خطبة عن (بَرَكَةُ الْوُضُوءِ والطَّهَارَةِ)
نوفمبر 18, 2025الخطبة الأولى (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (132) الأنعام، وقال تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (162)، (163) آل عمران، وَفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ».
إخوة الإسلام
هَذِهِ الْآيَات المباركات، من كتاب الله الكريم، تَكْشِفُ لنا عن حَقِيقَة كُبْرَى، مِنْ حَقَائِقِ هَذَا الدِّينِ القويم، ألا وهي: أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُ دَرَجَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ بِعَمَلِهِ، وَأَنَّ النَّاسَ وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ عِنْدَ اللَّهِ في الدرجات، عَلَى قَدْرِ مَا يَحْمِلُونَ مِنْ إِيمَانٍ، وَمَا يُقَدِّمُونَ مِنْ أعمال صَالِحَاتٍ، وَمَا يَجْتَنِبُونَ مِنْ المعاصي ومُحَرَّمَاتٍ، فَاللَّهُ تعالى لَمْ يَجْعَلِ النَّاسَ سَوَاءً، وَلَمْ يَجْعَلِ الْآخِرَةَ دَارًا بِلَا مَرَاتِبَ، بَلْ جَعَلَ لِأَهْلِ الطَّاعَاتِ دَرَجَاتٍ، وَلِأَهْلِ التَّقْصِيرِ دَرَجَاتٍ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَدْلَ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَا يُظْلَمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ الكهف:49.
فذكر الدرجات في الآخرة ليس موضوعًا نظريًا يخيف العاصين فقط، بل هو باب أمل للمؤمنين، وباب اجتهاد للمتقين، وباب ترقٍّ لمن أراد أن يرفع الله ذكره في الدنيا، ويدّخر له أعالي المنازل في الآخرة، فالله تعالى حين قال: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾، أراد أن يفتح للناس باب الاجتهاد، ويبين أن التفاضل الحقيقي ليس بالألوان ولا بالأنساب، ولا بالغنى ولا بالفقر، ولا بالقوة ولا الضعف، بل بالعمل الخالص، الصادق، الدائم، الذي يرجو صاحبه به وجه الله، ومن رحمة الله أن جعل أبواب الرفعة كثيرة؛ فمن لم يستطع بابًا فُتح له بابا، ومن ضاقت عليه طاعة، وسّع الله له غيرها، حتى لا يحرم أحدٌ من الارتفاع في الدرجات.
والمتدبر لآيات القرآن الحكيم يتبين له أن الله تعالى جعل الأنبياء درجات: فقال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (253) البقرة، وجعل الله المؤمنين في الدنيا والآخرة درجات، فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (2): (4) الأنفال، وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (11) المجادلة، وقال تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) طه: (75)، (76)، وجعل الله تعالى المجاهدين في سبيل الله درجات، فقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (95)، (96) النساء، وجعل الناس في الدنيا درجات: قال تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (162)، (163) آل عمران، وقال تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (76) يوسف، وجعل الله الكافرين من الأمم المكذبة بالرسل درجات، فقال تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (131)، (132) الانعام، وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (18)، (19) الاحقاف، وجعل الله الناس في الأرزاق درجات، فقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (165) الانعام، وقال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) الزخرف:32.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الدُّنْيَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْمَنَاصِبِ، وَالْأَعْمَارِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ الْأَخْطَرَ وَالْأَبْقَى هُوَ تَفَاوُتُ الْآخِرَةِ؛ يَوْمَ يَقِفُ الْخَلَائِقُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَيُرْفَعُ هَذَا وَيُخْفَضُ ذَاكَ، وَتُعْطَى الدَّرَجَاتُ لِمَنْ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، لذا قال الله تعالى عن الدار الآخرة: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) (1): (3) الواقعة، والدَّرَجَات في الدار الآخرة لَيْسَتْ كَلِمَةً تُقَالُ، وَلَا أُمْنِيَّةً تُرْجَى، وَإِنَّمَا هِيَ حَصِيلَةُ أَعْمَارٍ، وَثَمَرَةُ مُجَاهَدَةٍ، وَبَذْلٍ، وَصَبْرٍ، وَإِخْلَاصٍ، وَاسْتِقَامَةٍ. فَكَمَا أَنَّ الْمُدَرَّجَاتِ فِي الدُّنْيَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِجُهْدٍ، فَدَرَجَاتُ الْآخِرَةِ لَا تُنَالُ إِلَّا بِبَذْلِ الصَّادِقِينَ. ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ. قَالَ «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّ كُلَّ طَاعَةٍ صَادِقَةٍ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً؛ نَوَافِلُ كانت، أو صَدَقَاتٌ، أو عِلْمٌ، وذِكْرٌ، وإِحْسَانٌ، وبَرٌّ، ونَصْحٌ، ودُعَاءٌ ،وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
واعلموا أن أَعْظَم مَا يَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ: الْإِخْلَاصُ؛ وهو أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لَا يُرِيدُ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ، ولَا يَبْتَغِي ثَنَاءَ النَّاسِ وَلَا نَظَرَهُمْ. ففي صحيح البخاري: قَالَ ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». فَكَمْ مِنْ عَمَلٍ يَسِيرٍ، رَفَعَ اللَّهُ بِهِ صَاحِبَهُ دَرَجَاتٍ، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ كَبِيرٍ لَمْ يُرْفَعْ، لِأَنَّهُ خَالَطَهُ رِيَاءٌ، أَوْ طَلَبُ سُمْعَةٍ، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
وَمِنْ أَسْبَابِ الدَّرَجَاتِ: الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ؛ فَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ بِعَمَلِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَنْ يَثْبُتُ عَلَى الطَّاعَةِ حَتَّى الْمَوْتِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ فصلت:30. فَبِالِاسْتِقَامَةِ تُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُغْفَرُ الزَّلَّاتُ، وَيُخْتَمُ لِلْعَبْدِ بِخَيْرٍ. وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»، وفي رواية لمسلم: «أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ». وفي الصحيحين أيضا: (عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ قَالَتْ لاَ. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَطِيعُ)
وَمِنْ أَسْبَابِ الدَّرَجَاتِ: الصَّبْرُ: الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر:10. فأَجْرٌ الصابرين بِلَا حِسَابٍ، أَي بِلَا عَدٍّ وَلَا تَقْدِيرٍ بَشَرِيٍّ؛ لِأَنَّهُ أَجْرُ رَبٍّ كَرِيمٍ.
وَمِنْ أَسْبَابِهَا أَيْضًا: الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ؛ فَالْعِلْمُ نُورٌ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَهْلَهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ المجادلة:11. فَمَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ، أَوْ عَلَّمَ جَاهِلًا، أَوْ نَشَرَ سُنَّةً، أَوْ رَدَّ بِدْعَةً، رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَاتٍ. وَمِنْ أَسْبَابِ الدَّرَجَاتِ: الْخُلُقُ الْحَسَنُ؛ فَفي سنن أبي داود: (قَالَ رسول الله ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وَهَذَا فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ عَظِيمٌ؛ ابْتِسَامَةٌ، كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ، كَفُّ أَذًى، سَتْرُ عَوْرَةٍ، إِسْدَاءُ نَصِيحَةٍ، فكُلُّهَا وَسَائِلُ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ. وَمِنْ أَسْبَابِ الدَّرَجَاتِ: تَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ؛ ففي مسند أحمد: (وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئاً اتِّقَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهُ»، فمَا تَرَكَ عَبْدٌ شَيْئًا لِلَّهِ إِلَّا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، فَكُلُّ شَهْوَةٍ تُتْرَكُ لِلَّهِ، وَكُلُّ نَظْرَةٍ تُغَضُّ، وَكُلُّ مَالٍ حَرَامٍ يُجْتَنَبُ، فكُلُّهَا تُكْتَبُ لِلْعَبْدِ دَرَجَاتٍ.
وَأَهَمّ سَبَبٍ لِرُفْعِ الدَّرَجَاتِ: صِلَةُ الْعَبْدِ بِاللَّهِ، فَلَا يَغْفُلْ عَنْ ذِكْرِه وَمُرَاقَبَتِه فِي كُلِّ حَالٍ. فَإِنَّ الَّذِي يَتَّقِي اللَّهَ وَيُحَافِظُ عَلَى صَلَاتِهِ وَيُقَرِّبُهُ بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ، هُوَ مَنْ يَرْتَفِعُ فِي الدَّرَجَاتِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
وتَأَمَّلُوا معي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ (132) الأنعام، فلَمْ يَقُلْ الله تعالى: “بِمَا تَمَنَّوْا”، وَلَا “بِمَا ادَّعَوْا”، وَإِنَّمَا قَالَ تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلُوا﴾. فَالْعَمَلُ هُوَ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَاحْذَرُوا التَّسْوِيفَ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُضَيِّعُونَ أَعْمَارَهُمْ فِي انْتِظَارِ يَوْمٍ يَتُوبُونَ فِيهِ، أَوْ سَاعَةٍ يَنْشَطُونَ فِيهَا، أَوْ حَالٍ يَجِدُونَ فِيهَا أَنْفُسَهُمْ، حَتَّى يُفَاجِئَهُمُ الْمَوْتُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْتَظِرُ الظُّرُوفَ، بَلْ يَصْنَعُ هُوَ الظُّرُوفَ، وَيَسْتَغِلُّ كُلَّ لَحْظَةٍ لِيَزِيدَ بِهَا دَرَجَتَهُ.
وَاذْكُرُوا أَنَّ الرِّفْعَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْجَاهِ وَلَا فِي الْمَالِ، بَلْ فِي أَنْ يَرْفَعَكَ اللَّهُ: يَرْفَعُ ذِكْرَكَ، وَيَرْفَعُ دَرَجَتَكَ، وَيَرْفَعُ مَقَامَكَ فِي الْآخِرَةِ. وَتَأَمَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى عن أهل الجنة: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) الروم: (15)، أَي يُكْرَمُونَ، وَيُسْعَدُونَ، وَيُرْفَعُونَ فِي الْمَنَازِلِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَيَزِيدُهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى بَالِ بَشَرٍ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلْيَنْظُرْ: مَاذَا يَعْمَلُ؟، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ دَرَجَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلْيَنْظُرْ: كَمْ يَتَزَوَّدُ؟، فاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْفَعُهُمُ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ، وَمِمَّنْ تُبَشِّرُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمِمَّنْ تَقُولُ لَهُمْ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ الرعد: (24)
فالموفَّق من جعل حياته سلّمًا يرقى به إلى الله.. وتذكروا أن أعلى الدرجات عند الله منزلة هم أولياؤه الصادقون الذين طهّرت قلوبهم، وحسنت سرائرهم، وصدقوا مع الله في سرهم وعلنهم.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (132) الأنعام، فيخبِرُ الله تعالى أنَّ لكُلِّ النَّاسِ منازِلَ ومراتِبَ في الآخِرَةِ، يستحقُّونها بحَسَبِ أعمالِهم؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ، ولا يخفى على اللهِ من أعمالِ البَشَرِ شيءٌ، وَيُرَدُّ الانسان إِلى مَولاهُ وَخَالِقِهِ، لِيُجزَى بما عَمِلَ وَكَسَبَ، وَلِيَرَى مَا أَسلَفَ وَقَدَّمَ، وَمَهمَا كَانَ الإِنسَانُ في هَذِهِ الدُّنيَا غَنِيًّا عَظِيمًا جَلِيلاً، فَإِنَّهُ قَد يَكُونُ في الآخِرَةِ فَقِيرًا حَقِيرًا صَغِيرًا، إِذَا وَقَفَ بِجَانِبِ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ حَصَّلُوا الدَّرَجَاتِ العَالِيَةَ في الجَنَّةِ، بِسَبَبِ اشتِغَالِهِم بِالعِبَادَاتِ وَتَنوِيعِهِمُ الطَّاعَاتِ، وَاستِكثَارِهِم مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، ففي الصحيحين: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّهُ لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَةِ لا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ “، وَفي صحيح مُسلِمٌ: (قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ” وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نَسَبُهُ “، فهَذِهِ المَقَايِيسَ الدُّنيَوِيَّةَ الحَقِيرَةَ، تَذُوبُ يَومَ القِيَامَةِ وَتَذهَبُ، وَلا يَبقَى إِلاَّ العَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي بِهِ تَتَفَاوَتُ الدَّرجَاتُ، نَعَم لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَبما قَدَّمُوا، وَلَيسَ مِمَّا ظَنُّوا وَأَمَّلُوا، وَلِكُلِّ عَامِلٍ مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ يُبَلِّغُهُ اللهُ إِيَّاهَا وَيَجزِيهِ بها، إِنْ خَيرًا فَخَيرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات:35 :41] وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه:74 :76]
وَإِنَّمَا جَعَلَ اللهُ تَعَالى الجَنَّةَ دَرَجَاتٍ؛ لأَنَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – حَكَمٌ عَدلٌ لا يَظلِمُ أَحَدًا، وَلا يَهضِمُ عَامِلاً عَمَلاً، وَلأَنَّ عِبَادَهُ غَيرُ مُتَسَاوِينَ في الأَعمَالِ، فَمِنهُم مَن يَقتَصِرُ عَلَى الفَرَائِضِ وَيُحَافِظُ عَلَيهَا، فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ مَا دَامَ صَادِقًا في أَدَائِهَا كَمَا أُمِرَ إِخلاصًا وَاتِّبَاعًا، وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِمَّن شَمَّرَ وَجَدَّ وَاجتَهَدَ، وَسَابَقَ وَسَارَعَ وَاستَبَقَ الخَيرَاتِ، فَحَافَظَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَزَوَّدَ مِنَ النَّوَافِلِ، وَضَاعَفَ العَمَلَ وَضَرَبَ في كُلِّ بَابٍ مِنهُ بِسَهمٍ، فَهَذَا تَعلُو في الجَنَّةِ دَرَجَاتُهُ، وَتَعظُمُ بِحَسَبِ عَمَلِهِ حَسَنَاتُهُ، وَعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ” إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ” فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشعَرِيُّ: لِمَن هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: ” لِمَن أَطَابَ الكَلامَ، وَأَطعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ ” رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَالحَاكِمُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فالجَنَّة دَرَجَاتٌ، وَأَفضَلُ تِلكَ الدَّرَجَاتِ هِيَ الفِردَوسُ الأَعلَى، فَمَن أَرَادَ سُكنَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ العَلِيَّةِ، فَلْيَستَمِعْ إِلى صِفَاتِ سَاكِنِيهَا، وَلْيَتَّصِفْ بها وَلْيُحَافِظْ عَلَيهَا لِينَالَ تِلكَ الدَّرَجَةَ بَعدَ رَحمَةِ اللهِ، قَالَ تَعَالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون:1: 11].
أيها المسلمون
فَلْنَنْظُرْ إِلَى مَظَاهِرِ الطَّاعَةِ فِي حَيَاتِنَا؛ فَهَلْ نَسْتَخْدِمُ أَيَّامَنَا فِي الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ؟ هوَلْ نَسْتَغِلُّ أَمْوَالَنَا فِي الصَّدَقَاتِ وَإِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ وَإِسْعَادِ الْمَسَاكِينِ؟ وهَلْ نَصْبِرُ عَلَى مَا يَأْتِينَا مِنْ أَذًى، وَلَا نَنْقُضُّ عَهْدَنَا مَعَ اللَّهِ بِسَبَبِ شَهْوَةٍ أَوْ نَفْسٍ ضَعيفَةٍ؟، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ». فَلْنَعْمَلْ عَلَى تَحْسِينِ خُلُقِنَا، فَالإِخْلَاصُ فِي الْقَلْبِ وَالْعَمَلِ هُوَ مَا يَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ. وتَذَكَّرُوا أَنَّ أَعْمَالَكُمْ لَا تُحْسَبُ بِمَا فِي نِيَّتِكُمْ فَقَطْ، وَلَكِنْ بِمَا يُظْهِرُهُ وَيُقَدِّمُهُ مِنْ صَالِحِ الْأَفْعَالِ. فَاعْمَلُوا بِإِخْلَاصٍ، وَتَابِعُوا الْعَمَلَ بِثَبَاتٍ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى وَتَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ. إِنَّ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ أَنْ يَرْفَعَكَ اللَّهُ دَرَجَةً بِعَمَلٍ صَغِيرٍ صَادِقٍ، وَيُعَوِّضَكَ بِهِ عَنْ أَعْمَالٍ كَبِيرَةٍ لَمْ تُحْسَنْ نِيَّتُهَا. فَلَا تَغْفَلُوا عَنِ الْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْأَعْمَالِ الْيَوْمِيَّةِ، فَكُلُّ صَغِيرٍ يُكْتَبُ وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ. وكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَيُقَدِّمُ فِي سَبِيلِه، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَيُزِيلُ الْخَطَايَا. فَلْنَسْعَ جَاهِدِينَ فِي أَعْمَالِنَا، وَنَحْذَرْ أَنْ نَضِيعَ أَعْمَالَنَا بِالْغُفْلَةِ وَالْتَّسْوِيفِ وَرَغَبَاتِ الدُّنْيَا. فاللَّهُمَّ اجعلنا مِنَ الَّذِينَ تُرْفَعُ دَرَجَاتُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَمِنَ الَّذِينَ تُبَشِّرُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمِنَ الَّذِينَ تُقَالُ لَهُمْ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ﴾.
الدعاء
