خطبة عن (يوم عرفة وفضائله)
يونيو 1, 2024خطبة عن (يوم عرفة) 1
يونيو 1, 2024الخطبة الأولى ( يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ التبَاهِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ».
إخوة الاسلام
يوم عرفة ــ يوم عظيم مبارك ــ تتجلى فيه رحمة الله على عباده ــ ويباهى الله بحجاج بيته الحرام الملائكة ،ويشهدهم انه قد غفر لهؤلاء الذين جاءوا من كل فج عميق ،شعثاً غبراً ،لا يقصدون إلا التوبة والتقرب إلى الله ــ عز وجل ــ وقد تجردوا من زينة الدنيا ،وقطعوا صلتهم بها ،وارتدوا ازارا ورداء أشبه بالكفن، وفي يوم عرفة تتجسد وحدة الأمة الإسلامية وترابطها على اختلاف اللون والجنس واللغة، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (92) الأنبياء. وقد أراد الله عز وجل لهذه الأمة الاتحاد والاعتصام، ولم يرض لها التفرق والاختلاف ، قال الله تعالى 🙁وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران (103) . وتظل الأمة متماسكة ما استمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتتجلى هذه الصورة الرائعة لهذا الاتحاد والاعتصام في يوم عرفة فالكل في صعيد واحد ،ويتجه إلى رب واحد ،وقبلة الجميع واحدة ،ويؤدون أعمالا واحدة ويعاون القوي فيهم الضعيف. ويوم عرفة يوم الدعاء ،ففي هذا اليوم يتضرع الحجاج بالدعاء طالبين من الله تعالى الرحمة والمغفرة ،وطامعين في استجابة دعائهم وتضرعهم ،حيث وعدهم الله ووعده الحق، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر (60). وفي سنن الترمذي: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ،فيوم عرفة هو يوم الدعاء.. والدعاء مخ العبادة ،فيدعو الحاج ربه بقدر ما يستطيع ، ويجتهد في الدعاء لنفسه ولأهله وللمسلمين, لأن الموقف موطن اجابة. وفي سنن الدارقطني : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ عَدَدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ يَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ». لذلك يكون الشيطان أغيظ ما يكون في هذا اليوم لأن جهده الذي يقضيه طوال العام لإغواء الناس واضلالهم يضيع هباء في يوم واحد. ففي موطإ مالك: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلاَّ مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ » .قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ ». ففي هذا اليوم العظيم يمن الله تعالى على من نزلوا ضيوفا عليه ،معلنين اخلاصهم لله عز وجل ،ومعلنين صدق نياتهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى وتلهث ألسنتهم وقلوبهم بالدعاء ، ونفوسهم بالرجاء ،داعين خالق الأرض والسماء أن يغفر لهم وسبحانه ،فهو الغفور الرحيم ،يغفر الذنوب والمعاصي لمن يشاء, وروى ابن حبان عن جابر رضي الله عنه، مرفوعاً أيضاً: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار، من يوم عرفة) وفي المعجم الأوسط للطبراني :من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في حديث الرجلين اللَّذين جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه عن أمر دينهم، وكان من جوابه لهما: (وأما وقوفك بعرفة، فإن الله تبارك وتعالى ينـزل إلى سماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاؤوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كان عليك مثل رمل عالج، أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوبًا، غسلها الله عنك).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ التبَاهِي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعند ابن عبد البر في “تمهيده” من رواية أنس رضي الله عنه، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف قاعداً، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فذكر حديثاً فيه طول، وفيه: (وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا، ثم يباهي بكم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً سُفْعاً، يرجون رحمتي ومغفرتي؛ فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزَبَد البحر، لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له). وروى ابن عبد البر أيضاً، بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: (يا بلال! أنصت لي الناس) فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصت الناس، فقال: (معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات) فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، هذا لنا خاص، فقال: (هذا لكم، ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة) فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب). ومن فضائل يوم عرفة أنه يومُ عيدٍ لأهل الإسلام، كما قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال ابن عباس: (نزلت في يوم عيد، في يوم جمعة، ويوم عرفة)، وقال عمر: (كلاهما بحمد الله لنا عيدا، وهو عيد لأهلِ الموقف خاصة، ويوم عرفة فيه تذكير للمسلمين بأن يخلصوا لله رب العالمين: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وان يتذكروا يوم القيامة حيث يقف الناس مثل هذا الموقف ،وفي ذلك دعوة إلى أن يحاسب كل منا نفسه قبل يوم الحساب (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم) .
الدعاء