خطبة عن (اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
أغسطس 19, 2024خطبة عن (الذبيح إسماعيل)
أغسطس 21, 2024الخطبة الأولى (يا طَالبَ الْعِلْمِ أَبْشِرْ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (18) آل عمران، وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (11) المجادلة، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».
إخوة الإسلام
العلمُ هو المصباح الذي يُنيرُ دُورب الحياة، ويُخرج الانسان من ظلمات الجهل إلى النور، والعلم دليل الإيمان؛ فلولا العلم ما عرف الناس ربهم، ولا أسماءه ولا صفاته، ولا عرفوا كيف يعبدونه، فبالعلم يُعرف الله، وبه يُطاع، وبه يُعبد، وبه يُوحد، وبه يُمجد، وبه يُتورع، وبه توصل الأرحام، و به يعرف الحلال من الحرام، والعلم إمام والعمل تابعه، يلهمه الله تعالى السعداء، ويحرمه الأشقياء، وهو نور يهدي الله به من يشاء؛ قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19]. وقال معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه: “تعلموا العلم، فإن تعلُّمَه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارستَه تسبيح، والبحثَ عنه جهاد، وتعليمَه لمن لا يعلمه صدقةٌ، وبذلَه لأهله قُربة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة”. فحاجة الانسان للعلم حاجة ماسةٌ، لا يستطيع أن يستغني عنها، فللعلم آثار بالغة الأهمية في حياة الفرد والمجتمع، وهو ركيزة أساسية في تقدم الأمم والحضارات، وقد أهتم ديننا الحنيف بالعلم أعظم اهتمام، يقول الله عز وجل في أول ما نزل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (1): (5) العلق، ففي هذه الآيات المحكمات أمر للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكل فرد من أمته، أن يقرأ وأن يتعلم أي علم يكون له ولغيره نفع في دينه ودنياه،
ولما كانت هذه هي منزلة العلم، فقد أمر الاسلام بطلب العلم، وجعل طلب العلم من أفضل الأعمال، فهو من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه تبارك وتعالى، بعد أداء ما افترضه عليه ،قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) {الزمر:9}. وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) {المجادلة:11}. ففضائل طلب العلم عظيمة، وثماره قويمة، ويكفي شرفًا لأهل العلم وطلابه أن الله عز وجل استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو تبارك وتعالى؛ فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} آل عمران:18، والعلماء هم ورثة الأنبياء، ففي سنن الترمذي: (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». فالناس في الدنيا صنفان؛ إما شخص لديه علم ونور يهتدي به، وإما أعمى لا يرى، وفي سنن الدارمي: (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ هَمَجٌ لاَ خَيْرَ فِيهِ)، وقد وصف علي بن أبي طالب الناس فقال: «الناس ثلاث؛ عالمٌ ربّاني ومتعلم على سبيل نجاة والباقي همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح». والله تعالى رفع قدر أهل العلم، لا لحسبٍ ولا لجاه ولا لمال، وإنما بسبب العلم، فقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وطلب العلم سبيل الى الجنة، ففي سنن الترمذي: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ» ، وأجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان؛ ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ،يكفي في فضل العلم أنه علامة على إرادة الله عز وجل الخير؛ ففي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»،
فلا يخفى على أحدٍ فضلُ العلم والعلماء؛ فإنهم أهل الرفعة، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه أن يزيده علما، فقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه:114). وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى، (أن أبا موسى رضي الله عنه أتى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه بعد العشاء، قال: فقال له عمر: ما جاء بك؟ قال: جئتُ أتحدث إليك، قال: هذه الساعةَ؟ قال: إنه فِقه، فجلَس عمر، فتحدَّثا ليلاً طويلا، حسبتُه قال: ثم إن أبا موسى، قال: الصلاة يا أمير المؤمنين! قال: إنَّا في صلاة). فجعل رضي الله عنه طلب العلم مثل الصلاة. فلن يشبع مؤمن من خير حتى يرد الجنة، والعلم من الخير الذي لا يشبع منه عالم، بل يزداد في طلب العلم حتى يموت، لأن العلم ليس له نهاية، وهذا يوجب للمؤمن الحرص والرغبة في طلب العلم، والاجتهاد في تحصيله، ونفع الناس به، بعد أن ينتفع به هو، وفي الصحيحين: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ – رضي الله عنه – سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ». فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ «أَيْنَ عَلِىٌّ». فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ « عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». فالمؤمن يبذل وسعه، ويحرص على التفقه في الدين والتعلم، وعلى بذل العلم ،والنصيحة للناس، وتوجيههم إلى الخير أينما كانوا، يريد بذلك الثواب والأجر من الله تعالى.
أيها المسلمون
وقد بذل أسلافنا الصالحون رضي الله عنهم أوقاتهم وأموالهم في طلب العلم ومدارسته، وكان الكثير منهم يضن بليله أن ينامه كله، بل يؤثر السهر في طلب العلم على الراحة والنوم، لأنهم كانوا يرون أن ذلك من أفضل القربات، فقد روى الدارمي في سننه: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَدَارُسُ الْعِلْمِ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ إِحْيَائِهَا. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنِّي لأُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ، فَثُلُثٌ أَنَامُ، وَثُلُثٌ أَقُومُ، وَثُلُثٌ أَتَذَكَّرُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-)، وفي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ كَانَ لَهْ كِفْلاَنِ مِنَ الأَجْرِ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الأَجْرِ». وقيل لبعض السلف: بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح.
فيا طالب العلم: أحمد الله كثيرًا أن جعلك في مقام عبودية عظيمة، هي طلب العلم، ولو شاء الله ما أسدى إليك هذه النعمة، وكنت كالرَعاع، الذين يفنون أعمارهم فيما يضر؛ فاشكرِ اللهَ يزدْك من العلم.
ويا طالب العلم: كن بالعلم منشغلاً ليلا ونهارا، واهجر الكسل، فالعلم يعلي الفتى دوماً يُمجده فأسهر له واجتهد لا تقبل الفشل.
ويا طالب العلم لا تبغي به بدلاً … فقد ظفرت ورب اللوح والقلمِ
وقدس العلم واعرف قدر حرمته … في القول والفعل والآداب فالتزم
واجهد بعزم قوي لا انثناء له … لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
والنصح فابذله للطلاب محتسباً … في السر والجهر والأستاذ فاحترم
ومرحباً قل لمن يأتيك يطلبه … وفيهم احفظ وصايا المصطفى بهم
ويا طالب العلم: أنتَ على ثغرةٍ كبيرةٍ من ثُغور الأمّة، وأنت الأمل والضياء، والنور المشرق للمستقبل الواعد-إن شاء الله-، تنوطُ بك الواجبات والمسئوليات الكبيرة تجاه الدين والوطن، ولا ينتهي دورك في الذهاب إلى مقرّ الدراسة والعودة منها، بل يتعدى إلى العناية بالوقت، والتركيز على القراءة، والاستفادة من التقنية، وبذل الغالي والنفيس في الطلب والتحصيل، بعزمٍ ونشاطٍ وهمّة عالية. ويا طالب العلم: أنتَ اليوم على مقعد الدراسة والتعليم، وغدا على مسند العمل والعطاء -إن شاء الله- فاستعد لحمل الأمانة وأداء الرسالة، وتسلّح بالعلم والمهارة، وحوّل المعرفة والبحث العلمي إلى ميادين للتجربة؛ حتى تكون لها قيمة مضافة في حياتك ومسيرتك.
ويا طالب العلم: الفهمُ والاستيعابُ أهمّ من الحفظ دون التطبيق، فلو حفظتَ مَتْنا دون فهم، لم يتجاوز إلا أن تضيف نسخة إلى نُسخ الكتاب، أمّا الحفظ الملازم للفهم والتطبيق، فهو المطلوب والاستثمار الصحيح، فاقرأ بمنهجية، وادرس بذكاء، وتعرّف إلى آليات التميّز في الدراسة، وطُرق التفكير والفهم والاستيعاب.
ويا طالب العلم: إنّ معلمك بمثابة والدك، فاحترمه واستمع إلى نصائحه وتوجيهاته، واستفد من خبراته، وليكن محلّ إجلالك وتقديرك.
ويا طالب العلم: الكتابُ هو أكرم مالٍ، وأنفس جمال، فلا تقلّل من شأنه، أو تستغني عنه، أو تسيئ التعامل معه، فهو أنيسك ونديمُك في الليالي، وصاحبُك وصديقك في السفر، ومن حقّه عليك التوقير وحسن التعامل، فصونُ الكتاب أولى من صون الثياب.
ويا طالب العلم: أطلب العلم لله تعالى، وأخلص النية في طلبه، تجد اللذة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولا تتطلّع من وراء العلم إلى الشّهرة والمنصب والجاه والمال، وكلّ يُرزق على حسب نيّته، ففي سنن ابن ماجه وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ». وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ… فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يا طَالبَ الْعِلْمِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ويا طالب العلم: طلب العلم عبادة، وصرف الوقت فيه رياضة روحية، والإقبال عليه جهاد في سبيل الله، والنبوغ فيه منزلة عالية، فأنت تعيش في طاعة، وتنتقل من روضة إلى أخرى، فهنيئا لك بذلك.
ويا طالب العلم: حدّد مهامك وواجباتك اليومية بوضوحٍ، وقم بأدائها أولا بأوّل، ولا تتكاسل ولا تتهاون، ولا تتردد ولا تتواني، فأنت المستقبل القادم، وأنت البطل القائد الملهم الذي تنتظره الأمّة.
ويا طالب العلم: العالمُ تقدّم بالعلم، وارتقى بالمعرفة، وصعدَ إلى الفضاء، واخترعَ الذكاء الاصطناعي، فجهزّ نفسك وحدّد مسارك لأداء الدور الريادي في رفع شأنِ الأمّة، التي أنتَ فرد من أفرادها، وفارسٌ من فوارسها، واعلم أن فرضيّة العلم في الإسلام تشمل جميع أنواع العلوم الشرعية والتطبيقية التي تنفع الإنسان.
ويا طالب العلم: ليكن لك أهداف واضحة موزعة على خطط مدروسة، فلاتكن فوضويا، ولا متواكلا، ولكن كن منظما في حياتك، مرتّبا في خطتك الدراسية، جميلا في مظهرك، مهذبا في تعاملك مع الآخرين.
ويا طالب العلم: النفس البشرية تعتريها حالات من الفتور والخمول والتراخي، ولذا حاول أن تقرأ في سير العظماء، وقصص الناجحين، ومآثر أعلام الإسلام، الذين أفنوا حياتهم للعلم، ونشر الخير والرحمة والقيم والمعالي في المجتمع.
ويا طالب العلم: لتكن من أقوى الناس صلة وعلاقة بالقرآن الكريم، فهو يقوي العقل، ويشدّ العزيمة، ويضيئ الفهم، ويفتح الذّهن، ويشرح الصّدر، وينورّ الدّرب، وبكلّ حرف حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالها.
ويا طالب العلم: إنّ حركاتك محسوبة أمام الناس، فكن هيّنا لينا، خافض الجناح مع والديك وأسرتك وأقاربك وجيرانك، رفيقا في التعامل، جميلا في القول، بعيدا عن الاستعلاء والتنمّر، والعُجب والرياء، فطالبُ العلم يُعرف بسمته وهديه، قبل أن يعرف بعلمه وثقافته، وقد قيل: تعلّموا العلم، وتعلّموا للعلم السكينة والحلم.
الدعاء