خطبة عن الصحابي: (أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ)
فبراير 17, 2018خطبة عن اسم الله ( الْخَبِيرُ )
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (47) الاحزاب ، وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (10) :(13) الصف، وقال الله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (112) التوبة
إخوة الاسلام
في الآيات السابقة يبشر الله عباده المؤمنين بالفضل الكبير، والفوز الكبير ، والنصر والتأييد ، والنعيم المقيم ، الذي لا يعلم قدره إلا الله، هذا بجانب الجزاء في الدنيا من النصر ، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدَّارَّة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه . وهذا البشريات هي مما ينشط الله بها عباده المؤمنين العاملين، فيذكرهم الله بثوابه على أعمالهم، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم، وهذا من جملة حكم الشرع، كما أن من حكمه، أن يذكر في مقام الترهيب، بالعقوبات المترتبة على ما يرهب منه، ليكون عونًا على الكف عما حرم اللّه. فإلى كل مؤمن صادق صابر ، وإلى كل مؤمنة صادقة مخلصة صابرة ، وإلى كل شيخ كبير مُسِنٍ ضعُف بصرة ،ووهنت قوته ،ورغم ذلك يصر على المشي إلى بيوت الله لصلاة الجماعة ، وعلى فعل الخير ، والمسابقة إلى الطاعات . وإلى كل شاب يدفعه عنفوان الشباب والشهوة إلى مخالفة أوامر الله ،ورغم ذلك ،فهو ثابت مستمسك بدينه ، وإلى كل فتاة مؤمنة صابرة ، ومستمسكة بدينها ، رغم الفتن ،ورغم الحرب الشرسة التي تتجدد كل حين من الزمن على الفتاة الملتزمة بدينها ، والمهتدية بهدى ربها ، وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم، وإلى كل مؤمن عامل ،يبتغي وجه الله ورضوانه والجنة ، وإلى كل الغرباء في زمن الغربة والبهتان ، قال الله تعالى 🙁 وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (47) الاحزاب فهذه البشريات يسوقها إليك ربك ومولاك ، ليجبر بها خاطرك ، ويطيب بها نفسك ، ويشحذ بها همتك ، ويقوي بها عزيمتك : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (47) الاحزاب ،ويبشرك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ » رواه مسلم . ويا كُل صابر مستمسك بدينه ، وقابض على الجمر في هذا الزمان ،لاتحل عزمك ، ولا يضعف صبرك ،إلى أن تنال البشرى التي بشرك الله بها في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (22): (24) الرعد
أيها المسلمون
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (47) الاحزاب،فالمعركة بيْن الحق والباطل قد قدَّر الله تعالى لها أن تمرّ بمراحل ، تضعف فيها قوة الحق الظاهرة، وينتفش فيها الباطل “فيما يبدو للناس” ، حتى يترك كثيرٌ مِن الناس طريقَ الحق إشفاقًا مِن الاستضعاف، والقلة والغربة؛ فتأتي هذه المبشرات مِن الكتاب والسُّنة؛ لتعالج مرض اليأس، وتجدد أنوار الرجاء في قلوب المؤمنين، حتى يستمروا في مسيرة الحق، فالمستقبل لهذا الدين أمر يقيني في الكتاب والسُّنة، ثم هو كذلك في قلوب المؤمنين. وفي وسط أمواج الفتن تتبدد ظلمات اليأس والقنوط بهذه المبشرات، فهي عقيدة راسخة لازمة لكل مؤمن ، كجزءٍ مِن إيمانه بالله، وبكتابه، وكجزءٍ مِن إيمانه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أخبر بهذه الحقيقة؛ فلا بد أن نؤمن بها، فهي وعد الله ،ولن يُخلف وعده وقد تكررت هذه البشريات في كتاب الله؛ لتستقر في نفس كل مؤمن ،حتى يوقن بآيات الله ،فيكون ذلك مِن أسباب النصر، وأسباب الإمامة في الدين، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24). فمن أيقن بآيات الله ،وصبر على ما أصابه في سبيل الله ،كان إمامًا في الدين؛ فبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- ورسله من قبْل ذلك- بتبشير المؤمنين، فقال الله تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس:87). وقال الله تعالى- لنبيه محمد-صلى الله عليه وسلم-: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الصف 13؛ والعقبات إذا كثُرت ،ربما ظن كثيرٌ مِن الناس ،أنها سوف تعرقل المسيرة ،أو سوف تمنع الوصول، وليس الأمر كذلك، بل إنما قدَّر الله -عز وجل- العقبات مِن أجل قلوب المؤمنين، ومِن أجل أن يستخرج أنواع العبودية التي يحبها الله -عز وجل- مِن عباده المؤمنين، وذلك أنه تعبدهم بالسراء والضراء، وبما يحبون وما يكرهون، وتعبدهم بأن يكونوا مستسلمين مطيعين له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقدّر الله أن يسلط مَن أراد مِن هؤلاء الكفرة على أناسٍ من المؤمنين ، فقتلوهم وآذوهم، وأخرجوهم مِن ديارهم، وصدوهم عن سبيله؛ ليستخرج مِن عبودية المؤمنين ما يحب مِن: التضحية في سبيل الدين والبذل في سبيل الله، والهجرة والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر والشكر، والرضا والتوكل، والتفويض وحسن الظن بالله في فترات الشدة وأوقات الظلام، وليوقن أهل الإيمان كذلك أن الله -عز وجل- هو الذي بيده المُلك، وهو الذي بيده الأمر كله، وإليه يُرجع الأمر كله، وأنه الذي يداول الأيام بيْن الناس، وأنه يحب أن يتخذ مِن عباده شهداء، ويحب أن يوجد مَن يطيعه في وسط الظلام، ويسبق إليه، ويحب أن يوجد مَن يعبده والناس معرضون، ويحب أن يوجد مَن يطيعه والناس عاصون، ويحب أن يوجد مَن يُؤذى في سبيله، ومَن يُخاف في سبيله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ) رواه أحمد والترمذي وقال الله تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال:26)، فلولا وجود ما في أول الآية ما كان الشكر في آخرها على الوجه الذي يحبه سبحانه .فمن كان مستضعفًا، ومَن كان قليلاً، ومَن كان يخاف أن يتخطفه الناس؛ يدرك قيمة الإيواء، وقيمة التأييد بنصر الله، وقيمة الرزق مِن الطيبات؛ قدَّر الله كل هذه العقبات لا لأجل أن تقف في طريق المسيرة، بل لأجل أن تستخرج أنواع العبودية، أما نهاية المطاف والصراع ،فهذه المعركة بيْن الإسلام والكفر عبْر التاريخ ، نهاية محتومة مقطوع بها، وعد الله بذلك وكتبها في اللوح المحفوظ ،الذي لا محو فيه ولا إثبات، وكتبها في الكتب المنزلة على رسله ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء:105-106).وقوله تعالى-: (فِي الزَّبُورِ): أي في جنس الكتب المنزلة المزبورة، أي المكتوبة التي أنزلها الله، وليس فقط زبور داود -عليه السلام-، بل في كل الكتب، وقد اختص الله بذلك أمة الإسلام؛ لأن وظيفتها ليست مقتصرة على أرض دون أرض، بل المستقبل لهذا الدين في أرجاء الأرض كلها؛ لذلك كتب الله أن الأرض -أي بأسرها- يرثها عباده الصالحون، فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ)، (الأنبياء:105-106). فالشرط أن يكونوا عابدين لله -سبحانه وتعالى-، وأن يكونوا مِن عباده الصالحين. وقال الله عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).
الدعاء