خطبة حول ( أمنيات المسلم واهتماماته )
أكتوبر 10, 2023خطبة عن (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ)
أكتوبر 10, 2023الخطبة الأولى (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (8)، (9) الصف، وقال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (32) ، (33) التوبة
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع هذه الآيات المباركات من كتاب الله العزيز، نتلوها ونتدبرها، ونرتشف من نبعها الصافي، ورحيقها المختوم، وقد جاء في (التفسير الميسر) أن المعنى: يُريد الظالمون أن يبطلوا الحق الذي بُعِثَ به محمد صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن- بأقوالهم الكاذبة، والله مظهر الحق، بإتمام دينه، ولو كره الجاحدون المكذِّبون.
وقد ذكر الله تعالى سبب ظهور هذا الدين وانتصاره الحسي والمعنوي، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} أي: بالعلم النافع، والعمل الصالح. فبالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة. {وَدِينِ الْحَقِّ} أي: الدين الذي يدان به، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق، لا نقص فيه، ولا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح، وراحة الأبدان، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد، فما بُعث به النبيُ صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، أكبر دليل وبرهان على صدقه، وهو برهان باق ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا وتبصرا. {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، كما في سنن أبي داود: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».
أيها المسلمون
فديدن أعداء الإسلام منذ أن خلق الله آدم محاربة الحق وأهله، ومحاولة إطفاء هذا النور الذي يبدد ظلمات كفرهم وباطلهم, فيشيعون من المقالات والمقولات ما يحاولون به تشويه الشرائع، وتشتيت الأذهان, والله من ورائهم محيط, وهو سبحانه متم نوره, فلا يقبل تلك الأقوال إلا أصحاب القلوب الفاسدة، والعقول الضعيفة, أما أهل البصائر فلا يزيدهم كفر الكفار إلا بصيرة وثباتاً على الحق، ومعرفة بما عليه أهل الباطل من بهتان، والله تعالى متم نوره، وناصر دينه, حتى لو خذل أهل الدين دينهم، واكتفوا بمجرد الانتساب دون النصرة، فالله ينصر الشرائع، ويظهر الحق ويعليه، ولا ينصر من خذلوه، حتى يطبقوه، وينصروه، ويرفعوا رايته.
فأعداء الإسلام اتفقوا على هدف واحد، وهو القضاء على هذا الدين، ووقف انتشاره، ولهم في ذلك وسائل شتى، فمن الحروب العسكرية، الى الضغوط السياسية، وكذلك الحروب الفكرية، وتشوية مبادئ الإسلام ورموزه، والتركيز في الهجوم والسخرية على الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وبالرغم من بعض النجاحات التي حققها الأعداء على مدى التاريخ في حروبهم العسكرية ضد المسلمين، إلا أن النتيجة النهائية (وهي القضاء على الإسلام) لم تتحقق قط، فالله تعالى يُبشّر عباده المؤمنين بأنَّ نوره سوف يخرج، وأنَّ دينه سوف يظهر، ولو كره الكافرون، ولو جدّ أعداء الله في إطفاء ذلك النور، فإنَّ الله سوف يُظهره ويُبرزه ويعممه، رغم أنوف الكافرين الضَّالين؛ وفي مسند أحمد: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ». وفيه أيضا: (قَالَ صلى الله عليه وسلم « فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ». قَالَ قُلْتُ ِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ. قَالَ « نَعَمْ كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ». قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا قَالَ « إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيَبْقَى مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ».
ويظهر إعجاز القرآن الكريم، عندما أخبرنا عن أمور غيبية نشهدها اليوم، بعد مرور أربعة عشر قرناً من البعثة النبوية، ففي مسند أحمد: (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ « أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ». وفي سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ »،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إنه لعجيب أمر هذا الدين الاسلامي، فهو محفوظٌ بحفظِ اللهِ -تعالى- له، فمعَ الضَعْفِ الذي يعيشُ فيه المسلمونَ اليوم، إلا أنه لا يزالُ الناسُ يدخلونَ فيه أفواجاً؛ الغنيُ منهم والفقيرُ، والصغيرُ والكبيرُ، والرجالُ والنساءُ، والأصدقاءُ والأعداءُ. فمن يظن أنه باستطاعته محاصرة دعوة الله، أو محاولة القضاء عليها؛ فهو واهم عاجز. ومن لا يعتبر بسنن الله في الدعوات، وسننه في هلاك الطغاة والمجرمين؛ فهو خائب خاسر، ومثل من يحاول محاصرة دعوة الله، ومنعها من أن تصل للناس، كمثل البائس الفقير الذي يُريد أن يحجب ضوء الشمس عن الناس، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون) (8) الصف، إنها دعوة الحق سبحانه، ونور الله جل في عُلاه، يحفظها بقدرته، ومُتمُّ نورها بحكمته، ولو كره الكافرون المبغضون الحاقدون.
ولا بد أن توقن أخي المسلم، أنه رغم هذا الضعف الذي تراه، فإن فجر الإسلام قادم بإذن الله، وما يجرى حولنا من تدافع وتمايز يؤكد هذه الحقيقة القرآنية، والبشارة النبوية، ومن ضعف يقينه بهذه الحقيقة فليراجع نفسه، ويُجدد إيمانه. قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ (51) [غافر]، وقال ﷺ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزٌّ يُعِزُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الإِسْلامَ، أَوْ ذُلٌّ يُذِلُّ بِهِ الْكُفْرَ». فأبشروا وأملوا، واثبتوا وابذلوا، وانتظروا وعد الله الحق، (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) الكهف (98). وفي مسند أحمد: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ». ثُمَّ سَكَتَ)
فإلى كل من يدين بدين الإسلام، وترخص روحه لنصرة نبي الرحمة والعدالة والسلام. انصروا حبيبكم وقرة أعينكم، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، من خلال اتباع سنته الشريفة، والتخلق بأخلاقه العظيمة، والعمل بمضمون آيات القرآن الكريمة.
الدعاء