خطبة عن (ماذا يعني أنني مسلم؟ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟)
ديسمبر 14, 2016خطبة عن ( التمحيص طريق التمكين )
ديسمبر 14, 2016الخطبة الأولى ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قَالَ اللهُ تَعَالَى :(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17- 18]، وَقَالَ تعالى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 64].
إخوة الإسلام
قيام الليل هو دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات. وقيام الليل مِنْ أَحَبِّ النَّوَافِلِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” (مُتَّفَقُ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
وإِنَّ الْبَيْتَ الْمُوَفَّقَ هُوَ الذِي يَعْتَادُ أَهْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْه، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَيَّا رَكْعَتَيْنِ جِمِيعاً كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ” (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ). وَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي حُسْنِ الْقِيَامِ وَطُولِه، مَعَ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، فَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!. قال: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: “يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي” قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَه، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ: “أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]” (رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ). وعَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- قَالَ: “كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! وَكُنْتُ غُلامًا شَابًّا وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ! وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ! فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ النَّارِ!! قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ! فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: “نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ” قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلا”. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
وإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا. وإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فَمَنْ بَعْدَهُمْ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَخَاصَّةً قِيَامَ اللَّيْلِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلَباً لِعَظِيمِ الأَجْرِ. فَهَذَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُجْمِلُ وَصْفَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فِي ذَلِكَ، فَعَنْ أَبِي أَرَاكَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: “صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قِيدَ رُمْحٍ، قَالَ، وَحَائِطُ الْمَسْجِدِ أَقْصَرُ مِمَّا هُوَ الآنُ، قَالَ: ثُمَّ قَلَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ صُفْرًا غُبْرًا بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ أَمْثَالُ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا سُجَّدًا وَقِيَامًا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ رِيحٍ، وَهَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ ثِيَابَهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ!”. وَأَمَّا هُوَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فَقَدْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَ هَجْعَةِ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَوْمٌ بِالنَّهَارِ وَسَهَرٌ بِاللَّيْلِ وَتَعَبٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ!! فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- مِنْ صَلاتِهِ قَالَ: “سَفَرُ الآخِرَةِ طَوِيلٌ فَيُحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ بِسَيْرِ اللَّيْلِ”. قال تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16- 17]. وإِنَّ عُثمَانَ بْنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْهُ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: “إِنْ تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ، يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ يَخْتِمُ فِي رَكْعَةٍ”. وَيَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أَحَدُ التَّابِعِينَ: “قُلْتُ لَيْلَةً: لِأَغْلِبَنَّ عَلَى الْحِجْرِ -يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ اللَّيْلَ فِيهِ- يَقُولُ: فَبَكَّرْتُ وَسَبَقْتُ إِلَيْهِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي فَإِذَا بِرَجُلٍ يَضُعُ يَدَهُ عَلَى ظَهْرِي، قَالَ: فإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- فِي أَيَّامِ خِلافَتِهِ، كَأَنَّهُ يُنَحِّيهِ قَلِيلاً، يَقُولُ: فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ، فَقَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، ثُمَّ ركَعَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا! فَخَتَمَ الْقُرْآنَ خَلَفْ الْمَقَامِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ”. وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ: الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الْعَابِدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَتَوَرَّمُ قَدَمَاهُ حَتَّى إِنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ تَبْكِي مِمَّا تَرَى مِنْ تَعَبِهِ وَمُعَانَاتِهِ! وأَمَّا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ فَيَقُولُ بَعْضُ جِيرَانِهِ: كَانَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَرَى مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ يُصَلِّي عَلَى سَطْحِهِ يَظُنُّهُ خَشْبَةً أَوْ عَامُوداً مِنْ طُولِ قِيَامِهِ، فَلَمَّا مَاتَ فُقِدَ، فَقَالَ هَذَا الصَّبِيُّ لِأَبِيهِ: أَيْنَ الْخَشَبَةُ التِي كَانَتْ فِي سَطْحِ جَارِنَا مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِر؟ قَالَ: “يَا بَنِيَّ ذَاكَ مَنْصُورٌ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ”. وَهَذَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ جَبَلُ الْحِفْظِ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، مَا رَكَعَ قَطُّ حَتَّى ظَنَّ النَّاظِرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ، وَلا قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا ظَنَّ النَّاظِرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ! وَيَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَأَى قِيَامَهُ كَانَ يَقُومُ يُصَلِّي حَتَّى تَتَوَرَّمُ أَقْدَامُهُ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم
الخطبة الثانية ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فقيام الليل سُنة مؤكدة , تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه , والتوجيه إليه , والترغيب فيه, ببيان عظيم شأنه ، وجزالة الثواب عليه . وقيام الليل له شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال ,قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) المزمل/1-6. ومدح الله تعالى أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/15-17. ووصفهم في موضع آخر بقوله : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . . . إلى أن قال : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) الفرقان/64-75. وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى ، وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك . وقد وصف الله تعالى المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات – منها قيام الليل – , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) الذاريات/15-17. وقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه في أحاديث كثيرة ، فمن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم ،وقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ ) . رواه الترمذي وحسنه الألباني في إرواء الغليل : (فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ ) أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ . (وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . (وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ) أي يكفر السيئات . (وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) أَيْ ينهى عَنْ اِرْتِكَابِ الإِثْمِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت 45 . وعن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة فقال له : يا رسول الله ، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وصمت الشهر ، وقمت رمضان ، وآتيت الزكاة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء ) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة . وروى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي . وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . حسنه الألباني في صحيح الجامع . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ ) . رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود . (الْمُقَنْطِرِينَ) أي : هم الذين أعطوا قِنْطاراً من الأجر.
الدعاء