خطبة عن (أَهْلُ الشَّامِ)
يونيو 26, 2024خطبة عن (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)
يونيو 27, 2024الخطبة الأولى (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) محمد (4)
إخوة الإسلام
يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة: أنه على كل شيء قدير، وأنه سبحانه لو يشاء لانتصر من الكافرين المعتدين على المؤمنين بغير قتال، ولكنه سبحانه شرع الجهاد، وأمر المؤمنين بمحاربة الكافرين المعاندين المعتدين، وجعل عقوبتهم في الدنيا على أيديهم؛ وليختبر صدق المؤمنين، ولينصر بهم دينه، وليميز الخبيث من الطيب، ويتميز قوي الإيمان من ضعيفه، كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) محمد: (31). وكثيرا ما نسمع من يقول: نرى المؤمنين اليوم يُنَكَّلُ بهم، ويصيبهم الأذى، بل وربما القتل، وذلك في شتى بقاع العالم، والله تعالى يقول: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، ويقول تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]، ويقول تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173]. فأين هذا النصر؟
ونقول: لا بد أن نؤمن أن هذا القرآن هو كلام الله، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، ونوقِن أنّ وَعْد الله حقّ، وأنه لا يُخْلِف الميعاد، ونحن على ثقة تامّة ويقين جازم بذلك، فإذا ما رأى المؤمنون على أرض الواقع خلاف ما وَعَد الله في كتابه، فليس أمامهم إلا أمران: الأول: أن يتَّهِموا أنفسَهم بالتقصير في تحقيق شروط النّصر، وأنهم بوَضْعهم الحالي ليسوا أهلًا لتحقيق وَعْد الله؛ لأنّ الله وَعَد بالنصر مَنْ كان أهلًا لذلك، ومن تحقّق فيه شرطه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. وهذا كان حال المؤمنين الأوائل، إذا تأخَّر عنهم النصر، راجعوا أنفسهم، وفتَّشوا عن الذنوب والعيوب؛ ليقينهم بأنّ وَعْد الله لا يتخلَّف أبدًا، فإذا لم ينتصروا، فقد يكون ذلك بسبب ذنوبهم يقول تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. الأمر الثاني: عدم فهم السّنن الإلهية في تحقيق النصر، فالله -عز وجل- لا يمكِّن لعباده في الأرض إلا بعد أن يُبْتَلَوْا، ولنا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسوة حَسنة، فقد كان في العهد المكيّ مع أصحابه مستضعَفين، ثمّ مَكّن اللهُ لهم بعد ذلك بعد الهجرة وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛
أيها المسلمون
والمتدبر لقوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) محمد (4)، يتبن له أن الجهاد في سبيل الله له فضلٌ عظيمٌ، ومكانة عالية، ومنزلة رفيعة، والمسلم لا ينفك عن الجهاد في سبيل الله أبدًا، ومن واجباته نصرة الحق، وحينما يأمر الله تعالى المؤمنين بضرب رقاب الكفار، وشد وثاقهم بعد إثخانهم – إنما يتخذهم سبحانه ستارا لقدرته، ولو شاء لانتصر من الكافرين جهرة، كما انتصر من بعضهم بالطوفان، والصيحة، والريح العقيم ،أو بغير هذه الأسباب، ولكنه سبحانه إنما يريد لعباده المؤمنين الخير، وهو يبتليهم، ويربيهم، ويصلحهم، فلا بد للحق من أنصار، يجاهدون في سبيله، ويحتملون ما يلقاهم من بلاء وعناء، فذلك هو الثمن الذي يقدمه المجاهدون، لينالوا به رضوان الله،
هذا، وقد تعلو للباطل رايات ورايات، وتقوم تحت راياته تلك دولة ودولة، حتى يظن ضعاف الإيمان أن وجه الحق قد اختفى، وأن دولة الحق قد ولت وضاعت، والواقع أن الحق في تلك الحال يستدعي أنصاره أن يقوموا له، وأن يزيلوا سحب الضلال المنعقدة في سمائه، لتشرق شمسه من جديد، وإن طال ليل الباطل وامتد، والله تعالى يقول: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الرعد(17)، (18)، فمن هذا المثل الكريم، الذي ضربه الحق سبحانه، للحق والباطل، نرى أن الحق، قد يزاحمه الباطل، ويشوبه بغباره ودخانه، كما يشوب المعادن الكريمة ذرات من التراب أو الصدأ، فإذا عرضت تلك المعادن على النار تخلصت من تلك الشوائب الغريبة التي دخلت عليها، وإذا هي نقية خالصة من كل شائبة، كذلك الحق، إذا شابه الباطل، فإنه لا يتخلص من هذا الغريب الذي دخل عليه إلا بجهاد المجاهدين، الذين يحرقونه بنار جهادهم، ويخلصون الحق من شوائب الباطل، قال الله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} الأنبياء: (18)، ففي قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ }. إشارة إلى تلك القوة التي تقوم من وراء الحق من المجاهدين في سبيله، والتي تقذف بالحق قذفا، وتدفع به دفعا لتصدم به الباطل صدمة قاتلة. فإن الحق وحده بغير أنصار ينتصرون له، ويدافعون عنه، هو جوهر كريم في باطن الأرض ،لا بد من البحث عنه، والمعاناة في سبيل الوصول إليه، والانتفاع به.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن نصر الله تعالى للمسلمين على أعدائهم من الكفار المحاربين لهم وعدُ حقٍّ، وقولُ صدقٍ، فقد وعد الله تعالى به المؤمنين، وأخبرهم أنه قريب، وإنما يؤخره تعالى لحكَم جليلة، ومن كان قوي الإيمان، صادق اليقين، فسيعلم أن ذلك يكون قريباً، كما أخبر به رب العالمين، قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة/ 214، ونصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان، وزعم الإسلام، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه، وعمل بالإسلام بجوارحه، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) النور : 55،56، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: “هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس، والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعل الله تبارك وتعالى ذلك، فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة، وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر والإسكندرية – وهو المقوقس – ، وملوك عُمان، والنجاشي ملك الحبشة، ولما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، قام بالأمر بعده الخلفاء الراشدون ومن جاء من بعدهم.
الدعاء