال تعالى : (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (37) :(39) سبأ ، فالمال الذي آتاه الله بني آدم، إنما أعطاهم إياه فتنة، أي: اختبارًا وابتلاء، لينظر هل يحسنون التصرف فيه أم لا، حيث قال سبحانه: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } الانفال 28. فَمِن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة، ولذائذه التي لا تزيده من الله إلا بعدًا، فهذا يكون ماله وبالًا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ) رواه الترمذي ، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (( نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ )) البخاري . ومِن الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله، وفيما يُقرِّبه إليه، فهذا ماله خيرًا له، حيث قال الله سبحانه: { وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } المزمل 20. وفي مسند أحمد وصحيح الأدب المفرد للبخاري أن : (عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ بَعَثَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلاَحَكَ ثُمَّ ائْتِنِي ». فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَصَعَّدَ فِىَّ النَّظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَهُ فَقَالَ « إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ اللَّهُ وَيُغْنِمَكَ وَأَرْغَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ رَغْبَةً صَالِحَةً ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ وَلَكِنِّى أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِى الإِسْلاَمِ وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ « يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ » ، فالمال الصالح النافع للعبد هو المال الذي قدمه لآخرته، فأنفقه وفق شرع الله تعالى، إما في نفقة واجبة أو بِرٍّ وإحسان ومعروف مستحب، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه – رضي الله عنهم -: (( أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ )) رواه البخاري . وصحَّ عن عبد الله بن الشِّخير – رضي الله عنه -: (( أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ؟)) رواه مسلم .
أيها المسلمون
أيُحزن المتصدق أم يُسعده أن يكون يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس في ظل صدقته، حيث صحَّ أن أبا الخير سمع عقبة بن عامر – رضي الله عنه – يقول -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ”، قال يزيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، وَلَوْ بَصَلَةً ) رواه البيهقي . أيُحزن المتصدق أم يُسعده أن يأتي يوم القيامة وقد أطفأت صدقته خطاياه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ )) رواه الترمذي . ألا فأنفقوا من أموالكم ، من طيب كسبكم ، وطيبة بها نفوسكم ، لتسعدوا في الدارين
الدعاء