خطبة عن (معاملة الرسول وأخلاقه مع زوجاته وأولاده وأحفاده)
ديسمبر 24, 2016خطبة عن حديث (خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ
ديسمبر 26, 2016الخطبة الأولى ( وقفات مع حديث : وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنَعَ وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ »
إخوة الإسلام
في هذا الحديث المتقدم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ( قيل وقال ) ، وهو الخوض في الباطل وإشاعة الفواحش ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة ، وكما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». ومن القيل والقال كذلك الإغراق في فرض مسائل لم تقع والإجابات عنها قبل وقوعها فإن هذا يصرف المسلمين عن دراسة الكتاب والسنة ويشغلهم عن حفظ نصوصهما والتفقه فيهما. ومن أقوال بعض العلماء في معنى ( قيل وقال) ،قال الإمام مالك –رحمه الله- ( قِيلَ وَقَالَ ) هو الإكثار من الكلام وَالإِرجاف نحو (قول النّاس قال فلان وفعل فلان والخوض فيما لا ينبغي ). وقال الإمام النووي –رحمه الله- ( قِيلَ وَقَالَ ) : هو الْخوض في أخبار النّاس ، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرّفاتهمْ . وقال الشيخ العثيمين رحمه الله [ (قِيلَ وَقَالَ ] يعني نقل الكلام ، و كثرة ما يتكلم الإنسان و يثرثر به ، و أن يكون ليس له هم إلا الكلام في الناس ،وقال بعضهم: أي نقل الكلام الذي لا تُعرف صحته وصدقه.
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث النبوي ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ست خصال مذمومة لما فيها من الضرر الخاص والعام.
وهي نقل الكلام دون تثبت ولا تحر عن مصداقيته وثبوته، وإضاعة المال الذي به قيام معايش الناس وحياتهم، وكثرة الأسئلة التي لا نفع فيها، وأن يمنع الإنسان مالاً أو شيئاً أمر بإنفاقه وبذله، أو طلبه مالاً أو غيره مما نهي عن طلبه،
كما نهى صلى الله عليه وسلم عن عقوق الأمهات ونص عليهن لضعفهن وعظم حقهن وإلا فعقوق الأب محرم أيضاً كعقوق الأم. وكما نهى عن أذى الأمهات فقد نهى أيضاً عن أذى البنات فنهى عن العادة الجاهلية القبيحة وهي قتلهم بناتهم بدفنهن أحياء والعياذ بالله خوفاً من الفقر أو خوفا من العار. فعلى كل ٍّ مسلم ومسلمة التفكر والتأمل في الكلام قبل النطق به لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ » ،فالكلام من عمل العبد الذي يحاسب عليه ويجازى به يوم القيامة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ويبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي ومسند أحمد وغيرهما (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ ….ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». فَقُلْتُ لَهُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ – أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ »
فمن الخطإ أن يتحدث الإنسان بكل ما سمع أو قرأ ، لأن الناس تتناقل الأخبار الكاذبة بقصد وبغير قصد ، فإذا نقلت كل ما سمعت دون تحقق ، فستنقل الكذب وتتحدث به ، وقد قال صلى الله عليه وسلم « كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ » رواه مسلم ، فينبغي أن يتحرى المسلم في كل ما ينقل عنه غيره، وتتأكد المسؤولية في مواضع ، ومنها نقل الكلام المتعلق بالأحكام الشرعية ،لأنه من القول على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز نسبة شيء إلى الله ، والى رسوله إلا بعد التثبت والتحقق. وكذا النقل عن العلماء بأن فلاناً أفتى بكذا أو قال كذا ، لأن العلماء هم المبلغون عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. ولأن النقل عنهم قد يكون فيه ما يستلزم تنقصهم وازدراءهم ، وبغض القلوب لهم ،فيكون في التنفير عنهم تنفير عن الدين والعلم الشرعي. والنقل أيضا عن ولاة الأمور من الحكام والأمراء ونحوهم ولا سيما في أوقات الفتن فإن الناس تتناقل عنهم كثيراً من الأخبار التي توغر الصدور عليهم وتمهد للخروج عليهم فيحصل بسبب هذه الأخبار من الفساد والشرور ما لا يعلمه إلا الله. وأيضا : نقل الكلام فيما يتعلق بأمور السياسة والأمن والخوف ، ولا سيما في أوقات الفتن، فإنها بيئة خصبة لنمو الإشاعات ، وتكاثرها ، فلا يصح ترويجها ، بل يجب القضاء عليها بالسكوت عنها ، وردها إلى الجهات المسؤولة المعنية لتدرسها ،وتتعامل معها بما تقتضيه المصلحة ،وقد ذم الله تعالى من يتناقل هذا النوع من الأخبار ، وأمر بردها إلى أولي الأمر،
فقال سبحانه وتعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء 83] ،وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ” رواه الترمذي
أيها المسلمون
واعلموا أن المال من النعم العظيمة وقد سماه الله خيراً فقال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) (8) العاديات ( يعني المال ). وبالمال قيام الحياة ومصالحها كما قال تعالى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء 5 ،
والمال اختبار وابتلاء فلا يحل اكتسابه من وجه حرام كالربا والسرقة والرشوة ، ولا يجوز انفاقه في مصرف حرام كشراء آلات المعازف والخمور وكتب البدع ، ولا يجوز منع الحقوق الواجبة فيه كالزكاة الواجبة والنفقات الواجبة.
ولإضاعة المال صور عديدة ومنها : إنفاق شيء منه ولو قليلاً فيما حرم الله تعالى، ومنها الإسراف والتبذير: وهو مجاوزة الحد المتعارف عليه ،قال تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء (27) . وأما قوله صلى الله عليه وسلم (وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ) فاعلموا أن السؤال من وسائل تحصيل العلم ،وقد قال تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل (43) ،وقد جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس دينهم عن طريق أسئلة طرحها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنعلم أن السؤال على نوعين : النوع الأول : أسئلة محمودة يشكر أهلها وهي الأسئلة التي تكون بقصد التعلم ، وتكون عما ينفع المسلم، وتكون موجهة لأهل الذكر والعلم ،فقد كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم ،ومن أمثلة ذلك ما روي في البخاري (عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » ،ومثاله أيضا ما رواه البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِى أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ » ،وربما تولى الله الإجابة فينزل الإجابة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة. كما في قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) (219): البقرة ، وقوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) البقرة: 220، وكقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) البقرة: 222، أما النوع الثاني: أسئلة مذمومة، وهي الأسئلة التي يراد بها إظهار السائل فضل نفسه، أو يريد بها تغليط المسؤول وإظهار عجزه وجهله، أو السؤال عما لا ينفع ، أو السؤال عن القضايا التي لم تقع وإنما هي مجرد تخيل وتوقع ، وفي سنن ابن ماجة (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ».
وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (101) المائدة ، أو السؤال في زمن نزول الوحي عن شيء حلال فحرم من أجل سؤاله أو شيء كان فيه سعة فضيق وشدد على الناس بسبب سؤاله. وفي الصحيحين : (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ » ،وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، قَالَ « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » . قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِى قَالَ فُلاَنٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ 🙁 لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (101) المائدة ،. وفي الصحيحين : قال (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا » . فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ « سَلُونِي » . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ مَنْ أَبِى قَالَ « أَبُوكَ حُذَافَةُ » . ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ « سَلُونِي » . فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا ، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا . فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ » – ومما يدخل في ذلك النهي، السؤال عن كيفية صفات الله «فمن سأل عن كيفية علم الله، أو كيفية خلقه وتدبيره، قيل له فكما أن ذات الله تعالى لا تشبهها الذوات، فصفاته لا تشبهها الصفات، فالخلق يعرفون الله، ويعرفون ما تعرف لهم به من صفاته وأفعاله، وأما كيفية ذلك فلا يَعلم تأويله إلا الله» قاله السعدي في بهجة قلوب الأبرار ،وأما السؤال على وجه الاسترشاد عن العلم والمسائل الدينية من أصول وفروع، فهي مما أمر الله تعالى بها رسوله، ومما حث عليها، وهي الوسيلة لتعليم العلوم، وإدراك الحقائق قال الله تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل 43.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وقفات مع حديث : وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم (ومنع وهات) النهي هنا عن خصلتين متقابلتين وهما : أن يمنع المسلم ما يجب عليه بذله ، أو يطلب ما يحرم عليه طلبه. فمنع الزكاة الواجبة مثلا وعدم إعطائها مستحقيها كبيرة من كبائر الذنوب وقد توعد الله مانعها بالعقوبة العاجلة في الدنيا بأخذها منه بالقوة وتغريمه شطر ماله، وبالعذاب البرزخي في القبر، والعذاب بعد البعث في عرصات القيامة ،والعذاب بعد ذلك في النار والعياذ بالله ، كما قال تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) (35) التوبة . ومن المنع المحرم أيضاً أن يحبس النفقة عمن تجب عليه نفقته كالزوجة والأولاد والدواب التي يملكها ففي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ » ،وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ – قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ – لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا ، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ » » متفق عليه. ومن الطلب المحرم أن يطلب المسلم تعلّم العلوم الضارة كعلم السحر والكهانة قال تعالى فيمن يطلب تعلم السحر (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ) البقرة 102. ومنه أيضاً أن يطلب مال الرشوة ـ أو الزيادة الربوية إذا داين الناس. ومنه أيضاً أن يسأل الناس من غير حاجة حقيقية وإنما يريد التكثر وزيادة المال وفي صحيح مسلم : (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ». وينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وأد البنات وهي عادة قبيحة كان يفعلها بعض العرب ،فكانوا يدفنون بناتهم أحياء إما خشية الفقر وقلة ذات اليد ،وإما يخشى أن تكبر الفتاة فتفعل فاحشة، أو تكون حرب فتسبى فتلوث عرضه وسمعته ، بذلك فيدفنها استباقاً لهذا المكروه المتوهم، فقال تعالى “وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (9) التكوير ،وقال ابن عباس هي المدفونة. والشارع الحكيم الرحيم لم يكتف بالنهي عن وأد البنات فقط بل أمر بإكرامهن والإحسان إليهن ، ووعد من فعل ذلك الجنة ، والنجاة من النار
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَتْهُ قَالَتْ جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَأَعْطَيْتُهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ « مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ » متفق عليه. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ». وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه مسلم.
الدعاء