خطبة عن المؤمنين حقا ، وقوله تعالى ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا )
مايو 20, 2023خطبة عن (كن مفتاحا لكل خير)
مايو 24, 2023الخطبة الأولى ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (9) النساء ،وقال الله تعالى : (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (82) الكهف
إخوة الإسلام
هناك ميراث هو أعظم من ميراث المال، ألا وهو ميراث الأخلاق والصلاح والتربية الحسنة، فهو أعظم ما يورثه الآباء لأبنائهم من بعدهم، وهو الثروة الحقيقية التي يستحق أن نبذل الغالي والنفيس من أجل أن نوفرها لأبنائنا من بعد موتنا ، فصلاح الأب، هو خير ميراث يمكن أن يرثه الأبناء، فلا تصيبهم نوائب الدهر، ويكفلهم الله بعين رعايته، ويحفظهم بخفي لطفه، ببركة هذا الصلاح، فلم يطعمهم من حرام، ولم تنبت أجسامهم من سحت، ولم يرتش، أو يسرق، فهو يراقب الله في كل أعماله ، ويرى الله دائمًا أمامه في كل أحواله، ولا يغيب عنه في معاملاته، ولا يغفل عن مرضاته ، ولذلك فقد كانت الزوجة الصالحة من السلف الصالح تقول لزوجها إذا خرج لعمله: “اتق الله فينا ،ولا تطعمنا من حرام ،فإننا نصبر على الجوع ، ولا نصبر على النار” ، إنها الزوجة الراضية، القانعة، التي لا تنظر إلى ما في يد غيرها، ولا تدفع زوجها لأن يسلك سبل الحرام من أجل أن يوفر لها ولأولادها كل أجواء الراحة والرفاهية في الحياة، وهذا مما يعين على الصلاح، فلا يكتسب قوته إلا من الحلال، ولا يفعل ما يغضب ربه، لأن وراءه زوجة تقول له: “اتق الله فينا ولا تطعمنا من حرام”.
ومن أبرز الأمثلة والنماذج على كيف أن صلاح الأب يدخره الله لأبنائه من بعده، ولا يضيعه أبدًا هو قصة “جدار اليتيمين” في سورة “الكهف”، قال الله تعالى : “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”. ،
فمما يعجب له الإنسان، أن يرسل الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام، ومعه سيدنا “الخضر” العبد الصالح إلى تلك القرية، ويقطعان مسافة طويلة حتى يصلا إليها، على الرغم من عدم استقبال أهل القرية لهما ، أو ضيافتهما، للقيام بتلك المهمة التي أوكلها الله لهما، من أجل أن يحفظ لليتمين الكنز، بعد أن تداعى الجدار الذي كان مختبئًا تحته، إلى أن يكبرا ويستخرجاه بنفسهما، وما ذلك إلا ببركة الأب، “وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا”.، فكان صلاح الأب سببًا في حفظ الأبناء، إلى حد أن الله أرسل لهما من يحفظا لهما كنزهما، ورُوي عن ابن عباس أنه قال: “حُفظا بصلاح أبيهما، وما ذُكِر منهما صلاح”، وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء ، وفي ذلك دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (21) الطور، وفي سنن البيهقي : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ) ،
أيها المسلمون
فتقوى الوالدين لله تعالى هي أعظم كنز يمكن أن يورثاه لأبنائهما من بعدهما، قال الله تعالى : “وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا”، والمعنى: لْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقًا للعدل والمعروف، فالذي يتقي الله سيرزقه بمن يتقي الله في ذريته الضعيفة.، وكأن الله تبارك وتعالى يرد لك أمانتك في أولادك من بعدك، بحفظك الأمانة التي أوكلها إياها لك، فحفظ لك أمانتك من بعدك، “فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”، وكان معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص قد اجتمعا في أواخر حياتهما، فقال الثاني للأول: يا أمير المؤمنين ماذا بقي لك من حظ الدنيا؟ وكان معاوية قد صار أميرًا للمؤمنين ورئيس دولة قوية غنية، فقال: أما الطعام فقد مللت أطيبه، وأما اللباس فقد سئمت ألينه، وحظي الآن في شربة ماء بارد في ظل شجرة في يوم صائف ، وصمت معاوية قليلاً وسأل عمرو: وأنت يا عمرو ماذا بقي لك من متع الدنيا؟، فقال: أنا حظي عين خرارة في أرض خوارة تدر عليّ حياتي ولولدي بعد مماتي، إنه يطلب عين ماء مستمر في أرض فيها أنعام وزروع تعطي الخير ، وكان هناك خادم يخدمهما، فنظر معاوية إلى الخادم وأحب أن يداعبه ليشركه معهما في الحديث، فقال له: وأنت يا (وردان) ماذا بقي لك من متاع الدنيا؟ أجاب: بقي لي من متع الدنيا يا أمير المؤمنين صنيعة معروف أضعها في أعناق قوم كرام لا يؤدونها إليّ طول حياتي حتى تكون لعقبي في عقبهم، لقد فهم قول الله: “وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً”.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) (82) الكهف ، يقول صاحب الظلال (سيد قطب) : فهذا الجدار الذي أتعب الرجل نفسه في إقامته ولم يطلب عليه أجرا من أهل القرية وهما جائعان وأهل القرية لا يضيفونهما كان يخبئ تحته كنزا ويغيب وراءه مالا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة ، ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدافعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولنا وقفة تأمل مع : (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا): فيا تري .. ماذا فعل هذا الأب حتى يحفظ الله كنزا كان يخبئه لولديه ، ويقول عنه (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) ،أكان يقف في خشوع بين يدي الله في جوف الليل ،ويسيل دمعه من خشية الله ، فرضى الله عنه ،وكان عنده صالحا؟ ،أم كان هذا الرجل يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر محتسبا لله ؟ فكان عند الله صالحا؟،أم اشعر الله بصبره على ابتلاءات أصابه الله بها ، فكان صابراً بل راضياً؟ ،فكان عند الله صالحا؟، أو ترقبه وهو يضع الصدقة في يد يتيم ،وترقرق عينه من الدمع شفقة عليه.؟ ،فكان عند الله صالحا؟،، ام انَّه كان بارا بوالديه ،ولا ينام حتى يكونا راضيين عنه ، فدعوا له فتقبل الله منهما ، فكان عند الله صالحا؟، أم انَّه كان يتقى الله ولا يمد يده للحرام ابدا ،ولا يأكل الا طيبا ،فكان عند الله صالحا؟ ، ام انَّه كان يهتم بزوجته وبناته ، فيسترهم بحجاب شرعي ، وعلمهنَّ امور دينهنَّ ،فرضى الله عنه ،فكان عنده صالحاً؟ ، فمما لا شك فيه أن لهذا الرجل سرًا بينه وبين الله ،رفع من قدره ، فحفظ الله به ولده، فلأجله ولأجل صبياه ابتعث الله تعالى رجلين عظيمين عند الله ،أحدهما نبي من أولي العزم، والآخر قيل فيه إنه بني ، وقيل إنه كان رجلا صالحًا.
فيا أيها الآباء ، ويا أيتها الأمهات : اتقوا الله ، وأصلحوا ما بينكم وبينه ، واحفظوا أوامره ونواهيه ، يحفظ أولادكم من بعدكم ، وأكثروا من الدعاء الصادق المخلص لأبنائكم ،وأطيبوا مطعمكم ، ولا تطعموا أولادكم إلا من حلال ، فاللقمة الحرام لها أثر بالغ في الغواية والضلال ، وحتى ترفع يديك بالدعاء إلى الله بأيد طاهرة ونفسٍ زكية فيتقبل منك لأولادك ويصلحهم الله ويبارك لك فيهم, قال الله عز وجل “إنما يتقبل الله من المتقين” [المائدة : 27] ، فكيف يليق بك أيها الأب أن ترفع يديك وهي ملوثة بدماء الأبرياء, وملوثة بضرب الأبرياء، وظلم الأبرياء, والبطش بهم وغشهم، تدعو ربك بصلاح الذرية رافعاً هذه اليد؟، وكيف يليق بك أن تدعو ربك بتلك الأفواه الملوثة بأكل الحرام والملوثة بالكذب وبالنميمة والاغتياب والطعن في الأعراض والسباب والشتائم، بل والشرك وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات؟ ، هل ترى أن دعاءك يستجاب وملبسك من الحرام وغذاؤك من الحرام؟ ،
فعليكما أيها الأبوان بتقوى الله وبالعمل الصالح حتى يتقبل دعاءكما لأبنائكما وقد ورد عن بعض السلف أنه قال لابنه “يا بني لأزيدن في صلاتي من أجلك” نعم من أجل أن يكثر الدعاء لهم ، قال بعض العلماء: معناه أصلي كثيراً وأدعو الله لك كثيراً في صلاتي.، ألا فعلموا أبناءكم ، وأحسنوا أدبهم ، ولا تقصروا في تربيتهم ، قال الإمام ابن القيم: ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى ، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا ).، قالُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ إِلَّا حَفِظَهُ اللَّهُ فِي عَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ ) ، وقالَ محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ : (إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ ) ،وَقَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيَحْفَظُ بِالعَبْدِ الصَّالِحِ القَبِيلَ مِنَ النَّاسِ ).
الدعاء