خطبة عن قوله تعالى (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
أكتوبر 6, 2018خطبة عن (فضائل السَّابِقينَ الْأَوَّلينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
أكتوبر 6, 2018الخطبة الأولى :وقفات وعبر مع حديث (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا . فَغَزَا فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا . فَحُبِسَتْ ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ ، فَجَاءَتْ – يَعْنِى النَّارَ – لِتَأْكُلَهَا ، فَلَمْ تَطْعَمْهَا ، فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ . فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ . فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا ، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا »
إخوة الإسلام
لقد شرع الله عز وجل الجهاد والقتال في سبيله لمقاصد عظيمة ،وغايات نبيلة ، ومنها إعزاز الدين ،وتعبيد الناس لله رب العالمين ،وإزالة الحواجز والقيود التي تحول بين الناس وبين الدعوة وقيام الحجة ، قال الله تعالى : (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (42) الانفال ، والجهاد عبادة كغيرها من العبادات ،تحتاج لكي تؤتي أكلها ،ويجني العبد ثمارها، ألا يقدم عليها إلا وهو في حالة من التهيؤ النفسي ،والتفرغ القلبي من الشواغل والملهيات ، والتي تحول بينه وبين أداء هذه العبادة ، وتحقيق مقاصدها على الوجه الأكمل ، وفي هذا الحديث الذي تصدرت به هذه الخطبة ، يقص النبي- صلى الله عليه وسلم- علينا قصة نبي من أنبياء بني إسرائيل، خرج للجهاد والغزو ، وهذا النبي قيل أنه نبي الله يوشع بن نون عليه السلام ، والذي صحب موسى عليه السلام في حياته ،وسار معه إلى الخضر ، فبعد وفاة نبي الله موسى عليه السلام ، أوحى الله إلى يوشع بن نون ،واستخلفه على بني إسرائيل ،وفتح الله على يده الأرض المقدسة . وفي يوم من الأيام خرج هذا النبي عليه السلام غازيا لفتح إحدى القرى ، وقبل خروجه ، حرص على أن لا يتبعه في غزوته تلك إلا من تفرغ من جميع الشواغل ، والارتباطات الدنيوية التي من شأنها أن تقلق البال وتكدر الخاطر ، وتعيق عن الجهاد والتضحية في سبيل الله . (فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا ) ، فقد استثنى من جيشه ثلاثة أصناف من الناس : الأول : رجل عقد نكاحه على امرأة ولم يدخل بها ، والثاني : رجل مشغول ببناء بيت لم يكمله ، والثالث : رجل اشترى غنما أو نوقا حوامل وهو ينتظر ولادها ، والسبب في ذلك أن الذي انشغل بهذه الأمور الثلاثة ، وتعلق قلبه بها ، فلن يكون عنده استعداد لأن يثبت في أرض المعركة ، ويتحمل تبعات القتال ، بل ربما كان سببا للفشل والهزيمة . (فَغَزَا فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا . فَحُبِسَتْ ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ )، وهكذا لما خرج النبي بجيشه متوجها نحو القرية ،ودنا منها وقت صلاة العصر أو قريباً منه ، وكان الوقت المتبقي إلى الغروب لا يتسع للقتال ، فقد يدخل عليه الليل قبل أن ينهي مهمته ، واليوم يوم جمعة ، وبدخول الليل يحرم القتال على بني إسرائيل الذين حرم عليهم الاعتداء في السبت . وعندها توجه نبي الله يوشع إلى الشمس مخاطباً لها بقوله : (إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ) ، ثم دعا الله عز وجل أن يحبسها عليهم ، فأخر الله غروبها ،وحبسها ،حتى تم له ما أراد، وفتح الله عليه القرية.
(فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ ، فَجَاءَتْ – يَعْنِى النَّارَ – لِتَأْكُلَهَا ، فَلَمْ تَطْعَمْهَا ، فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ . فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ . فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا ، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا) وقد كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلنا ،فكانت تجمع كلها في نهاية المعركة في مكان واحد ،ثم تنزل نار من السماء ،فتأكلها جميعا ،وكانت تلك علامة قبول الله لتلك الغنائم ، فإن غل أحدٌ منها شيئاً لم تأكلها النار ، فجمعت الغنائم وجاءت النار فلم تأكل منها شيئاً ،فعرف نبي الله يوشع أن هنالك غلولاً وأخبر جيشه بذلك ، ثم أمر بأن يبايعه من كل قبيلة رجل ،فلصقت يده بيد رجل من القبيلة التي فيها الغلول ،فعرف أن الغالِّين هم من هذه القبيلة ،وطلب أن يبايعه كل فرد من أفرادها على حدة ،فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة وكانوا هم أصحاب الغلول ،فأمرهم بإحضار ما أخذوه ،فجاءوا بقطعة كبيرة من الذهب على شكل رأس بقرة ،فلما وضعت مع الغنائم جاءت النار فأكلتها . ثم يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم معقبا على هذه القصة : (ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا ) ،فقد منَّ الله عز وجل على هذه الأمة ، ورحم ضعفها ، فأحل لها الغنائم التي كانت محرمة على من قبلها من الأمم ،وستر عنها أمر الغلول ،وفضيحة عدم القبول ، وهو من خصائص أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ففي الصحيحين البخاري ومسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ ،وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ،وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَىْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :وقفات وعبر مع حديث (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستلهمها من قصة هذا الحيث : أولا : إن هذه القصة تبين لنا جانباً من جوانب الإعجاز الإلهي ، والقدرة الربانية ،وأنه سبحانه هو المتصرف في هذا الكون ،وبيده الملك والخلق والتدبير ، وبالتالي فهو المستحق للعبادة وحده ، كما أنها تظهر تأييد الله لرسله ، وإعانته لهم على القيام بما أوكل إليهم من مهام . ثانيا : أن من خلال هذه القصة يتبين لنا أن المهمات الكبرى ، والقضايا المصيرية التي يرتبط بها عز الأمة ونصرها ، ينبغي ألا تفوَّض إلا لحازم فارغِ القلب ، لم تأسره الدنيا ، ولم يشغله المعاش ، ولم تلهه الشهوات ، لأن المتعلق بأمور الدنيا ،وشؤون الحياة والمعاش ، قد يضعف عزمه عن المواجهة والإقدام ،والقلب إذا تشعبت به الهموم ضعُف عمل الجوارح ، وفي سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ » وفي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ ». ثالثا : لم يذكر الحديث اسم هذا النبي ، لأنه لا حاجة للناس إلى معرفة شخص هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما العبرة بالمعنى الذي حصل لهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- وما صدر منه، وما وقع له، وهذه المبهمات كثيرة في القرآن، رابعا : ينبغي للإنسان إذا أراد طاعة أن يفرِّغ قلبه وبدنه لها، حتى يأتيها وهو مشتاق إليها، وحتى يؤديها على مهل وطمأنينة وانشراح صدر. خامسا : أن الجهاد كان مشروعا في الأمم السابقة كما هو مشروع في هذه الأمة، وقد دل على هذا كتاب الله في قوله:﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾] آل عمران146 ،سادسا : في الحديث أيضا من آيات الله أن الذين غلوا لزقت أيديهم بأيدي النبي، وهذا خلاف العادة، ولكن الله على كل شيء قدير؛ سابعا : أنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وأن الأنبياء لا يعلمون الغيب ــ إلا ما أطلعهم الله عليه، قال الله تعالى مخاطبا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم : (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) الأنعام 50، وقال الله تعالى : (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) الاعراف 188،
الدعاء