خطبة عن (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) مختصرة 2
نوفمبر 6, 2025الخطبة الأولى (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) مختصرة 1
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (21) يوسف.
إخوة الإسلام
قوله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فهذه الآية نزلت كما سمعتم في سياق قصة نبي الله يوسف (عليه السلام)، فرغم أن يوسف لم يقصص رؤياه على إخوته، حتى لا يكيدوا له كيدا، ومع ذلك، فقد وقع منهم ما وقع، لأن الله تعالى {غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، فلم يغنِ حذر من قدر، ووقع ما كان يحذر يعقوب -عليه السلام، وحدث ليوسف ما حدث، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (21) يوسف.،
وإخوة يوسف أرادوا بفعلتهم أن يخلو لهم وجه أبيهم، وأن ينفردوا بمحبته، وأن ينزعوا حب يوسف من قلبه، ولكن: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، فظل يعقوب يحبه، ويرجف قلبه بمحبته، حتى بعد فقد أخيه، قال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:84]، حقا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأملوا معي: كيف أراد إخوة يوسف أن يجعلوه في قاع الجب، فرفعه الله إلى قمة المُلك، وقال المَلِك له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54] لأنه سبحانه: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأملوا معي: كيف أرادوا بيعه بيع العبيد، فاشتراه من مصر عزيزها، ليحيا فيها حياة الملوك، وأبناء الملوك، بل ملكها هو بعد ذلك، وأرادوا بذلك إهانته، فقال الذي اشتراه من مصر لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف:21]؛ وذلك لتعلم أن: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}،
وتأمل كيف قالوا: {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:9]، أي تائبين، فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب، وأصروا عليه، حتى أقروا به بين يدي يوسف -عليه السلام- بعد سنين، وقالوا لأبيهم: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:97].
وتأمل معي: كيف كادت به امرأة العزيز، وغلقت الأبواب، وطلبته وقت غيبة العزيز؛ ليبعد ذلك عن علمه، وعلم الناس، ولكن: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، فكشف الله الأمر، وهتك الستر: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25]، وشاع الأمر حتى {قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ } [يوسف:30]؛ وذلك لتعلم: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأمل كيف ابتدرته بالكلام بين يدي العزيز؛ لتغلبه (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) يوسف: 25، فأظهر الله براءته، بشهادة شاهد من أهلها، حتى استقر الحق في نفس العزيز، فقال لها: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29]، وما ذلك إلا لأنه سبحانه :{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأمل كيف كادت به والنسوة، فأرادت إدخال الوحشة عليه بالسجن؛ فآنس الله وحشته بذكره لربه، وإحسانه للخلق: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.. وقالت: {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} فغلب أمر الله، وقال له المَلِك: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54]، فأرادت إذلاله -عليه السلام؛ فأعزه الله، بل وجعل أقوات الخلق بين يديه {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} (21) يوسف..
وتأمل كيف دبر يوسف أن يخرج من السجن، فطلب من ساقي الخمر أن يذكر شأنه للمَلِك، فأنسى الشيطانُ الساقي ذكر قصة يوسف للملك؛ فمكث في السجن بضع سنين، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وتأملوا معي كيف دبر يوسف شأن نفسه ليخرج من السجن، ولكن الله أراد ألا يكون لأحد عليه منة، وأن يعلي قدره جزاء إحسانه؛ فأرى اللهُ الملكَ الرؤيا ليخرج يوسف مطلوبًا لا طالبًا، مرغوبًا لا راغبًا، ويقول الملك: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف:54]، حقا {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأملوا كيف أراد يعقوب حفظ أولاده أن يصيبهم أذى فقال: {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف :67]، وقد فعلوا، ولكن غلب أمر الله ففقدوا واحدًا منهم {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأملوا كيف كان تدبير الله ليوسف، أن ينقله من كنف بيت النبوة، إلى بلاط الملك والسياسة؛ ليكون هذا هو محل دعوته، ومكان عمله {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (21) يوسف..
وتأملوا حفظ الله لأهل مصر، وكيف أخرج لهم من الشام يوسف؛ ليدبر لهم شأنهم في السنين العجاف؛ ولتبقى مصر سلة الغلال، وخزانة الدنيا، تأتيها الناس لتطلب ميرتها منها، وما ذلك إلا بتدبير الله لها {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف..
وتأمل كيف كان قدر الله لبني يعقوب -بني إسرائيل- أن يأتوا إلى مصر ليستوطنوها، لتبدأ دورة أخرى في حياة البشر، ليأتي بعد ذلك فرعون فيستعبدهم، ثم يبعث الله موسى -عليه السلام؛ ليستنقذهم، حقا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (21) يوسف. وللموضوع بقية نستكملها في لقاء قادم إن شاء الله تعالى،
الدعاء
