خطبة عن ( أقسام القلوب وعلاجها )
يناير 18, 2016خطبة عن (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ )
يناير 18, 2016الخطبة الأولى ( وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً )
حمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ( النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :(إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ) ،
إخوة الإسلام
في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » – فان قلب الإنسان هو منبع روحه وليس مجرد مضخة فقط كما يعتقد الكثيرين , وهو عقله الباطن وبؤرة شعوره ,وبه تُحَس آلام الانسان وأحزانه وأفراحه و تُختزن مشاعره وأحاسيسه ، فالقلب هو العقل الحقيقي للإنسان , وهو أيضا جهاز كشف كذب بديع , لأنه جهاز الرؤيا الحقيقية ومن لا يري بقلبه فهو الأعمى , لأن العمى الحقيقي ليس في فقد البصر وإنما في فقد البصيرة ، والقلب أيضا مركز الذاكرة الدائمة , وقد يري الإنسان مخزون قلبه و عقله الباطن في نومه بالرؤى والأحلام . اذن فالقلب هو الجزء المدرك المسئول في الإنسان , و بصلاحه يكون صلاح باقي الجسد وبالتالي صلاح النفس ، فصلاح حركات العبد واجتنابه للمحرمات واتقاؤه للشبهات بحسب صلاح قلبه، فإن كان قلبه سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه الله. صلحت حركات الأعضاء كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات، وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع الهوى وطلب ما يشتهيه الإنسان ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها وانبعثت إلى المعاصي والمشتبهات، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم. قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء]. واعلموا أن القلب يتأثر ويمرض بفعل المعاصي وترك الطاعات، فيمرض بالنفاق، قال تعالى في المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً} [(10) سورة البقرة]. ويُحجب بالمعاصي فيغلف بغلاف كثيف فلا يصل إليه نور، ولا تؤثر فيه موعظة، وهذا هو الران الذي قال تعالى فيه: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين 14. كما أن أكل الحرام، وعدم التورع عن الآثام يُقسي القلب فلا يستجاب له دعاء، وقد روى الترمذي في سننه (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي ».
وتنقسم القلوب إلي ثلاثة أقسام :- كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلَبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلَبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ المَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ ». فالقلب الأول : قلب صحيح أجرد الا من حب الله , و هو قلب المؤمن وهو القلب السليم الصحيح , ولا نجاة يوم القيامة إلا لمن أتى الله به . فهو متجرد مما سوى الله , فيه سراج يضيئه هو نور الإيمان , وهو قلب سليم في تجنبه الشبهات وسلامته من الشهوات. وهو القلب السليم الذي ورد ذكره في كتاب الله في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{89}﴾ (الشعراء) ، وهو قلب المؤمن ولا ينجو يوم القيامة إلا من أتى به ، فالقلب السليم : هو قلب من سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ومن كل شبهة تعارض خيره فسلم من عبودية ما دون الله من البشر والمال والعلم والهوى ؛ وسلم من تحكيم غير سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) سلم لمحبته لله ورسوله , خوفا من غضب الله وسعيا لرضاه, وتوكله عليه وحده والإنابة إليه والذل له , وإيثار مرضاته في كل حال , والتباعد عن سخطه بكل وسيلة , وهذه هي العبودية الحقة , فالعز هو في طاعة الله والذل في البعد عنه , فعندما تكون عبداً لله مخلصاً له في طاعتك لا تبتغى بها غير وجهه سبحانه وتعالى تكون بذلك قد تخلصت من عبودية ما سواه ” وضمنت بذلك إن تدخل في ولاية الله سبحانه وتعالى وأمنت شر الخلق جميعا ” ، فصاحب القلب السليم إن أحب , أحب في الله , وإن أبغض أبغض في الله ,وإن أعطى أعطى لله ,وإن منع منع لله
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ) 3
حمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما القلب الثاني : قلب أغلف منكوس و هو قلب الكافر والمنافق الذي لا يصل إليه نور الإيمان ,كما قال تعالي عن اليهود ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ {88} (البقرة)، فهي التي ضرب الله عليها الأكنة و الران جزاء إعراضهم عن الحق ، قال تعالى ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً{45} وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً{46}﴾ (الإسراء) ، وقال تعالى ﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{88} ﴾ (النساء) ، أي نكسهم و ردهم إلى الباطل الذي كانوا فيه بسبب نفاقهم و هذا هو أشر القلوب وأخبثها فهو إنسان عرف ثم أنكر ، وأبصر ثم عمي , فهو يعتقد الباطل حقاً و يوالي أصحابه , و الحق باطلاً و يعادي أهله ، وفسقة المسلمين هم من أصحاب القلوب المنكوسة والتي طبع عليها وضرب عليها الران جزاء إعراضهم عن الحق والعياذ بالله. والقلب الأغلف المنكوس ، هو قلب قاس جاف , لا حياة فيه , لأنه لا يعرف ربه , ولا يعبده ولا يأتمر بأمره ولا يؤثر مرضاته . فواقف على شهواته وملذاته , ولو كان فيها سخط ربه , وهو قلب لا يهم صاحبه الا الفوز بشهوته وحظه , رضي بذلك ربه أم سخط , فهو إن أحب أحب لهواه وإن منع منع لهواه .وهو قلب الهوى أمامه, والشهوة مبتغاه , والجهل سائقه , والغفلة مركبة . وهو في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور وبسكرة الهوى وحب الدنيا مخمور ، ينادى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد فهو لا يسمع لناصح ولا يستجيب لداع ٍ , ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير .وهذا القلب هو قلب المنافق والكافر وفسقة المسلمين الذين يصرون علي المعاصي و الكبائر ولا يتوبون ويرجعون إلى الله ويموتون مصرين عليها ، والمنافق هو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام وقد تجد فيه قشرة من الدين سطحية . فهم في الدرك الأسفل من النار ، وآيات المنافق كما أخبر عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي ثلاث ” إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ومن كانت فيه واحدة ففيه خصلة من خصال النفاق حتى يدعها ” .وصاحب هذا القلب خبيث الروح , لأن الروح الخبيثة تسكن الجسد الخبيث والقلب الخبيث ، وصاحب هذا القلب أيضا صاحب النفس الأمارة{ وأمارة هي صيغة مبالغة} فهي لا تأمر إلا بكل سوء ولا تنهى إلا عن كل خير, فالمنطق عنده معكوس يرى الحق باطلاً ويعادى أهله والباطل حقاً ويوالي أهله فهو لا يقبل الحق ولا ينقاد إليه والعياذ بالله. ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء