خطبة ( من أخلاق المؤمنين : العفو والتوبة والاستغفار من الفواحش)

                    الخطبة  الأولى  ( من أخلاق المؤمنين : العفو والتوبة والاستغفار من الفواحش)

    الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين

                                                 أما بعد    أيها المسلمون 

 قال الله تعالى : (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( 134 ) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 135 ) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) .  سورة آل عمران الآيات 133- 136

إخوة الإسلام 

القرآن الكريم يدعونا إلى العفو ، قال تعالى ”  وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى  ” البقرة 237، ويقول سبحانه  : ” وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  ”  التغابن 14، هذا مع المسلمين . وكذلك مع غير المسلمين فإن العفو عنهم رفع لمقام المؤمن ، وزيادة في عقاب الكافر ، قال تعالى”  قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  ” الجاثية 14 ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » . بل إن الإنسان إذا تحمّل أذى الآخرين نال ثواباً عظيماً يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم  كما في الادب المفرد وسنن البيهقي :(عَنِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ». فإذا نجح المسلم في الدرجة الثانية جازها إلى الدرجة الأخيرة الراقية الإحسان الذي يحبه الله تعالى ويحب أهله ” والله يحب المحسنين ” ودرجة الإحسان أنك تعبد الله ” كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” فأنت على هذا في المعية الإلهية  ، وعن أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” من سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات فليعف عن من ظلمه ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه ” . وكظم الغيظ والعفو عن الناس هاتان الصفتان إنما تكونان محمودتين عندما تكون الإساءة متعلقة بذات الإنسان ، أما إذا كانت الإساءة متعلقة بالدين بأن انتهك إنسان حرمة من حرمات الله ففي هذه الحالة يجب الغضب من أجل حرمات الله ، ولا يصح العفو عمن انتهك هذه الحرمة . فلقد وصفت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء . ففي البخاري (وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ ) ، وقوله  تعالى في ختام الآية { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.  } فهذا تذييل مقرر لمضمون ما قبله .أي والله – تعالى – يحب هؤلاء المحسنين الذين من صفاتهم أنهم ينفقون أموالهم في كل حال من أحوالهم ، ويكظمون غيظهم ، ويعفون عمن ظلمهم

أيها المسلمون

ومن صفات المتقين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، فهم (إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، فلهذا قال: ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) . فالإنسان خطّاء كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وخطّاء تعني كثير الأخطاء والذنوب. لكن التائب بصدق يتوب الله تعالى عليه ، وهؤلاء في هذا الصنف دون الصنف الأول ، فألحقهم الله بهم منّاً منه وكرماً ، وهؤلاء هم التوّابون . الذين يقعون في الفاحشة ، ثم يستدركون ويتوبون إلى الله تعالى ، فيتوب عليهم ويغفر لهم ، أما ظلم النفس هنا فالخطأ دون الكبائر .. هؤلاء يذكرون الله تعالى ويعلمون أنهم أغضبوه فيسارعون للاستغفار والتوبة والأوبة إليه سبحانه فهو وحده الذي يقبل توبتهم، ويقيل عثرتهم ، فإذا كان الله وحده من يغفر الذنوب فاللجوء إليه وحده الطريق الصحيح للتخلص من الذنوب والآثام . والتوبة لها شروط ثلاث كما ذكر العلماء اعتماداً على هذه الآية الكريمة أن : 1- يقلع الإنسان عن المعصية . 2- وأن يندم على فعلها  3- وأن يعزم أن لا يعود إليها . فإذا كانت المعصية بحق غير الله زيد شرط رابع 4- أن يعيد الحق لصاحبه وأن يستسمح منه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  كما في سنن الترمذي « مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّى ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ  (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ).  ومن علم أنه واقف يوماً أمام الله تعالى – ”  وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” – خاف ورجا، ورغب ورهب ، فأسرع تائباً إلى الله عز وجل .

                                                     أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                    الخطبة  الثانية  ( من أخلاق المؤمنين : العفو والتوبة والاستغفار من الفواحش)

الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين

                                                 أما بعد    أيها المسلمون 

أما قوله تعالى (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) .فهؤلاء الذين ينفقون من أموالهم ابتغاء مرضاة الله ، ويكظمون غيظهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى الناس ، ويتوبون إلى الله ويستغفرونه ، ويعلمون أنهم محاسبون على ما يعملون فيحترسون  لهم جزاء عظيم يقود إلى نتيجة عظيمة .فالجزاء العظيم المغفرة من الله تعالى والرضي  عنه ومن  رضي الله عنه  رضي كل شيء عنه وأحبه ، وعفا الله عنه وأبدل سيئاته حسنات . ومن نال هذه الفضائل العظيمة استحق الجنة ونعيمها الأبدي الخالد بأنهارها العذبة من ماء غير آسن ولبن لم يتغير طعمه وعسل مصفى وخمر لذة للشاربين . ، ونال ما يتمناه من ثمار الجنة وأُكُلها ، وجميل حورها . وما أحسن هذا الجزاء الكريم من رب كريم . وأنْعِمْ بالخلود أبد الآبدين . (  وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) فيها من النعيم المقيم، والبهجة والسرور والبهاء، والخير والسرور، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات،(  خَالِدِينَ فِيهَا) لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا ولا يغير ما هم فيه من النعيم، (  وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) فقد عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا فـ « عند الصباح يحمد القوم السرى » وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا.

                                                                 الدعاء