خطبة عن (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ)
أكتوبر 12, 2023الجهاد في سبيل الله وأحكامه وحديث (اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ)
أكتوبر 14, 2023الخطبة الأولى: الجهاد (وَأَعِدُّو اْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( وَأَعِدُّو اْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) (60) الأنفال ، وروى مسلم في صحيحه : ( عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ »
إخوة الإسلام
إن الجهاد في سبيل الله من أعظم أمور الدين بعد أركان الإسلام الخمسة ، حتى جعله الشارع ذروة سنام الإسلام وقبته ،ففي سنن الترمذي يقول صلى الله عليه وسلم « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ » ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة ، كما في البخاري يقول صلى الله عليه وسلم « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) ، كما أن لهم الرفعة في الدنيا ، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة. والجهاد – وهو بذل الجهد لإحقاق الحق وإبطال الباطل- شُرِعَ لقتال من يعتدي ،ويبدأ بالقتال؛ لرد عدوانه، وحماية الحق، كي يُصان ولا يُهان، وإعلاء كلمة الله ، وحماية المقدسات والأوطان. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. وفي الجهاد حمايةٌ للمؤمن والمسلم من أن يُفتَنَ في دينه، أو يُساء إلى عرضه أو نفسه أو ماله، أو تُنتهك حرماتُه. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ﴾ [البقرة: 193]
وما أعظمَ وأكرمَ وأشرفَ موقفَ المعتصمِ حين قال: «لبيك لبيك» وقد نُقِلَ إليه أن امرأة مسلمة صرخت في بلاد الروم: «وا معتصماه» تستغيث به –وقد حاول روميٌّ أن يسيءَ إليها، ويعتدي عليها –وزحف بجيش عرَمْرمٍ لإنقاذها، فصانها، وأدَّبَ وعاقب من أهانها. وترك الجهاد من أسباب الذل والهوان كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود ( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». ولما كان الجهاد يحتاج الى قوة وإعداد عدة، فقد ذكرها الله في كتابه حيث قال تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ الأنفال 60. وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ التوبة 46. فماهي هذه القوة ؟؟ ، وهل هي قوة مقدرة ، ولها ضوابط ؟؟، أم هي قوة جاءت بلفظ عام تشمل كل قوة صغيرة كانت أم كبيرة؟؟ قال الإمام السعدي رحمه الله: (أي وَأَعِدُّوا لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ﴿ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ أي كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية، وأنواع الأسلحة ،ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة ،والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا إن القوة الرَّمْيُ” ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى ﴿ و َمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ فهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجوداً أكثر إرهاباً منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأموراً بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب وقوله تعالى ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به “اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ” فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم، ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قليلاً كان أو كثيراً ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾ أجره يوم القيامة مضاعفاً أضعافاً كثيرة .
وَفي سنن أبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر رَفَعَهُ : “إنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّة، صَانِعُهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِي بِهِ وَمُنَبِّلَهُ فَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا” وقَالَ الْقُرْطُبِيّ: “إِنَّمَا فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْي وَإِنْ كَانَتْ الْقُوَّةُ تَظْهَرُ بِأَعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ آلآتِ الْحَرْبِ لكون الرَّمْيِ أَشَدّ نِكَايَة فِي الْعَدُوِّ وَأَسْهَل مُؤْنَة لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي رَأْسَ الْكَتِيبَة فَيُصَابُ فَيُهْزَمُ مَنْ خَلْفَهُ”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَأَعِدُّو اْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن ديننا دين منظم ، ودين واقعي ،وليس دين الثورات الغوغائية كما يصفها العلامة الألباني رحمه الله حيث قال:
( لكن الجهاد يجب أن يعد له عدته كما قال تعالى: “وأعدوا لهم …الآية” وهذا هو الجهاد الذي حين يعلن فتتخذ له العدة ، فهو الذي لا يجوز التخلف عنه. أما الجهاد بمعنى ثورة أفراد ،يثورون ولو انتقاما لدينهم ،أو لأرضهم ، فذلك ليس هو الجهاد المذكور ،فيجب على المسلمين أن يتنبهوا إلى الأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية التي شرع الله ولا يكونوا في ذيل الأمم، فإن لفظ القوة الذي جاء نكرة لا يدل على أن نقاتل العدو بالحجارة أو بالعصي كما يتوهمه البعض، بل جاء كدليل على أن نطور قوتنا كلما تطور الزمن وتقدم ونأخذ بأسباب النصر ،ولقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الرباني ،بالأخذ بأسباب القوة ،فلم يفتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة بمجرد وصوله إلى المدينة ، إلا بعد سنوات ، وبعد أن أخذ العدة اللازمة لفتح مكة ،وهي عشرة الاف مقاتل مجهزين بعدة القتال الازمة لهذا الأمر العظيم. وإن ديننا العظيم يلزمنا بشرطين للنصر ، وهما: الإعداد المادي والأخذ بأسباب القوة والشرط الثاني :هو الأعداد المعنوي الإيماني للشعب المسلم المجاهد وهذا ما بينته الآية: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ النور 55.
أيها المسلمون
فالواجب على الدول الإسلامية أن تستعد لأعداء الله وتحذر مكائدهم، وأن تستقيم على دين الله، وأن تلزم الحق وأن تعد العدة دائماً، ولا تغفل ولا تأمن مكر العدو، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ) النساء 71 ، والله أمرهم بما يستطيعون حيث يقول تعالى :﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ الانفال 60؛
فكل دولة تجتهد في اقتناء السلاح المناسب في الوقت الحاضر، والحرص على صنعته إذا أمكن أو شرائه، والحرص على إيجاد الجندي الطيب المسلم في وقت الرخاء، حتى إذا جاءت الشدائد تكون عندها القوة الكافية، وهذا واجب الجميع، وأعظم شيء وأهمه إصلاح النفوس بتقوى الله، والاستقامة على دينه، وترك معصيته سبحانه وتعالى، والإخلاص لله بالعبادة، والنهي عن الشرك بالله، ويجب علينا – نحن المسلمين – أن نُعِدَّ العدة لاستلام الزعامة والإمامة لهذا العالم لننتشل الناس من ظلم العباد إلى رحمة رب العباد ، كما فعل أسلافنا رضي الله عنهم . ولا شكَّ أن للنصر والاستعلاء مقوماته ، وأن بشائره تلوح في الأفق ، فلنسع إليه ، لنحقق قول الله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (55) النور ،وقوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج (41).
الدعاء