خطبة عن (تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
فبراير 12, 2025خطبة حول حديث ( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ )
فبراير 15, 2025الخطبة الأولى (يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (45) الأنفال، وفي سنن البيهقي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا الْعَافِيَةَ فَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَأَكْثِرُوا ذَكَرَ اللَّهِ فَإِنْ أَجْلَبُوا وَصَيَّحُوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا»
إخوة الإسلام
في حديث الدجال المذكر أعلاه، وما سيكون في زمانه من فتن عظام، وأحداث جسام، استوقفني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا»، وتذكرت ما تمر به الأمة الاسلامية اليوم من اضطهاد، وتكالب أعداء الاسلام عليها، فعلمت أن النجاة في الثبات على الحق، وهكذا في أوقات الفتن والتيه، واليأس والإحباط، والظلام المخيم، وضنك العيش، وضيق الصدر، وتبدد الأمل، وانعدام الرؤية، وظهور الجبابرة، وإفسادهم في الأرض، وقلة المصلحين، ففي ذلك الحين نحتاج إلى التواصي بهذا الأمر العظيم: «يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا»،
فإِنَّنَا اليوم في زَمَنٍ تَغَيَّرَت فِيهِ الأُمُورٌ، وحُطِّمَت ثَوَابِتُ، وَاقتُلِعَت أُسُسٌ، وتَقَلَّبت الدُّنيَا بِأَهلِهَا، وَتَغَيَّرت الأَحوَالُ فِيهَا، وَلا يَثبُتُ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى شَأنٍ، إلا القليل ممن رحم ربك، وشَرَّ التَّقَلُّبِ فِيهَا هُوَ تَقَلُّبُ القُلُوبِ، وَتَغَيُّرُهَا، وَعَدَمُ ثَبَاتِهَا عَلَى حَالٍ، وفي صحيح مسلم: (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ». فكثيرا ما تحدُثُ مُتَغَيِّرَاتٌ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ وَتُؤثِّرُ في كَثِيرٍ مِنهُم، وَتَجذِبُهُم إِلى أَمرٍ سَيِّئٍ، وَتُنَفِّرُهُم مِن آخَرَ حَسَنٍ، فَيَنحَرِفُ مُستَقِيمٌ، وَيَتَسَاهَلُ مُتَمَسِّكٌ، وَيَفتُرُ مُجتَهِدٌ، وَيَتَكَاسَلُ نَشِيطٌ، غَيرَ أَنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ في تَعَامُلِهِ مَعَ رَبِّهِ، وَسَيرِهِ إِلَيهِ، لا يَتَأَثَّرُ كَثِيرًا بما حَولَهُ؛ لأَنَّهُ لا يُرِيدُ إِلاَّ مَا عِندَ اللهِ، وَاللهُ تَعَالى بَاقٍ لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ بَشَرًا لا يَنفَكُّ عَن ضَعفٍ وَفُتُورٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يُمكِنُ وَإِنْ ضَعُفَ أَو فَتُرَ، أَن يَتَجَاوَزَ دَائِرَةَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ…
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَلزَمْ صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ، وَلا نَغتَرَّنَّ بِكَثرَةِ الهَالِكِينَ، فَإِنَّ الحَقَّ بَاقٍ إِلى يَومِ القِيَامَةِ، وَأَهلُهُ مَوجُودُونَ إِلى أَن يَأتيَ أَمرُ اللهِ، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». فالسَّعِيدُ مَن كَانَ مِن أَهلِ الحَقِّ ومع أهل الحق وَإن قَلُّوا، وَالشَّقيُّ مَنِ اغتَرَّ بِكَثرَةِ الهَالِكِينَ، فَسَقَطَ مَعَهُم وَتَبِعَهُم،
أيها المسلمون
إِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ، أَنَّ أَوقَاتَ الغُربَةِ والفتن الَّتي يُعصَرُ النَّاسُ فِيهَا عَصرًا، وَيُغَربَلُونَ ، لا تَخلُو مِن رِجَالٍ قَد صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ، فَهُم صاَبِرُونَ مُصَابِرُونَ مُرَابِطُونَ، ثَابِتُونَ على الحق مُستَقِيمُونَ، فصَاحِبُ الصَّلاةِ مِنهُم في مَسجِدِهِ، يَتَنَفَّلُ وَيَتَعَبَّدُ، وَمُحِبُّ العِلمِ في زَاوَيَتِهِ يَتَعَلَّمُ وَيُعَلِّمُ، وَعَاشِقُ الدَّعوَةِ في مَيدَانِهِ يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَى عَنِ المُنكَرِ، وَمَمدُودُ اليَدِ بِالعَطَاءِ وَالإِحسَانِ عَلَى عَطَائِهِ وَإِحسَانِهِ يُنفِقُ وَيَبذُلُ، وَحَسَنُ الأَخلاقِ عَلَى طِيبِ تَعَامُلِهِ وَمَحمُودِ طِبَاعِهِ، وَيَكفِي هَؤُلاءِ الغُرَبَاءَ الصَّابِرِينَ أَنَّهُم في نِعمَةٍ لَيسَت كَالنِّعَمِ، وَأَنَّهُم مَوعُودُونَ بِأَوفى الجَزَاءِ وَأَعظَمِهِ،
فحقيقٌ على كل مسلم أن يجعلَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا) نُصْبَ عينِه، وهو يرى أركانَ الدين وعُمَدَه تهدمُ، وعُرَاه تُنقَض، ويرى في صفوف المسلمين الوهن والضعف ،والأعداء يكيدون لهم كيدا، ويرى الشك في الله يسري في بعض أبناء المسلمين، فيقولون: (متى نصر الله؟)، ويرى المسلم الطعنَ في صحيح السنة النبوية، ويتألمُ لمسلّماتِ الدين صارت حمى مستباحا، وأضحت لحوم العلماء لحما طريا، ورُوّج للأقوال الشاذة، وأصبح استحلال الخمر والمعازف والربا تحضرا وتمدنا، فيقلّبُ المسلم ناظريه، فيُدْمي قلبه ما يراه من انتكاساتٍ، ويلتفتُ فيرى فتنا كقطعِ الليلِ المظلمِ، فيصيحُ بأخيه المسلم الثبات الثبات : (يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا)، وعندما يرتفعُ صوتُ النفاق: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12]؛ فإن العلماء الربانيين يَبُحَّ صوتَهم بالثبات الثبات: (يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا) .
(فيَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا): فالثبات هو طوقُ النجاةِ من طوفانِ الفتنِ الجارف، وهو ركنُ المؤمنِ في دولَةِ الباطلِ، كما جعل اللهُ الثبات في قلب أم ذلك الرضيعِ الذي تكلم في المهد، ففي صحيح مسلم في حديث الأخدود الطويل: (فَأُتِىَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ. فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ». إنه الإيمان والثبات على الحق، وهكذا ينبغي على الإنسان عند الفتن، أن يكون ثابتًا راسخاً، لا تزعزعه العواصف، قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (22) الاحزاب،
(يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا)، والثبات ليس قولا يُزخرَف، ولا كلمات تُحلّى، ولكنه وَجَلٌ في قلوب الأولياء، تترجمه فعالُهم، فيتواصون بالصبر والحق، ويركنون إلى العلم، فرارا من الفتن، ويملكون زادا من أعمال القلوب، فيثبون حين يزيغُ الناس، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم:27]. فالثباتُ منحةٌ ربانية يمنحُها الله لمن يستحقّ، ولا يُنال بالتمني، ولا بالتسخط على الواقع، وإنما يُنالُ ببذل أسبابه: صدقا مع الله، وإلحاحا في السؤال، وثنيا للرُكَبِ عند أهل العلم، وصبرا على ما تلقاه في سبيل دينك.
(يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا)، فالثباتُ ينالُه من كان الدينُ همَّه، والهمُّ بالدنيا أكبرُ الروافدِ إلى مستنقع التنازلات، قال الله -تعالى عن عالم السوء- (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف:176]. واعلموا أن مركب السائرِين إلى الله في الثبات هو الصبر، وما أدراك ما الصبر؟ لقد أمرَ الله به في كتابه الكريم، ولولا الصبر لمَا فازَ من فازَ (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:111]، وقال تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:12]، وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان:75].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (45) الأنفال، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن البيهقي: «لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا الْعَافِيَةَ فَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَأَكْثِرُوا ذَكَرَ اللَّهِ فَإِنْ أَجْلَبُوا وَصَيَّحُوا فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ»، فمن مواطن الثبات: الثّبات في الجهاد في سبيل الله: قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:٤6]. وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (146): (148) آل عمران،
ومن كبائر الذنوب الفرار من الزّحف، ففي مسند أحمد: يقول صلى الله عليه وسلم: (وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ)، وفي الصحيحين: (عَنِ الْبَرَاءِ – رضي الله عنه – قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا. فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا. إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا)،
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات، ويعلم أصحابه أن يسألوا الله أن يثبتهم، ففي سنن الترمذي: (عن عَاصِم بْن كُلَيْبٍ الْجَرْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ وَبَسَطَ السَّبَّابَةَ وَهُوَ يَقُولُ «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». وفيه أيضا: (أن شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا وَقَلْبًا سَلِيمًا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ).
والثبات في الأمر: أي الثبات على الدين والهداية، والاستقامة على الطاعة في كل الأحوال والأوقات فدعاء الثبات مهم من مهمات الأدعية في هذا الزمان، زمان الفتن والافتتان، والتفلت والانفلات، والنكوص على الأعقاب، والزهد في الدين وشعائره وشرائعه.. فاللهم إنا نسألك الثبات في الأمر.
الدعاء