خطبة عن علامات التوفيق وأسبابه وموانعه (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
مايو 4, 2017خطبة عن قوله تعالى (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
مايو 4, 2017الخطبة الأولى (علامات توفيق الله لعبده) (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود
إخوة الإسلام
ونواصل حديثنا عن علامات توفيق الله لعبده المؤمن : فمن علامات توفيق الله لعبده : التوبة من المعاصي: فمن علامات التوفيق : أن يوفق العبد للتوبة ، حتى لو تكرّرت منه المعاصي ، أو يحال بينه وبين المعاصي فلا يستطيع أن يصل إليها، قال جل وعلا: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا)) [النساء:27]، والله عز وجل يفرح بتوبة عبده، وأما الغارق في العاصي فلا يوفق ، بل يجد النحس دائماً في وجهه ، فالتوفيق مجانب له؛ في كل طريق ، ولا يجد معه توفيقاً من الله عز وجل؛ لأن التوفيق هو قرين العمل الصالح ، والهداية والطاعة، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) ) الليل ، ثامناً: من علامات توفيق الله لعبده : نفع الناس وقضاء حوائجهم: فمن علامات التوفيق أن يوفّق العبد لنفع الناس وقضاء حوائجهم كما في المعجم للطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: « أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ». فالموفق هو ذلكم المحسن للآخرين ، العطوف عليهم ،الذي يقلقه شجون المصابين ، وأنات المساكين والمشردين والمحرومين والمظلومين ، فهو يسعى بكل سبيل ليكفكف عبراتهم ، ويضمد جراحهم ، ويمسح على رؤوسهم ، ليرد إليهم اعتبارهم ،وينفي كربهم ،ويدخل السرور عليهم ، يوم نسيهم الكثير ، وانشغلوا بأنفسهم وشهواتهم وكماليات حياتهم . تاسعاً : من علامات توفيق الله لعبده : حب الطاعة وكراهية المعصية : فالموفق يفرح بطاعة الله ، وذكره وشكره ، ويحب عمل الخير والصلاح، بل يجد فيه متعته وراحته ، يقول الله تعالى : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) ) الحجرات ، وقد كان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول : «أهل الليل في ليلهم ، ألذ من أهل اللهو في لهوهم ، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا». عاشراً: من علامات توفيق الله لعبده : العناية بالقرآن تعلماً وتعليما: وفي صحيح البخاري (عَنْ عُثْمَانَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » ،فهنيئًا لك يا من تدرس كتاب الله وتدرّسه، ويا من تقرؤه كلّ يوم. وأما أنت، يا من فرّطت في كتاب الله وتلاوته، تدارك نفسك ،فإن من علامة التوفيق أن توفّق لتلاوة كتاب الله حتى تحوز على هذه الخيرية والأجر العظيم. الحادي عشر: من علامات توفيق الله لعبده : القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال الله جل وعلا: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]، فعلّق الله سبحانه الفلاح والتوفيق على من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وجعل الخيرية في هذه الأمة لمن أمر ونهى، جعلنا الله وإياكم منهم. الثاني عشر: من علامات توفيق الله لعبده : الصحبة الصالحة : فمن التوفيق أن يُرزق العبد صحبة صالحة ، يعينونه على الطاعة ، ويحذرونه من المعصية ، ولما للصاحب من أثرٍ بالغ على صاحبه ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صُحبة غير المؤمنين ففي سنن الترمذي وغيره أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ ». الثالث عشر: من علامات توفيق الله لعبده : حسن الخلق وسلامة الصدر: فإذا وفق العبد لكريم الخصال ، وحسن الأخلاق ، وسلامة الصدر، ومحبة الخير للمؤمنين ، كما جاء في صحيح البخاري « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا » ، وحُسن الخلق أثقل شيء في الميزان كما جاء في سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ » . الرابع عشر: من علامات توفيق الله لعبده : الزوجة الصالحة : فمن علامات التوفيق ، أن يُرزق العبد زوجة صالحة ، تعينه على أمور دينه ودنياه ، وكم رأينا أُناساً كانوا بعيدين عن الله ، فرُزقوا نساء صالحات فغيّرن حياتهم ففي صحيح مسلم ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ». الخامس عشر: من علامات توفيق الله لعبده :عدم تدخل الإنسان فيما لا يعنيه: فمن التوفيق وعلاماته ،عدم تدخل الإنسان فيما لا يعنيه ، كالاشتغال بتتبّع أخبار الناس وما فعلوا وما أكلوا وما شربوا، والتدخّل في الأمور التي لا يحسنها ، ونحو ذلك، ففي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ » ، وجاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة الصحابي الجليل أبو دجانة المجاهد البطل أنه دخل عليه بعض أصحابه وهو مريض ووجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: «ما من عمل أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (علامات توفيق الله لعبده) (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن علامات توفيق الله لعبده : حسن عِشرة الإنسان لأهله: فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَيْرُكُمْ ، خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) ، سنن الترمذي ، فالعبد إذا قضى حوائج أهله ،وقدّمها على الأصدقاء والأصحاب والأقارب ، كان موفّقًا مسدّدًا، فحقّهم أولى وأوجب من غيرهم، فيجب عليك ـ أخي ـ أن تعطيَ لكلّ ذي حقّ حقه. السابع عشر: من علامات توفيق الله لعبده : السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف: فمن علامات توفيق الله للعبد أن يلهم السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف، وهي الحكمة التي قال الله تعالى عنها : ((يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)) [البقرة:269]. الثامنة عشرة: من علامات توفيق الله لعبده: الجهاد في سبيل الله : فمن علامات التوفيق ، أن يوفق العبد وييسّر له الجهاد ، والشهادة في سبيل الله، فإنها من أفضل القربات ، وأعلى المقامات، قال تعالى: ((وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) [النساء:95]، كيف لا ؟ ، والله عز وجل قال عمّن استشهد أنه مصطفى ومختار فقال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140]، فاتخذهم الله واصطفاهم ، وأنعم عليهم بالشهادة في سبيله. فاللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين. التاسع عشر: من علامات توفيق الله لعبده: الدعاء والتذلل بين يدي الله جل جلاله : فالعارفون أجمعوا أن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك ، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك. فإذا كان كل خير ، فأصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بيد العبد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق الملجأ والرغبة والرهبة إليه ، فمتى أُعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يُفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «إني لا أحمل همّ الإجابة ، ولكن همّ الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ». وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك ، يكون توفيقه سبحانه وإعانته .فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك . وما أُتيَ من أُتيَ إلا من قِبَل إضاعة الشكر ، وإهمال الافتقار والدعاء . ولا ظفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر ، وصدق الافتقار والدعاء . العشرون : من علامات توفيق الله لعبده: محاسبة النفس: فالموفق هو من قام على نفسه يحاسبها على الدوام ؛ لأن النفس جموحة طموحة منوعة ، تريد الرفعة والعلو والمديح والتقدم والتعالي على الآخرين ، فهو معها في جهاد ، يكبح جماحها ؛ فإن عمل طاعة فهو متلهف مشغوف يحسن الظن بربه أن يقبل تلك الطاعة ، وإن أذنب ثم تاب فهو خائف قلق يخشى أن لا يقبل الله توبته . ونستكمل الموضوع إن شاء الله
الدعاء