خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (77) النحل
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى ، نتدبرها ، ونفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونؤمن بما جاء فيها ، فقد أخفى الله سبحانه وتعالى عنا الغيب لحكمة ، واختبرنا بتصديق ما أخبرنا به من غيبيات ،ليبتلي قلوبنا ،ويمتحن إيماننا ، ومن تلك الغيبيات التي أخفاها سبحانه أمر الساعة، وموعد القيامة ، ويخبرنا الله سبحانه وتعالى أن أمر الساعة كلمح البصر أو أقرب من لمح البصر ، فالله سبحانه وتعالى قدرته فوق كل قدرة ،وقوته تعلو كل قوة ، وهو القاهر فوق عباده سبحانه ،
ومن أهم المعارف التي لابد أن يلم بها المسلم لفهم واقعه ، والتبصر في مستقبله : هي النبوءات التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأشراط الساعة التي نبّهنا لها، ولهذا فقد انشغل المسلمون منذ صدر الإسلام الأول بأحاديث آخر الزمان ،والفتن ،وعلامات يوم القيامة، والتي تناولت أخبار الغيب ،والحديث عما سيكون ،فأشبعت فضول المسلمين، خاصة وهم يشهدونها تتحقق تباعًا في كل وقت يحين زمانها، بل ترسخ معها إيمانهم ويقينهم، إنها من دلائل النبوة، ومما تميّزت به أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-من معرفة بالقادم، مع العلم أن النبي لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ولا شك أن الإيمان بما في اليوم الآخر وعلاماته من الإيمان بالغيب الذي لا يدركه العقل، ولا سبيل لمعرفته إلا بالنص عن طريق الوحي. قال الله تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة 1: 5 ). ، وفي هذا الزمان استقرت بيننا علامات الساعة ونحن في شغل شاغلون، أدركها البعض ونبّهوا لها وهم في خشية وخوف متلازمين، لأنهم يعلمون يقينا أنها الوعد الحق الذي لا مناص لبشر ولا مخلوق منه… بينما غفل عنها آخرون وتجاهلوها…فكان التخاذل والغبن. قال الله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) الانبياء 1،، وشتان بين سلوك المصدق بيوم الدين الذي يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض، ولحساب الآخرة لا لحساب الدُّنيا وبين سلوك المكذب أو الغافل عنه، فالأول له سلوك فريد يتميّز بالاستقامة وقوة الإيمان والبصيرة بالواقع والمستقبل، والثبات والصبر على المصائب والشدائد، أما الثاني فأي ريح تقتلع جذور قناعاته وترمي به في صحاري الهوى والخوف والتيه والحسرة.
فعلى العبد أن يؤمن بأمر الساعة ، ويستعد لها في كل لحظة , وكل منا قيامته لحظة موته ،والتي قد تباغته في أي وقت ، وقوله تعالى : {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل-77] قال السعدي في تفسيره: أي: هو تعالى المنفرد بغيب السماوات والأرض، فلا يعلم الخفايا والبواطن والأسرار إلا هو، ومن ذلك علم الساعة فلا يدري أحد متى تأتي إلا الله، فإذا جاءت وتجلت لم تكن { إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } من ذلك فيقوم الناس من قبورهم إلى يوم بعثهم ونشورهم وتفوت الفرص لمن يريد الإمهال، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يستغرب على قدرته الشاملة إحياؤه للموتى ، كما جاء في تفسير الوسيط لطنطاوي قوله : والساعة في الأصل : اسم لمقدار قليل من الزمان غير معين ، والمراد بها هنا يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال ، وسمى يوم القيامة بالساعة : لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما يقع فيه من حساب أو لأنه على طوله زمنه يسير عند الله – تعالى – واللمح : النظر الذى هو في غاية السرعة ، (يقال لمحه إذا رآه بسرعة فائقة) ، ولمح البصر : التحرك السريع لطرف العين من جهة الى جهة ، أو من أعلى إلى أسفل ، و ” أو ” هنا للتخيير بالنسبة لقدرة الله – تعالى – أو للإِضراب .أي : ولله – سبحانه – وحده علم جميع ما غاب في السموات والأرض من أشياء ، وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته ، وما يترتب عليه من إماتة وإحياء ، وحساب ، وثواب وعقاب ، ما أمر ذلك كله إلا كتحرك طرف العين من جهة إلى جهة ، أو هو – أي أمر قيامها – أقرب من ذلك وأسرع ، بحيث يكون في نصف هذا الزمان أو أقل من ذلك ، لأن قدرته لا يعجزها شيء ، قال – تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) النحل 40،. والمقصود من هذه الجملة الكريمة : بيان سرعة تأثير قدرة الله – عز وجل – متى توجهت إلى شيء من الأشياء ،ثم ختم – سبحانه – الآية الكريمة بما يؤكد شمول قدرته فقال – تعالى – : (إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : إن الله – تعالى – لا يعجز قدرته شيء سواء أكان هذا الشيء يتعلق بأمر قيام الساعة في أسرع من لمح البصر ،أم بغير ذلك من الأشياء .، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدى سرعة قيام الساعة في كلمات معبرة وموجزة، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « … وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا »
أيها المسلمون
وجاء في التفسير العلمي والإعجاز القرآني لهذه الآية : أن الله سبحانه وتعالى يريد ان يرينا سرعة قيام الساعة ، كما قال في آية أخرى : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50) (القمر) ، وفي الآية التي بين أيدينا اليوم يقول سبحانه وتعالى : (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ، والسؤال : لماذا لم يقل سبحانه وتعالى (كرمش العين) ، فهذا هو المتعارف به عند العرب وهذا ما يذكروه في اشعارهم ، وكذا لم يقل سبحانه (قبل ارتداد الطرف) ، كما في قوله تعالى : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، وفي هذا بيان على أن سرعة قيام الساعة غير ذلك ،بل هو أسرع من ذلك بكثير, فبالدراسة العلمية ،فإن (ارتداد الطرف او رمش العين) يأخذ من الوقت ( خُمس 1/5 : 1/10عُشر) من الثانية ، وفى هذا الوقت تعمل الخلايا المحفزة على استمرار الصورة في العين ،فلا تكاد تحس به ،وهذه من نعم الله علينا ، ونحن نظنه أسرع شيئا, اما لمح البصر فهو يختلف كثيرا ,وهو أقل من ذلك ، والله سبحانه وتعالى أراد أن يوضح لنا سرعة قيام الساعة أكبر من ذلك, ولما لم يكن لدى العرب في ذلك الوقت أي مقياس دقيق للزمن ،لذا فقد حفظ الله لنا ذلك الأمر من خلال اظهار سرعة لمح البصر ،والتي هي اقل من 1/50 من الثانية بكثير, لقد تعجبنا كثيرا ، وقوله (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) فهي تعني أنكم تعرفون مقياسا للسرعة ثابت للقياس في زمن نزول القرآن وباقي إلى قيام الساعة وهو لمح البصر والذي يعادل 1 من 72 من الثانية وقيام الساعة أسرع من ذلك , وبهذا انتفى خلاف المفسرين,
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولبيان الاعجاز العلمي لهذه الآية ،كتب الدكتور/ عبد الدائم الكحيل قائلا : يقول العلماء بالحرف الواحد: نحن لا نعرف كيف نشأ الكون، لا نعرف من الذي وضع هذه القوانين، لا نعرف من الذي قام بوضع البرامج الازمة والضرورية لنشوء الحياة على الأرض… نحن لا نعرف أي شيء، إلا شيئاً واحداً: أن كل شيء برز للوجود بشكل مفاجئ وخلال أقل من ثانية!!! ، وهذه الحقيقة العلمية ذُكرت في القرآن الكريم قبل أن يكتشفها العلماء بأربعة عشر قرناً؟ ، ثم يقول : دعونا نتأمل هذه الآيات التي تؤكد جميعها أن عملية الخلق عبارة عن كلمة (كُن)، فهي سريعة جداً وأسرع مما نتصور، قال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117].. هذه الآية تحدثت عن خلق الكون (السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وتحدثت عن سرعة تنفيذ الأمر الإلهي بقوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ).، وهناك العديد من الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة العلمية، قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل: 40]. ، كذلك نجد قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]. ، لقد أخبر القرآن عن خلق الكون (خلق كل شيء) وفق نظام مقدر أي بقوانين محكمة ومنظمة، وفي الوقت نفسه ذكر أن عملية الخلق تتم خلال لمح البصر.. أي خلال جزء من الثانية، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر: 49-50].، وسبحان الله، فكيف يمكن لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يتكلم عن عملية خلق الكون ويعتبرها قد تمت بلمح البصر.. مع العلم أن العلماء فقط اليوم بدأوا يتحدثون عن سرعة بداية الخلق.. من الذي علمه، أليس هو الله؟ ولكن لماذا ذكر الله هذه الحقيقة العلمية؟ : ليدلنا على أن الذي خلق الكون بهذه السرعة الفائقة قادر على إعادة الخلق يوم القيامة بنفس السرعة.. بل بسرعة أكبر!! قال تعالى متحدثاً عن قدرته في إعادة الخلق يوم القيامة: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النحل: 77]. وبذلك يكون القرآن متفقاً مع المنطق العلمي عندما تحدث عن خلق الكون بلمح البصر، وتحدث عن نهاية الكون بلمح البصر أيضاً، لأن العلماء يؤكدون أن الكون سينتهي بنفس الطريقة التي بدأ بها، ولكن بشكل عكسي ، والآن دعونا نتساءل: من أين جاء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بهذه المعلومات الدقيقة، كيف علم أن كل شيء قد تم بلمح البصر.. وكيف تنبأ بأن كل شيء سينتهي بلمح البصر، وبما يتفق مع ما يقوله العلماء اليوم؟ ، إنه الله تعالى القائل في حق هذا النبي الأمي: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].
الدعاء