خطبة عن ( خلق التغافل بين الزوجين، والأبناء)
ديسمبر 15, 2016خطبة عن ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ)
ديسمبر 17, 2016الخطبة الأولى ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (169) البقرة ،وقال تعالى : ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (88)المائدة ،وقال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (114) النحل
إخوة الإسلام
إن من نعم الله سبحانه تمكينه لعباده في الأرض، وتهيئته لهم من أنواع الرزق وطيِّب الثمار ما يقتاتون به وتتغذى به أبدانهم ؛ ليتناولوا من الطيِّب المباح ويحمدوا الربَّ الكريم ويشكروه على منّه وعطائه وفضله ، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف:١٠] والواجب على المسلم أن يعي هذه الحقيقة جيداً وأن يعلم أن الرب الكريم والرزّاق المحسن سبحانه هيأ في هذه الأرض وجوه المكاسب الطيبة وأنواع الأرزاق المباحة وهيأ لهم السبل ، يقول الله جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:١٥] ؛ ولنا هنا وقفة، فقد ختم الله تبارك وتعالى هذه الآية بقوله: ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ أي المرجع والمآب ، فأنت في هذه الحياة لك أمدٌ محدود ، ووقتٌ معدود ،من بعده تنتقل إلى الله عز وجل ، وتقف بين يديه سبحانه ، ويسألك عما قدمت في هذه الحياة ، وإن مما سيسألك الله عنه يوم القيامة مالك ومطعمك ومشربك يسألك عن ذلك كله إذا وقفت بين يديه ، وفي سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ». فيا أيها المسلم الراشد ويا أيها المؤمن الناصح انصح لنفسك وأنت في هذه الحياة قبل الوقوف بين يدي الله جل وعلا وأعد للسؤال جوابا وأعد للجواب صوابا فإنك والله مسئولٌ أمام الله جل وعلا . وإن من نعمة الله على عباده معاشر المؤمنين : أن هيَّأ لهم أنواع المكاسب الطيبة ووجوه الأرباح المباحة وجعل أمْر الحلِّ بينا وأمْر الحرام بينا وتأمل هذا فيما ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ )) ، وقد قسَّم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأشياء إلى ثلاثة أقسام : – قسمٌ حِلٌّ بيِّنٌ : أي يعرِف حلَّه كلُّ مسلم ولا يشتبه أمره على أحد فهو حلٌّ بيِّن أي واضحٌ حلّه لاشتباه فيه. – والقسم الثاني عباد الله وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالحرام البيِّن : أي الواضح حرمته لكل أحد فلا يشتبه على مسلم حرمته ، وهذا يتناول أنواع المحرمات التي جاءت الأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دالة على حرمتها مبيِّنةً سوء خطرها وسوء مغبَّتها ، فهي أمورٌ محرمةٌ بيِّنٌ حرمتها . – وقسم ثالثٌ عباد الله وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مشتبِه ؛ مشتبهٌ ليس على الناس كلهم وعلى المسلمين جميعهم وإنما هو مشتبهٌ على كثير من الناس (( أمور مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)) أي جُهَال المسلمين وعوامهم ومن ليس عندهم علمٌ ولا فقه ولا بصيرة في دين الله ؛ فإن أمثال هؤلاء تشتبه عليهم بعض الأمور وتلتبس عليهم بعض الأشياء فلا يدرون أهي حلٌّ بين أم حرام بين ؟ وهنا يظهر مقام العلماء ومكانتهم الرفيعة ومنة الله عليهم بزوال الاشتباه واتضاح الأمور وعدم التباسها ، ((لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)) أي أن من الناس من يعلمونهنَّ وهم العلماء الراسخون والفقهاء المحققون الذين لا غنى للمسلمين عن نصحهم وبيانهم وسؤالهم واستفتائهم والاسترشاد بعلومهم وفقههم ، فما أعظم أثرهم على الناس وما أوسع نفعهم، وكيف لا وهم ورثة الأنبياء !.
عباد الله
ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الطريقة السديدة والمسلك الرشيد عند اشتباه الأمور والتباسها إلى ماذا يصير الإنسان وماذا يفعل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام (( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ )) ؛ أي ابتعد عنها ولم يقاربها فإنه بذلك يستبرئُ لدينه أي فيما بينه وبين الله ، ويستبرئُ لعرضه أي ما بينه وبين الناس ؛ أي يطلب البراءة لدينه وعرضه . وبهذا يُعلم معاشر المؤمنين أن طلب البراءة للعرض والدين إنما يكون باتقاء الشبهات والبعد عنها ، أما إذا كان الإنسان يقارف الشبهات ويستهين بها ويستخفُّ من شأنها فإنها يوماً من الأيام ولابد ستنقله إلى الحرام البيِّن وتوقعه في حظيرته كما قال عليه الصلاة والسلام ((فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ )) ؛ أي أن الشبهات – عباد الله – تنقل من يقع فيها إلى الحرام البين . ((وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ )) فحمى الله عز وجل التي حرمها على عباده هي المحارم ، هي الأمور التي نهى عباده عنها ، والكياسة والفطنة أن يكون العبد بعيداً عن المحرمات أشد البعد ، وبعيداً في الوقت نفسه عن الوسائل المفضية والأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ؛ ومن ذلك التهاون في الأمور المشتبهات. ففي هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل والنابل والتبست فيه كثيرٌ من الأمور على الناس فالواجب على المسلم أن يطلب دائماً وأبدًا البراءة لدينه وعرضه ليلقى الله عز وجل بحالةٍ طيبة وببُعدٍ عن المحرمات وأسبابها ووسائلها روى الإمام أحمد في مسنده عن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ )) . وروى الإمام مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم: (( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) . وعندما تتشكك من أمرٍ أهو من الحلال البيِّن؟ أو من الحرام البين؟
فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الترمذي والنسائي من حديث أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله عليه وسلم رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ )) ، ومن الصور الرائعة والنماذج المؤثرة في هذا الباب : ما رواه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (( كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ )) انظروا إلى هذه الصورة عباد الله شيءٌ دخل في جوفه على أصل الحل والإباحة ولما تبينت له الحرمة واتضح له حال هذا المال أخرجه من جوفه وتقيّأه ، فكيف – عباد الله – ممن يزدردون ويبتلعون أموالاً يعرفون حرمتها ويتضح لهم عدم حلِّها وليل نهار يدخلونها في أجوافهم ويملؤون بها أمعاءهم وأمعاء أبنائهم وأهليهم ألا يتقون الله
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فإن طلب الحلال واجب على كل مسلم , وقد جاء الشرع الحنيف بالحث على السعي في تحصيل المال واكتسابه من طريق الحلال على أنه وسيلة لغايات محمودة ومقاصد مشروعة، وجعـل للحصول عليه ضوابط وقواعـد واضحة المعالم، لا يجوز تجاوزها ولا التعدي لحدودها كي تتحقق منه المصالح للفرد وللجماعة. ولقد تضافرت النصوص من القرآن والسنة تحث على أكل الحلال الطيب؛ قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنفال: 69). وقال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل: 114). وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (البقرة: 168) قال الإمام ابن كثير:” أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبًا، أي: مستطابًا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان.” فيجب عليكم تحري الحلال في مأكلكم ومشربكم وجميع شئون حياتكم؛ ولتكن لكم القدوة في سلفنا الصالح في تحري الحلال، وروى عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر ، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر ، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر، بل انظر كيف فرَّق- بحلاوة إيمانه ومذاقه- بين طعم الحلال وبين ما فيه شبهة. وروي عن على بن معبد أنه قال: كنت ساكناً في بيت بكراء، فكتبت كتاباً وأردت أن آخذ من تراب الحائط لأتربه وأجففه، ثم قلت: الحائط ليس لي، فقالت لي نفسي: وما قدر تراب من الحائط؛ فأخذت من التراب حاجتي، فلما نمت فإذا أنا بشخص واقف يقول: يا علي بن معبد، سيعلم غداً الذي يقول: وما قدر تراب من حائط!!. (إحياء علوم الدين) انظر إلى ذلك وإلى حالنا ؛ فكثير من الناس يهتم بجمع المال دون النظر إلى مصدره أمن حلال أم حرام؟!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ” ( البخاري ) فواجب عليكم تحري الحلال والبعد عن المتشابه والحرم، والرشاوى والوساطة والمحسوبيات، احفظوا حقوق الناس؛ أنجزوا أعمالهم أوفوا بالعقود والعهود، اجتنبوا الغش والتدريس والمماطلة والتأخير واتقوا الله جميعاً في أنفسكم وفي أولادكم لا تطعموهم الحرام فإنهم يصبرون على الجوع ولا يصبرون على حر النار، فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به . وأختم بهذه القصة الجميلة – في تحرى أكل الحلال – جاء رجل إلى الإمام الشافعي يشكو له ضيق حاله وأخبره أنه يعمل أجيرا بخمسة دراهم؛ وأن أجره لا يكفيه؛ فما كان من الشافعي إلا أن أمره أن يذهب إلى صاحب العمل ويطالبه بإنقاص أجره إلى أربعة دراهم بدلا من خمسة؛ وامتثل الرجل لأمر الشافعي رغم أنه لم يفهم سببه!! وبعد فترة عاد الرجل إلى الشافعي وقال :لم يتحسن وضعي إنما مازالت المشكلة قائمة؛ فأمره الشافعي بالعودة إلى صاحب العمل وطلب إنقاص أجره إلى ثلاثة دراهم بدلا من أربعة دراهم.؛ ذهب الرجل ونفذ ما طلب منه الإمام الشافعي مندهشاً!!! وبعد فتره عاد الرجل إلى الشافعي وشكره على نصيحته؛ وأخبره أن الثلاثة دراهم أصبحت تغطي كل حوائجه وتفيض؛ بعدها سأله عن تفسير هذا الذي حدث معه؛ فأخبره الإمام الشافعي: أنه كان من البداية يعمل عملا لا يستحق عليه إلا ثلاثة دراهم وبالتالي الدرهمان الباقيان لم يكونا من حقه؛ وقد نزعا البركة عن بقية ماله عندما اختلط به. وأنشد: جمع الحرام على الحلال ليكثره ……. دخل الحرام على الحلال فبعثره
الدعاء