خطبة عن (الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ)
نوفمبر 3, 2024خطبة عن (البَخْسُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ)
نوفمبر 5, 2024الخطبة الأولى (يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في كتاب الله تعالى: (يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (32) الأحقاف،
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ)، فداعي الله هو (القرآن الكريم، ورسوله الأمين، وهو داعي الله في قلب كل انسان مستقيم)، قال الله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (9) الاسراء، وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (8)، (9) الحديد، وفي مسند أحمد: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ»،
فيا قومنا أجيبوا الله ورسوله إلى ما يدعوكم إليه، وصدِّقوه، واعملوا بما جاءكم به من الحق، فهو لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه، ولا هوى، وإنما يدعوكم إلى ربكم، ليثيبكم، ويزيل عنكم كل شر ومكروه، ولهذا قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وإذا أجاركم من العذاب الأليم، فما ثم بعد ذلك إلا النعيم المقيم، والفوز العظيم، لمن أجاب داعي الله العظيم.
وهذه الدعوة، التي يوجهها الله تعالى لعباده المؤمنين، هي دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة الكريمة، وبكل معاني الحياة، إنها حياة القلب والعقل، بالعقيدة التي تعمر القلب نوراً وهداية، قال تعالى: [أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] [الأنعام:122]. وهي دعوة للعقيدة الصحيحة التي تهدي العقل، وتضبط حركته وعمله، فتحميه من التيه والضياع، وتحفظ عليه جهده وطاقته من التبدد، فترسم له منهج الفكر السليم، وتحدد له المجال الذي يمكن أن يرتاده العقل، ويستطيع أن يعمل فيه،
وأما الذين يرفضون الاستجابة لله ورسوله، فإنهم يرفضون الحياة الكريمة، اللائقة بالإنسان ،فليس لهم إلا الدُّون، ومصيرهم الهلاك، ومآلهم الدمار والبوار، قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وبِئْسَ القَرَارُ]إبراهيم:28- 29. فما أعظم خسارة أولئك الذين آثروا الدنيا الفانية، على الآخرة الباقية الدائمة، وما أعظم ضلال أولئك الذين حصروا الوجود في هذا الذي تقع عليه حواسُّهم قريباً في الدنيا، ويحسبون أن وجودهم محصور فيها، فلا يعملون لغيرها.
أيها المسلمون
(يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)، فحكمة الله سبحانه وتعالى قضت أن يكون الناس فريقين؛ فريق في الجنة، وفريق في السَّعير، فريق مطيع، وفريق عاص، فريق مهتدي، وفريق ضالَّ، ومع هذا فالله سبحانه وتعالى قد بيَّن طريقَ الخيرِ وطريقَ الشَّرِّ على أيدي رسوله وأنبيائه، وجعل الإنسان مخيراً بين أن يسلكَ طريقَ الخيرِ، أو أنْ يسلكَ طريقَ الشَّرِّ،
فيا من قصر في طاعة الله، ويا من سار في معصية الله، إن الله سبحانه وتعالى يدعوك للاستجابة لأمره وأمر رسوله، واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أمرنا بالاستجابة لأمره وأمر رسوله، إنما ذلك رحمة بنا، لكي لا نهلك بالذنوب والمعاصي التي نقترفها ليلاً ونهاراً، فالثمار التي يجنيها العبد من وراء استجابته لأمر الله وأمر رسوله عظيمة وجليلة، لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، بل هي الحياة الحقيقية، فهل تستجيب لهذه الدعوة الكريمة التي وجَّهها إليك رب العزة جل جلاله؛ لتظفر بهذه الحياة الكريمة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (64) العنكبوت
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)، فمن منا يهتف بقومه؟، ومن منا يهتف بمجتمعه؟، ومن يهتف بأقرانه؟، ومن يهتف بأصدقائه وخلانه؟، قائلاً لهم: (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، ومن يهتف بالشاردين والمارقين، بلسان الناصح الأمين: عودوا إلى رب رحيم، توبوا إلى رب كريم، ومن يهتف بمجتمعه ناصحًا ومذكٍّرًا وداعيًا ومحذرًا: يا قومنا احذروا عذاب الله، يا قومنا لا تكونوا كالذين (بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم:28-29]. (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39]، يا قومنا من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما ربك بظلام للعبيد، يا قومنا لا تركبوا مركب العصيان، ولا تتعدوا حدود الملك الديان، ويذكرهم بنداء نبي الله نوح (عليه السلام) لابنه، قال تعالى: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (42)، (43)هود
فمن يحمل هم هذا الدين، ويسير في طريق الأنبياء والمرسلين، فيرحم الناس، ويسعى لهدايتهم، بلا شدة ولا غلظة، فيأخذ بأيديهم إلى الجنة، ويدفعهم عن النار دفعا، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا»، وفي رواية أحمد: (فَجَعَلَ الْفَرَاشَ وَالْجَنَادِبَ يَقَعْنَ فِيهَا – قَالَ – وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا – قَالَ – وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي»، وفي صحيح مسلم: (لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قَالَ انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلاَ أَعْلاَهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ إِنِّي نَذِيرٌ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ يَا صَبَاحَاهْ»، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ».
فهل تستجيب أخي المسلم لهذه الدعوة الكريمة، التي وجَّهها إليك رب العزة، جل جلاله؛ لتظفر بهذه الحياة الكريمة، فتكون بسلوكك واستجابتك هذه مَعْلَماً من معالم الطريق، إنك لست بالخيار، ولن يكون مؤمناً ذاك الذي يُعرض عن دعوة الله، ولا يستجيب لها، فإن الاستجابة لله وللرسول – صلى الله عليه وسلم- هي المحكُّ الحقيقي، والمظهر العملي للإيمان، قال تعالى: [إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] [النور:51].
الدعاء