خطبة عن ( عقوبة آكل الربا والتعامل به )
يناير 30, 2016خطبة عن ( الربا: حكمه ومعناه وأقسامه )
يناير 30, 2016الخطبة الأولى ( الربا : أقسامه وصوره )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (275)،(276) البقرة ،
إخوة الإسلام
إن التعامل بالربا محرم ،ووردت حرمته في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنه من الذنوب الكبائر المهلكات ، وللربا قسمين : القسم الاول ويسمى ( ربا النسيئة) : وهو ( الزيادة على رأس المال في نظير تأخير أجل سداد الدين) ، وكذلك إذا اشترط المقرض علي المقترض أن ينتفع مقابل الإقراض فيزرع أرضه مثلا ، أو ينتفع بدابته ، فكل قرض جر نفعا فهو ربا ، والقسم الثاني من الربا هو ربا الفضل : وهو مبادلة الجنس بجنسه مع الزيادة متقابضين في المجلس أو غير متقابضين كبيع التمر بالتمر صاعا بصاعين أو أكثر، ففي صحيح مسلم (عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ نَعَمْ غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً أَنْ يَبِيعَهَا فِى أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِى ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا ). فبين رسول الله في هذا الحديث أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا بشرطين، الأول: أن يكونا سواء في الوزن لا يزيد أحدهما على الآخر، والثاني: أن يكون ذلك يدا بيد بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصاحبه ما بادله به قبل أن يتفرقا فإن زاد أحدهما على الآخر فهو ربا والعقد باطل، وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقد باطل، وهو من الربا أيضا، وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضة أو البر بالبر أو الشعير بالشعير أو التمر بالتمر أو الملح بالملح فلا بد من هذين الشرطين: التساوي في الوزن أو الكيل والقبض من الطرفين باع شخص سوارين من ذهب بمائتي ريال وكل واحد يساوي مائة فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ولا يصح البيع إلا في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لأن ما يقابله من الثمن لم يقبض.
وقد اختلف الفقهاء فيما بينهم حول الأصناف الستة التي ذكرها رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي ( الذهب – والفضة والبر- والشعير – والتمر – والملح ) هل الربا في هذه الأصناف الستة فقط أم أن هذه الأصناف إنما ذكرت على سبيل المثال فقط ، والذي عليه جمهور العلماء أنها ذكرت على سبيل المثال لا الحصر وأن التحريم يكون في كل الأطعمة التي توزن أو تكال ،ومن صور الربا – أيضا – بيع عملات الدول المختلفة عملة بأخرى دون تسليم وقبض المبيعين أو أحدهما في مجلس البيع. وكذلك بيع الذهب بالأوراق النقدية دون قبض. ، والحكمة في هذا التحريم هو منع الغبن والشعور بالظلم وعدم التراضي وهو ركن أساسي من أركان البيع والشراء ،وقد يقول قائل أين الربا في التعامل مع البنوك والمؤسسات المصرفية فأقول معاملتك مع البنوك لها صورتان إما مقترض من البنك وإما مودع في البنك فإذا كنت مقترضا من البنك فان البنك يسترد منك المبلغ الذي اقترضته وزيادة عليه الفوائد التي يحددها البنك وهذا هو عين ربا النسيئة (وهو الزيادة على راس المال في نظير تأخير أجل سداد الدين ) أو قل مقابل تقسيط سداد القرض ، وقد يقول قائل أنا أخذت الأموال من البنك لا بغرض القرض ولكن بغرض إقامة مشروع إنتاجي والبنك يدفع المال وأنا بالعمل وهذه الصورة تسمى في الشرع ( المضاربة أو المرابحة أو قراضا ) وهذه المبالغ الزائدة علي رأس المال ( الفوائد ) هي نصيب البنك في المشروع وليست فوائد فأقول إذا كانت نيتك كذلك فإن التعامل بنظام المضاربة في الإسلام له أحكامه و من هذه الأحكام أولا (أن يكون لرب المال ( صاحب المال أو الممول ) جزء معلوم من الربح وليس من رأس المال ) والبنك يحسب فوائده على رأس المال وليس علي الأرباح ، ثانيا في النظام الإسلامي في حالة الخسارة أو تلف المال أو فقده بغير قصد تكون الخسارة على الطرفين ولكن البنك يأخذ فوائده في حالة المكسب والخسارة وفي حالة التلف والفقد والضياع وعلى ذلك تكون هذه المضاربة فاسدة لأنها فقدت شروطها ويكون التعامل بها محرما الصورة الثانية من صور التعامل مع البنوك أن تودع مالك في البنك فإذا كانت نيتك إقراض البنك وأخذت فوائد على قرضك فهو زيادة على راس المال أو قل قرض جر نفعا فهو ربا محرم وإن قلت البنك يقيم مشروعات وأنا أودع مالي بغرض مشاركة البنك في مشروعاته وما أصرفه من فوائد هي أرباح من المشروعات التي يمولها البنك أقول لك : أولا من المعلوم ان نظام البنوك التجارية في العالم كله بما فيها العالم الاسلامي لا يقوم على أساس إقامة المشروعات ولكن يقوم أساسا على نظام الإقراض والبنك يستفيد بالفرق بين الفائدتين ( المودع والمقترض ) ، ثانيا لو فرضنا جدلا أن البنك يقوم أحياننا بعمل مشروعات فإن شراكتك مع البنك فاسدة لأنك لا تشارك البنك في المكسب والخسارة بل تصرف فوائدك عند المكسب والخسارة وتطالب بأموالك حتى ولو تلف المشروع أو ضاع بغير قصد هذا بجانب أنك تصرف الفوائد علي أساس رأس المال وليس علي أساس الأرباح وعليه تكون شراكتك مع البنك شراكة فاسدة لأنها فقدت شروطها وتكون معاملتك محرمة في كل الأحوال و من المؤسف أن كثيرا من المسلمين صاروا يتحايلون على هذا الربا بأنواع من الحيل، والغرض أن يتوصل الشخص إلى الشيء المحرم بشيء ظاهره الحل فيستحل محارم الله بأدنى الحيل.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الربا )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونستكمل الحديث عن الربا : فمن صور الربا والتي يحتال بها الناس :أن يشتري سيارة او عقار او أجهزة ويدفعها البنك ويقسطها للعميل والبنك لم يستلم البضاعة ولكن يبيع ويشتري علي الورق فكأنه باع مالا يملك وهي صورة من صور التحايل على أكل الربا ومن صور التحايل على أكل الربا أن تذهب إلى المعرض وشتري البضاعة بثمن ثم تبيعها له في الحال وقبل أن تستلمها و بثمن أقل من ثمن الشراء فهذا بيع محرم ، ففي سنن البيهقي وغيره (زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ : لاَ تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلْعَةُ حَيْثُ تَبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ.) يعني في المكان الذي اشتريت فيه وهكذا يتحايل بعض الناس على أكل الحرام كما فعل من قبلهم بنو اسرائيل عندما حرم الله عليهم أكل بعض الشحوم فباعوها ففي صحيح مسلم وغيره (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا ». وأقول لكم ناصحا وأمينا أن من تعامل بهذه المعاملات سواء أكان آخذاً أو معطياً أو كاتباً أو شاهداً فهو من المرابين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المحاربين لله ورسوله ففي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ) ( يعني في الإثم)).
إخوة الإسلام
مما سبق يتبين لنا جليا لماذا حرم الله سبحانه وتعالى التعامل بالربا وذلك لما فيه من استغلال فاحش لذوي الحاجات فالتعامل بالربا يزيد الفقير فقرا ويزيد الغني غنى ولا ينظر إلى إعانة المحتاج أو تفريج الكروب او التيسير على المعسرين أو قضاء حوائجهم وبالتالي تقطع الصلات بين الناس وتقطع الأرحام وتضيع أدنى حقوق المسلم على أخيه المسلم وهي الرحمة به والعطف عليه والإحسان إليه والوقوف بجانبه في وقت الشدة و عندها يحقد الفقراء على الاغنياء وتسود الضغائن والأحقاد بين أفراد المجتمع فيضعف المجتمع وتتفاقم مشاكله ، أيضا التعامل بالربا يعطل المال العام ولا يستثمره في رفع الإنتاج فالقروض أغلبها استهلاكية وليست إنتاحية وبالتالي لا تسهم في رفع الانتاجية فيصح المجتمع مستهلكا لا منتجا ، لهذه الأسباب كان المرابي من أسوا الناس حالا وأتعسهم حظا وأخبثهم نفسا وطبعا ونستكمل إن شاء الله
الدعاء