خطبة عن حديث (طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ
أغسطس 22, 2017خطبة عن ( إياك وخبيئة السوء )
أغسطس 22, 2017الخطبة الأولى ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور (54)
إخوة الإسلام
ما أجمل أن يتأمل المؤمن القرآن، وما أعظم أن نتدبره ونتدارسه في مجالسنا وخطبنا وبيوتنا ودور تعليمنا وإعلامنا
هذا القرآن الذي جعله الله سبحانه وتعالى : ﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]، هذا القرآن الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : 42]، هذا القرآن الذي هو الصراط المستقيم، وحبل الله المتين، وشفاء الأرواح والأبدان، فما أجمل أن نقف عنده ليقع على القلوب والصدور كالثلج والماء البارد، ويزيدنا إيماناً، ويثبت قلوبنا، ويربطنا بالله العزيز الحكيم الرحيم، فالقرآن يضيء لنا الطريق، ويدلنا على طريق النجاة، ويوصلنا إلى النصر والمجد والسيادة والسعادة كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9] . ولقاؤنا اليوم إن شاء الله مع قوله تعالى 🙁 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور (54) ، فطاعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم طاعة لله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى : ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ [النساء: 80]، وكذلك من يعص الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله تبارك وتعالى ؛ قال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (14) النساء ، كما جاء في سنن الترمذي وغيره بسند حسن : (عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّى وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ». فعلينا بطاعة الرَّسول الكريم -عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم- وذلك أخذٌا منَّا بأعظم أسباب الهداية، ويدخل في هذه الطَّاعة التزام العقائد التي جاء بها في رسالتِه، وتضمَّنَها القرآن وتضمَّنَتها السُنَّة، وتصديق الأخبار كلِّها ما يتعلَّق بالماضي والحاضر وما يأتي في المستقبل؛ ما يتعلَّق بالماضي من قَصَصِ الأنبياء عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ،نطيعُه صلى الله عليه وسلم في السَرَّاء وفي الضَرَّاء وفي المنشط وفي المكره وليس واللهِ لنا أيُّ خيار في أن نأخذ أو نترك؛ قال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾[الأحزاب : 36] ، فلسنا مختارين ،بل علينا أن نطيع هذا الرَّسُولَ الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ، فطاعته فَرْضٌ وحَتمٌ من الله تبارك وتعالى الذي خلقنا لعبادته، وأكرمنا سبحانه بإرسال الرُّسل، وإنزال الكتب ،ومن أكمل هذه الكتب الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو صلى الله عليه وسلم أَكملُ الرُّسُل؛ فليس لنا أي عذر في التَخَلُّف عن طاعته، فاختيار غير طاعته صلى الله عليه وسلم اختيار للشَّقاء، واختيار للضَّلاَل، واختيار للمصير إلى النَّار. وإيثار طاعته، والاستسلام لأوامره ونواهيه، والانقياد لتوجيهاته هي طريق الهداية إلى كلِّ خير وتخليصنا من كلِّ شر. قال تعالى : ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ النور 54 ، فهذا إنذار، نعم إنذار للَّذين يُعرضون ويَتَوَلَّون عن طاعتِه، عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم – فعليه البلاغ؛ وقد حُمِّلَ هذه الرِّسَالة العظيمة، وكُلِّفَ بتبليغها، وقال الله عز وجل له : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67] ،فقد بَلَّغَ صلى الله عليه وسلم البَلاَغَ الكامل المبين عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ، وما قَصَّر في حرف أوحاه الله إليه، ولا في أمر أمره الله بتبليغه -عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم- وقد أَشهَد على هذا التبليغ في أكبر تجمع في آخر حياته عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم : ففي سنن أبي داود وغيره ، قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». نعم : فقد بَلَّغَ الرِّسالة وأدَّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، وما على الرَّسول إلاَّ البلاغ المبين، وأنتم تتحمَّلون المسؤولية إن قصَّرتم . فالرَّسول عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم أدَّى واجبَه وبلَّغ رسالتَه عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ،وأنتم تتحمَّلون مسؤولية التقاعس عن طاعته ،واتِّباع ما جاء به عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم
أيها المسلمون
وأخبر تعالى أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم سبب للهداية ، قال تعالى {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الاعراف 158.
وفي قوله تعالى : {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } قال الطبري : يقول تعالى ذكره ،وإن تطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يأمركم وينهاكم ترشدوا وتصيبوا الحق في أموركم. ، وقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} شرط ووعد، وعد من الله عز وجل أننا إذا أطعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتدينا . وبين سبحانه أن في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم الحياة الحقيقية ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) الانفال 24. وأخبر سبحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة والقدوة، فقال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } الاحزاب 21 ، وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله . وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويُوَّفق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يُحثه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم .
أيها المسلمون
وإنما أوجب الله اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أحرص الأمة على الأمة فقال تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } الاحزاب 6 . قال ابن كثير رحمه الله : ( قد علم الله شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم ، فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم . وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ : ” يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ) “. وقال الجُنَيْد رحمه الله : الطرقُ كلُّها مسدودةٌ على الخَلْق إلا من اقتفى أَثَر الرَّسول صلى الله عليه وسلَّم، واتَّبع سُنّتَه، ولَزِم طريقتَه؛ فإن طُرُق الخيراتِ كلّها مفتوحةٌ عليه . وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به تكون في حياته وبعد وفاته ، فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته تعني طاعته في كل ما يأمر به حتى في أمور الدنيا ، وكان الصحابة يمتثلون أوامره صلى الله عليه وسلم أشد الامتثال ، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإن طاعته تعني اتباع سنته والاقتداء بهديه واقتفاء أثره ، لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته ، ولا بصحابته دون غيرهم ، وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى وجوب اتباع سنته بعد وفاته في أحاديث كثيرة منها: ما رواه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي “. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع : ” إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروا ، إني قد تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً : كتاب الله وسنة نبيه”. أخرجه الحاكم .
وروى الترمذي وغيره بسند صحيح (عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ :« أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » ، وعن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ :”أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ “، وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ :” أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ” ؟، فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثُمَّ قَال :”أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ” ؟، قَالَ : فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا، وَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ ؟ “، قَالَ :” عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا “، وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً :” وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا” ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ ) .رواه مسلم . وعن ميمون بن مهران عند قوله تعالى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } قال : ما دام حياً فإذا قبض فإلى سنته ..
أيها المسلمون
ومن أجل هذا عني الصحابة رضوان الله عليهم بتبليغ السنة لأنها أمانة الرسول عندهم إلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم . فالسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وهي الترجمان والشارح للفرائض والأحكام العامة الواردة في كتاب الله تعالى. وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه المواقف : ـــ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث جيشاً لحرب الروم قبل أن يموت بأيام قليلة، ثم مات صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب وخاف الناس على المدينة، بل تخوفوا على الإسلام، وفي هذا الجو المشحون بالفتن والردة والخوف على المدينة ، أصر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يلتفت رضي الله عنه إلى المرتدين وما يشكلونهم من خطر، لأن الذي أنفذ جيش أسامة هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت الناس تخاطب الصديق رضي الله عنه وتقول له: دع الجيش في المدينة حتى يقوم بحمايتها، فرد عليهم قائلاً: لو تخطفتنا الطير وأكلتنا السباع حول المدينة، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللت لواءً عقده .
أيها المسلمون
ولطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فوائد وثمرات جمة ، فمن ثمرات طاعة النبي صلى الله عليه وسلم :
ـــ النجاة من الفتن ، قال صلى الله عليه وسلم:” فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » رواه الترمذي وغيره . ــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم : أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم تورث محبة الله للعبد ، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} آل عمران 31.
وقال السعدي رحمه الله : وعلامة الصدق : إتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محباً لله تعالى؛ لأن محبته لله توجب له إتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من إتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص ،ومن أحبه الله أحبه أهل السماء للعبد، ووضع القبول له في الأرض. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: : “إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ “. رواه البخاري .
فكم من إنسان يدعي محبة الله وهو يخالف كتاب الله ويرتكب ما يبغضه النبي صلى الله عليه وسلم ويبغض فاعله.
تعصي النبي وأنت تزعم حبه ***هذا لعمرك في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ***إن المحب لمن يحب مطيع
ـــ ومن ثمار طاعة النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة . قال تعالى { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} النساء 13، وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً . فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا ، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ . فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ) أخرجه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى”. رواه البخاري. ـــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم :أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم سبب في مغفرة الذنب. قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } آل عمران 31. ــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم :أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم سبب في رحمة الله للعبد ، قال تعالى{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} آل عمران 132، وقال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ } الاعراف 156 ، 157. ـــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم : طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أنها أحد شرطي قبول العمل : فكل عمل يُتقرَّب به العبد إلى الله لا يكون مقبولاً عند الله إلاَّ إذا توفَّر فيه شرطان : أحدهما : تجريد الإخلاص لله وحده، وهو مقتضى شهادة أن لا إله إلاَّ الله. والثاني : تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى شهادة أنَّ محمداً رسول الله. قال ابن تيمية رحمه الله : وَجِمَاعُ الدِّينِ أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نَعْبُدُهُ إلَّا بِمَا شَرَعَ وَلَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ ،وقَالَ الفضيل بْنُ عِيَاضٍ : أَخْلَصَهُ وَأَصْوَبَهُ قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ . قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ . وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ . حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا وَالْخَالِصُ : أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .
ـــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم : أن من أطاع النبي صلى الله عليه وسلم ، ابيضَّ وجهه يوم الحشر . قال ابن عباس رضي الله عنه عند قوله تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } .فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة . ـــ ومن ثمرات طاعن الرسول صلى الله عليه وسلم : أن من أطاع النبي صلى الله عليه وسلم نطق بالحكمة : قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ : مَنْ أَمَرَّ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ وَمَنْ أَمَرَّ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وليعلم المسلمون أن من أعرض عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عوقب في الدنيا والأخرة ، فأما عن عقوبة المعرض عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعرض عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم عوقب في الدنيا ، وفي قصة الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” كل بيمينك ” قال : لا أستطيع .قال له المصطفى عليه الصلاة والسلام :”لا استطعت” ، ما منعه إلاّ الكبر ، قال : فما رفعها إلى فيه ) . رواه الطبراني في المعجم الكبير . ـــ والمعرض عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أبتر منقطع عن كل خير . قيل لأبي بكر بن عياش رحمه الله : إنّ بالمسجد قومًا يجلسون ويجلس إليهم، فقال: من جلس للناس جلس الناس إليه، ولكن أهل السنة يموتون ويحيى ذكرهم وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأنّ أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيب من قوله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }، وأهل البدعة شنأوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيب من قوله {إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} . ـــ ومخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وتبديل سنته ضلال وبدعة متوعد من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب قال تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النور 63،
قال ابن كثير : وقوله { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته, فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قُبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ » ، وقال الله سبحانه وتعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء 115 ، فمن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، فصار في شق, والشرع في شق, وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ، فله من الله العذاب . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ. فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا ». ـــ ومخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ومعصيته سبب الذلة والصغار. قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري( وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى ». ومخالفة الرسول على قسمين : أحدهما: مخالفة من لا يعتقد طاعة أمره كمخالفة الكفار ، وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول ، فهم تحت الذلة والصغار . الثاني : من اعتقد طاعته ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار ، وقال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ،وكان الإمام أحمد يدعو: (اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية) . ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبــك للدنيا هو الذل والسقــم
أما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ من غير عمد ، مع الاجتهاد على متابعته ، فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمة من علمائها وصلحائها ، ولا إثم فيه ، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده ،وخطؤه موضوع عنه .
أيها المسلمون
ومن المخافة الموجبة للكفر : الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بشيء من سنته قال الله عز وجل { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } التوبة 65 ، 66. فالبعض قد تطاول على مقام النبوة باسم حرية الرأي . وباسم حرية الرأي ينالون من الذات المقدسة ، وباسم حرية الرأي يسخرون من خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، وباسم حرية الرأي يهاجمون الخير والطهر والعفة والصلاح في المجتمع وباسم حرية الرأي ينالون من العلماء والدعاة ويسخرون منهم بأنهم يحملون مفاتيح الجنة يدخلون من يشاؤون ويخرجون منها من يشاؤون وباسم حرية الرأي يشوهون حلقات تحفيظ القرآن ومكاتب توعية الجاليات والجمعيات الخيرية والمخيمات الصيفية ، وكأن ثمة مخطط مدروس يتبادلون فيه الأدوار ويتناوبون على مهاجمة ثغور الإسلام والملة .
أيها المسلمون
أما وقد بَلَّغَ الرسول صلى الله عليه وسلم الرِّسالة وأدَّى الأمانة، فنبقى نحن تحت طائلة المسؤولية إن لم ننهض بهذه الرِّسالة إيمانًا بأخبارها وتصديقًا بهذه الأخبار والتزامًا للتشريعات من أوامر ونواه في كلِّ شؤون الحياة، نعم نحن حُمِّلْنَا هذا؛ حُمِّلْنَا النُّهوض بهذه الرِّسالة، والقيام بأعبائها في نفوسنا، وفي أُسَرِنا، وفي الأُمَّة كلِّها؛ دعوةً، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وجهادًا في سبيل الله ،هذه كلُّها مسؤوليات هذه الأُمَّة التي هي خير أمة أخرجت للناس .
والنبي صلى الله عليه وسلم أدَّى لهذه الأمَّة رسالتها عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ،وبلَّغ البلاغ المبين البيِّن الواضح؛ إذ لا نحتاج إلى شيء إلاَّ وقد بيَّـنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أكمل الوجوه صَلَوَاتُ الله وَسَلاَمُهُ عَلَيْه وفي صحيح مسلم « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) ، فما من خيرٍ تستفيده هذه الأُمَّـة وتنتفع به إلاَّ وقد دلّهم عليه في الدُّنيا والدِّين، وما من شَرٍّ يضرُّهم في دينهم ودنياهم إلاَّ وقد أنذرهم إيَّاه وحذَّرهم منه عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ،
الدعاء