خطبة عن (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن حديث (وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) (27): (29) الأعراف، وقال تعالى: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (74) الشعراء، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (23) الزخرف
إخوة الإسلام
لقد حذر الإسلام من التعلق بالعادات الضالة، وندد بفعل أصحابها، وحذر من الوقوع في متاهاتها بعد نعمة الإسلام، ومن تلك العادات المذمومة التي ندد بها الإسلام، وحذر منها: تقليد الآباء والأجداد، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ}.
والمتأمل المتدبر لهذه الآيات المباركات من كتاب الله العزيز، ولقوله تعالى: (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)، وقوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا)، وقوله تعالى: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) يتبين له: أن الفاحشة إذا انتشرت في جيل، تطبعت في الجيل الذي جاء بعده، ففي الجيل الأول: (نزعوا اللباس، وتعروا) فقال الجيل الثاني: (وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا)، و(قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)، فأصبحت الفاحشة مألوفة لديهم، وتطبعت بها نفوسهم، ولم تتمعر منها وجوههم وقلوبهم، فاتباع العادات كان سبباً في مجانبة الحق؛ لأن أصحابها يقدمونها على السنة؛ يقول الإمام الشاطبي- رحمه الله-: من أسباب الخلاف.. التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت، أو كانت مخالفة للحق، وهو اتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم، فإن الله ذم ذلك في كتابه بقوله: {إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}. وقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} البقرة (72) (73). فنبههم على وجه الدليل الواضح، فاستمسكوا بمجرد التقليد.. فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} الشعراء(74).
وجاء في أسباب نزول قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) (27): (29) الأعراف، أن الْمُشْرِكُينَ كانوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، ويَقُولُونَ: نَطُوفُ كما ولدتنا أُمّهاتنا، ويقولون: لا نطوف بثيابٍ عصينا الله فيها. وَكَانَ هَذَا شَيْئًا قَدِ ابْتَدَعُوهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَاتَّبَعُوا فِيهِ آبَاءَهُمْ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِعْلَ آبَائِهِمْ مُسْتَنِدٌ إِلَى أَمْرٍ مِنَ اللَّهِ وَشَرْعٍ، فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، فَقَالَ تَعَالَى ردًّا عليهم: قُلْ أي: يَا مُحَمَّدُ لِمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) (27): (29) الأعراف، فهَذَا الَّذِي تَصْنَعُونَهُ فَاحِشَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، فالله تعالى لم يأمر بالفاحشة، ولكن أمر ربي (بالقسط وبِالْعَدْلِ وَبالِاسْتِقَامَةِ)،
أيها المسلمون
من الملاحظ أنه حينما يتكرر السلوك السيئ، أو الفعل الخاطئ لفترة طويلة، ينسى الجميع الهدف من وجوده، ويكتسب بمرور الأجيال رسوخاً وقدسية تصعب مواجهتهما، لذا كان ومن المفاهيم التي يكررها القران الكريم، ليلفت بذلك الانظار الى أنها ظاهرة سلبية مرفوضة: (الاتباع الأعمى والسلبي للآباء)، والتي كثيراً ما تتسم بالتعصب والتقليد الأعمى لهم، وهذا التقليد ينتج عنه آثار ضارة للأجيال المتعاقبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: أولا: فتصرفات الآباء غالبا ما تنعكس مباشرة على تصرفات الأولاد، فيصبح هناك إيمان داخلي، واعتقاد نفسي لدى الأولاد، بان ما يقوم به الآباء هو عين الصواب، بغض النظر عن سلامة أو خطأ تلك التصرفات، وهذا التأثير النفسي لا محالة سوف يترك بصماته على شخصية الأولاد، الذين من صغرهم يتأثرون بأفكار واعمال الآباء، ويحاولون أن يقتربوا منها، ويتبنوها ويعتبرونها هي الحقيقة بذاتها. ثانيا: اتباع الآباء من غير تعقل ولا تدبر، ومن دون وعي أو دراية، يعطل حركة العقل ، ويقف أمام سنة من سنن التاريخ. فقد قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (134) البقرة، فالمعروف هو أن الأبناء على دين آبائهم، وهذا ما جاء في الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ»، ثالثاً: أن ذم اتباع الآباء، هو رفض صارم لسلوك خاطئ، يمكن أن تتسع دائرته الى دائرة أوسع، ممتدة الى كل مرافق الحياة، وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الاسراء (36)، فالقرآن الكريم من خلال وقوفه بوجه التقليد الأعمى، انما يؤطر لبناء رصين لعقل المسلم، الذي حرم عليه التقليد في أصول الدين، لكي يؤمن بعقله قبل أن ينجر وراء العاطفة،
أيها المسلمون
فكم من هالك في الدنيا والآخرة، بسبب اتباع معتقد الآباء والأجداد، من غير تفكير، ولا تدبّر، ولا وعي، ولا فقه، وهذه هي العصبية التي ترفضها ملة إبراهيم – عليه السّلام – وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طاعة المخلوق في معصية الخالق، ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ عَلَيْهِ وَلاَ طَاعَةَ». وفي مسند أحمد: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ »، فطاعة الآباء وأُولي الأمر هي واجبة على المسلم، ولكنّها مقيّدة بهذا الشرط الذي جاء في هذا الحديث، والقرآن الكريم بيّن لنا أن أقواماً قد خسروا الآخرة؛ لأنهم أصرّوا على اتباع آباءهم الذين لا يفقهون ولا يعلمون ولا يهتدون، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} المائدة:104، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} الزخرف:23،
فهؤلاء الكفار المعاندون كانوا إذا دُعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرَّمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد، قال الله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا} أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم والحالة هذه؟! لا يتَّبعهم إلَّا مَن هو أجهل منهم، وأضلُّ سبيلًا.
كما أخبر الله سبحانه عن قوم موسى عليه السلام حين دعاهم إلى الله تعالى وترك الشرك، فكان جوابهم: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} (يونس: 78). فجعلوا أقوال وأفعال آبائهم الضَّالين حُجَّةً، يردُّون بها الحقَّ الذي جاءهم به موسى عليه السَّلام.
أما قوم إبراهيم عليه السلام فإنهم برروا عبادتهم للأصنام بقولهم: {وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} (الأنبياء: 53). و{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (الشُّعراء: 74). قال ابن كثير: (لم يكن لهم حُجَّة سوى صنيع آبائهم الضُّلَّال). وقال: (يعني: اعترفوا بأنَّ أصنامهم لا تفعل شيئًا مِن ذلك، وإنَّما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يُهرَعون). فهذا التقليد الأعمى الذي لا يقوم على دليل، هو واحد من أعظم موانع الإيمان، كما قال الله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة:170) . يقول العلامة السعدي رحمه الله- في تفسيره: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا).
أيها المسلمون
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من التقليد الأعمى، ويخاف عليهم عاقبة تقليد الأمم التي حادت عن نهج الأنبياء والمرسلين، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ «فَمَنْ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ونظرا لخطورة التقليد بغير دليل ولا بصيرة فقد كان العلماء يحذرون منه، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر ؛ وإن كنتم لابدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة). وقال رضي الله عنه: (ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ). وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين). وقال ابن القيم رحمه الله: (وكانوا يُسَمُّون- أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة ..وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح). وهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: (إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتركوا قولي). وكان الإمام مالك رحمه الله يقول: (ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم). ويقول: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه). أما الإمام الشافعي رحمه الله فمن أقواله: (أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد). ويقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي). وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول: (من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة).
فينبغي علينا أن نحذر الوقوع في هذه الآفة التي انتشرت في الأمة؛ فأصبحت الأمة تابعة ومنقادة لغيرها، مقلدة لأمم الشرق والغرب في كثير من أمورها، حتى أصبح الدين غريبا، والمتمسكون به غرباء. كما ينبغي الاهتمام بالعلم الشرعي القائم على الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون أمام أعيننا قول ربنا تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (108) (يوسف).
الدعاء