خطبة عن (هيا بنا نبايع الله ورسوله)
أبريل 16, 2019( دروس عن أهم أحداث العام العاشر للهجرة والأيام الأخيرة من حياة الرسول
أبريل 17, 2019الخطبة الأولى ( يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (27) المائدة
إخوة الإسلام
اليوم إن شاء الله موعدنا مع قوله تعالى 🙁 إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (27) المائدة ، فهذا أبو الدرداء كان يقول : (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة ،أحب إلي من الدنيا وما فيها ، إن الله يقول : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ويقول معاذ بن جبل : يحبس الناس في بقيع واحد ، فينادي مناد : أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن ، لا يحتجب الله منهم ،ولا يستتر . قلت : من المتقون؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان ، وأخلصوا العبادة ، فيمرون إلى الجنة ، قَالَ الله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا عليها ،ولا يثيب إلا عليها ،فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل . وسئل موسى بن أعين عن قوله تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} ،فقال: تنزهوا عن أشياء من الحلال ،مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم متقين . ودخل سائل على (ابن عمر) رضي الله عنه ،فقال لابنه اعطه ديناراً ،فاعطاه ، فلما انصرف قال ابنه : تقبل الله منك يا أبتاه ، فقال : لو علمت أن الله تقبل مني سجدةً واحدةً ،أو صدقة درهم ،لم يكن غائب أحب إلي من الموت ،تدري ممن يتقبل الله :{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} ،وروى ابن جرير :عن عامر بن عبدالله العنبري ،أنه حين حضرته الوفاة بكى، فقيل له : ما يبكيك، فقد كنت ،وكنت ؟ فقال يبكيني أني أسمع الله يقول : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} ، فلعل أحدنا يتقرب إلى الله بالملايين الملوثة بالرياء ،والكسب الحرام ، وأكل مال الفقراء ، وربما دم الأبرياء؛ ويظن أنه قدم لله ما يليق، ونسى أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب. ولعل أحدنا يتصدق لله سراً بأقل القليل ، ولكنها معطرة بالطهر والصدق والتقى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فمن منا أشغله هذا الهاجس !! ، قبول العمل أو رده , في هذه الأيام ؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء ، أن يتقبل الله منه عمله الصالح ؟ قال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله وهو يصف الصحابة : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح ،فإذا فعلوه وقع عليهم الهم ، أيقبل منهم أم لا ؟ ، هكذا حمل الصالحون من المتقدمين والمتأخرين همَّ القبول ،أكثر من همَّ العمل؛ لأن العمل من كسبهم ،وسعيهم، ويقدرون عليه، ولكنهم لا يضمنون قبول العمل؛
أيها المسلمون
والتقوى درجات، فمن حقق الإخلاص ، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في عمله الصالح، واجتنب المحرمات ،كان من المتقين، وهو أحرى بالقبول ممن يقارف المحرمات، ومن ترقى إلى اجتناب المتشابهات ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَتْقَى لِلَّهِ تَعَالَى ، كَانَ أَشَدَّ خَشْيَةً وَخَوْفًا مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الْعَمَلِ؛ لِعِلْمِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى ،وَمَا يَجِبُ لَهُ سُبْحَانَهُ ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (57) :(61) المؤمنون ، فأُولَئِكَ قَوْمٌ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَسَارَعُوا فِي الْخَيْرَاتِ، وَهُمْ يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَمَا خَوْفُهُمْ إِلَّا مِنَ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ. قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: «الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل». {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} وتعليق قبول العمل بتحقيق التقوى ،قد عظم بها هَمُّ الصحابة والتابعين، وأبكت العباد الصالحين، وأقلقت الزهاد الورعين، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: «كُونُوا لِقُبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ هَمًّا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ تعالى يَقُولُ : ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ ، ومن الصحابة من كان يتمنى أنه يعلم قبول عمل له ولو كان قليلا جدا؛ وذلك لعظمة القبول في نفوسهم؛ ولعلمهم أن من قُبل عمله نجي من العذاب، وفاز بالجنة والرضوان؛ لأن الله تعالى كريم ،يجزي على القليل كثيرا، فكان همهم متوجها إلى القبول، لا إلى العمل ولا إلى جزائه، قال فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه: «لَأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ :﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينِ ﴾
أقول قولي وأستغفر الله لي وكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا مع قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَا تَثِقْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُقْبَلُ مِنْكَ أَمْ لَا، وَلَا تَأْمَنْ ذُنُوبَكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي كُفِّرَتْ عَنْكَ أَمْ لَا، إِنَّ عَمَلَكَ مُغَيَّبٌ عَنْكَ كُلَّهُ، مَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، أَيَجْعَلُهُ فِي سِجِّينٍ أَمْ يَجْعَلُهُ فِي عِلِّيِّينَ». وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صَلَاةً، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صِيَامًا، اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي حَسَنَةً، ثُمَّ قَالَ: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ وقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَشْتَدُّ مِنْهَا خَوْفُ السَّلَفِ عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ. وَكَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ بِإِتْقَانِ الْعَمَلِ وَتَحْسِينِهِ دُونَ مُجَرَّدِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ، فَإِنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعَ التَّحْسِينِ وَالْإِتْقَانِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَثِيرِ مَعَ عَدَمِ الْإِتْقَانِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَقُومَانِ فِي الصَّفِّ وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمْ بَيْنَ مَنْ تَصْعَدُ صَلَاتُهُ لَهَا نُورٌ وَبُرْهَانٌ كَبُرْهَانِ الشَّمْسِ. وَتَقُولُ: حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَبَيْنَ مَنْ تُلَفُّ صَلَاتُهُ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا، وَتَقُولُ: ضَيَّعَكَ اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي.فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ التَّقْوَى، وَيُكْثِرَ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَبُولَ .وقوله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فيه دليل على أن الله لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق، ولا يقبل عملا صالحا من كافر ومشرك ما لم يؤمن ، فما عمله الكافرون من خير ، لا يثابون عليه في الآخرة ، ما داموا قد ماتوا على الكفر، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) {الزمر:65}، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ : « لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ». فالإسلام شرط لقبول العمل الصالح، والإثابة عليه في الدار الآخرة، وحقا ما قال ربنا : ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾
الدعاء