خطبة عن (من مقاصد العبادات في الإسلام)
مارس 3, 2018خطبة عن التوبة والتائبين (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ)
مارس 3, 2018الخطبة الأولى وقفات مع قوله تعالى ( لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (69) :(71) الاحزاب
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الل-ه مع هذه الآيات المباركات ، والتي ترشدنا إلى الكثير من الأخلاق الفاضلة ،والصفات السامية والمهذبة ،وتحذرنا من الوقوع في منكر القول ،وسوء الأخلاق ،ومن خلال التدبر والتأمل في هذه الآيات ،يمكن استنباط بعض ما ترشد إليه، ومنها : – عدم إيذاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كما فعل بنو اسرائيل مع نبيهم موسى عليه السلام ، حين آذوه ، فبرأه الله مما قالوا – وترشد الآيات : أن من الأخلاق السيئة : اتهام الآخرين بغير دليل ،وكذا سوء الظن بالناس ،والخوض في الأعراض، – وتبين الآيات أخلاق بعض بني اسرائيل مع أنبيائهم ، وسوء معاملتهم معهم ، وعدم توقيرهم ووصفهم بما يليق بهم – وفي الآيات بيان لمنزلة سيدنا موسى (عليه السلام ) عند ربه تبارك وتعالى – وأن من أخلاق المؤمنين الوجاهة – والقول السديد ) ، ففي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) يخاطب الله تعالى أتباع رسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمؤمنين به في كل مكان وزمان ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تؤذوا رسول الله بقول يكرهه منكم، ولا بفعل لا يحبه منكم، ولا تكونوا أمثال هؤلاء الذين آذوا نبي الله موسى ( عليه السلام ) فرموه بعيب كذبًا وباطلا(فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) فيه من الكذب والزور بما أظهر من البرهان على كذبهم (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) فنبي الله موسى عليه السلام هو عند الله مشفعًا فيما يسأل ذا وجه ومنـزلة عنده بطاعته إياه. ثم اختلف أهل التأويل في هذا الأذى الذي أوذي به نبي الله موسى عليه السلام ، والذي ذكره الله في هذا الموضع؛ فقد جاء في الصحيحين البخاري ومسلم : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلاَّ أَنَّهُ آدَرُ – قَالَ – فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ – قَالَ – فَجَمَحَ مُوسَى بِإِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِى حَجَرُ ثَوْبِى حَجَرُ. حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى قَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ . فَقَامَ الْحَجَرُ حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ – قَالَ – فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ بِالْحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ ) . وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم : (عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، عن علي رضي الله عنه ، في قوله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ) قال : « صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته كان أشد حبا لنا منك وألين لنا منك فآذوه في ذلك ، فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل حتى علموا بموته فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرخم وإن الله جعله أصم أبكم » ، وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن بني إسرائيل آذوا نبي الله موسى عليه السلام ببعض ما كان يكره أن يؤذى به، فبرأه الله مما آذوه به. وجائز أن يكون ذلك قولهم : أنه أبرص، أو به عيب خلقي ، أو ادعاؤهم عليه أنه قتل أخاه هارون. وجائز أن يكون كل ذلك؛ لأنه قد ذكر كل ذلك أنهم قد آذوه به، وقال الإمام النووي في شرح مسلم: “وفي هذا الحديث فوائد؛ منها: أن فيه معجزتين ظاهرتين لموسى صلى الله عليه وسلم؛ إحداهما: مشيُ الحجر بثوبه إلى ملأ بني إسرائيل، والثانية: حصول الندب في الحجر، ومن الملاحظ أن الآيات تنبه وتحذر المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ألا يحدث منهم قول أو فعل فيه إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدث من بني اسرائيل مع نبيهم موسى ، وقال الله تعالى في محكم آياته محذرا من ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) (57) الاحزاب ، وقال الله تعالى في شأن المنافقين : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (61) التوبة ، وفي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِى فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّى أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ». وإذا كانت الآيات السابقة تدعو إلى الأخلاق الحسنة في التعامل مع أنبياء الله ورسله والناس أجمعين ، فهي أيضا تنبه ،وتحذر من سوء الأخلاق ، وأن من الأخلاق السيئة اتهام الآخرين بغير دليل ،وكذا سوء الظن بالناس ،والخوض في الأعراض ، أما اتهام الآخرين بغير دليل ، وسوء الظن بهم فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) الحجرات 12، وفي الصحيحين : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا » ، وأما عن الخوض في الباطل ،وأكل لحوم الناس ،والنيل من أعراضهم ،فقد قال الله تعالى :(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (58) الاحزاب، وروى مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { … ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا ، وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَصَحَّحَهُ .وفي سنن أبي داود وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ 00)
أيها المسلمون
كما تبين الآيات أيضا أخلاق بعض بني اسرائيل مع أنبيائهم ، وسوء معاملتهم معهم ، وعدم توقيرهم ووصفهم بما يليق بهم ، فالذين آذوا موسى هم طوائف من قومه ،ولم يكن قصدهم أذاه ،ولكنهم أهملوا واجب كمال الأدب والرعاية مع أعظم الناس بينهم . وقد حكى الله عنهم ذلك إجمالا وتفصيلا بقوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) الصف 5، فكان توجيه الخطاب للمؤمنين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – يراعى فيه المشابهة بين الحالين في حصول الإيذاء . وقد تعدد الإيذاء من قوم موسى عليه السلام ، فقالوا له مرة كما في قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) المائدة (24)، (25) ، فآذوه بالعصيان ،وبضرب من التهكم . وفي قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) البقرة (67) ،فقد فنسبوه إلى الطيش ،والسخرية ، ولذلك قال لهم (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) البقرة (67). وجاء في التوراة في (الإصحاح الرابع عشر من الخروج) : وقالوا لموسى :فإذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر فإنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية . وفي (الإصحاح السادس عشر)، وقالوا لموسى وهارون : إنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع . وكما جاء في الأحاديث السابقة إن موسى كان رجلا حييا ستيرا فقال فريق من قومه : ما نراه يستتر إلا من عاهة فيه . فقال قوم : به برص وقال قوم : هو آدر ونحو هذا ، وكان قريبا من هذا قول المنافقين : إن محمدا تزوج مطلقة ابنه زيد بن حارثة . وقد دلت هذه الآيات على وجوب توقير النبيء – صلى الله عليه وسلم – وتجنب ما يؤذيه وتلك سنة الصحابة والمسلمين ، وقد عرضت فلتات من بعض أصحابه الذين لم يبلغوا قبلها كمال التخلق بالقرآن ، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الصحيحين (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ – رضى الله عنهما – أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لِلزُّبَيْرِ « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاء إِلَى جَارِكَ » . فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ . فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَالَ « اسْقِ يَا زُبَيْرُ ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ » . فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) ، ومن أمثلته أيضا ما جاء في مسند البزار (لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَأَعْطَى نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَاللَّهِ مَا أَعْطَى ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا عَدَلَ فِيهَا ، أَوِ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الرَّجُلُ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ : قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾؛ أي: له وجاهةٌ عند ربه عز وجل، قال الحسن البصري: “كان مستجاب الدعوة عند الله”، وقال غيره من السلف: “لم يسأل اللهَ شيئًا إلا أعطاه، ولكن مُنع الرؤية لما يشاء عز وجل”، وقال بعضهم: “مِن وجاهته العظيمة عند الله أنه شفَع في أخيه هارونَ أن يُرسله الله معه فأجاب اللهُ سؤاله؛ فقال: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53] ، وفي قوله تعالى : (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) الاحزاب (69) ، فيه بيان أن من أخلاق المؤمنين الوجاهة – والوجاهة هي : الجاه وحسن القبول عند الله ،فهو مرضي عنه ،ومقبول له ، ومستجاب الدعوة ، وحسن القبول عند الناس : أن يكون محببا إليهم ومرغوبا فيه ، والوجيه عند العرب : العظيم القدر الرفيع المنزلة . وفي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) الاحزاب (70) ، ففي قوله تعالى : (قَوْلًا سَدِيدًا )، قالوا في القول السديد: أي قصدا وحقا . وقال ابن عباس : أي صوابا ،وقال عكرمة وابن عباس أيضا : القول السداد لا إله إلا الله . وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه . وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره . وقيل : هو الإصلاح بين المتشاجرين . وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض . والقول السداد يعم الخيرات ، فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك . (القول السديد) يشمل الأقوال الواجبة ، والأقوال الصالحة النافعة، مثل: ابتداء السلام، والكلمة الطبية التي تدخل السرور إلى قلب المؤمن، والإصلاح بين الناس. ويشمل (القول السديد) النصح والإرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء والحكماء. فقراءة القرآن على الناس من القول السديد، ورواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من القول السديد. وفي الحديث: « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ». رواه الترمذي. ومن القول السديد نشر أقوال الصحابة والحكماء وأئمة الفقه. ومن (القول السديد) تمجيد الله والثناء عليه مثل التسبيح. فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس، فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيء تشيع الضلالات والأوهام، فيغتر الناس بها، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً. و(القول السديد) يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد رتبت الآية الكريمة على (القول السديد) جملة من النتائج، عبرت عنها الآية التالية لها، وهي قوله تعالى: { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71)، فالقول السديد يقود إلى العمل الصالح، والله سبحانه يرعى المسدَّدَين، ويقود خطاهم، ويصلح لهم أعمالهم؛ جزاء التصويب والتسديد. والله يغفر لذوي الكلمة الطيبة والعمل الصالح؛ ويكفر عن السيئة التي لا ينجو منها الآدميون الخطاؤون. ولا ينقذهم منها إلا المغفرة والتكفير. وعلى ضوء المقدمات والنتائج التي قررتها هذه الآية الكريمة، نستطيع أن ندرك أهمية الكلمة الحسنة، والقول السديد في حياة الأفراد والأمم معاً؛ فكم من كلمة صوبت مسيرة إنسان كان يسلك طريق الضلال! وكم من كلمة أودت بحياة إنسان كان يعيش في خير وأمان! وكم من كلمة صنعت سلاماً وأمناً! وكم من كلمة صنعت حرباً ودماراً!
الدعاء