خطبة عن (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)
نوفمبر 17, 2016خطبة عن حديث (أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)
نوفمبر 19, 2016الخطبة الأولى ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ : من أسباب مصارع الأمم وهلاكها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (36) النحل ،وقال تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (40) العنكبوت ، وقال تعالى : (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (48) الزخرف ، وروى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري : (عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْحِجْرِ قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ » . ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ) .
إخوة الإسلام
كل البشر يسعَون إلى الحياةِ الهانِئة السعيدة، ويُسخِّرون كل إمكاناتهم وطاقاتهم لتجنُّب أسباب الشقاء والعذاب، فضلاً عن الفناءِ والهلاكِ، فإذا تحقَّق لهم خيرٌ حافَظوا عليه بكل الوسائل وخافوا من فواته أو نقصِه. وكم من أمةٍ كانت آمنةً مُطمئنَّةً تُجبَى إليها ثمراتُ كلِّ شيءٍ، ويأتيها رزقُها رغدًا من كل مكانٍ، ولم يخفِق فيها قلبٌ من خوفٍ، ولم تتضوَّر نفسٌ من جوعٍ، فانقلبَت أحوالُها في طرفةِ عينٍ، فإذا بالنعمةِ تزول، وإذا بالعافيةِ تتحوَّل، وإذا بالنِّقمةِ تحِلُّ. وكم حكَى الزمانُ عن دولٍ وأممٍ وأفرادٍ وجماعات أتَت عليهم عقوباتٍ تستأصِلُ شأفتَهم، وتمحُو أثرَهم، لا ينفعُ معها سلاحٌ ولا تُغني معها قوَّةٌ، وكلُّ أحدٍ من البشر له مدفعٌ ومنه حِيلة، ولا ملجأَ من ربِّنا ولا منجَا منه إلا إليه، فهو القويُّ القاهِر، والعزيزُ القادِر، وهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه. ولله مع خلقهِ أيامٌ وسُنن، فأين ثمود وعاد؟! وأين الفراعِنةُ الشِّدادُ؟! وأين من قدُّوا الأرضَ ونحَتوا الجبال، وحازوا أسباب القوة واحتاطوا للنوائِب؟! لما نسُوا اللهَ أوقعَ بهم بأسَه، فصاروا بعد الوجودِ أثرًا، وأصبحوا للتاريخ قصصًا وعِبرًا: قال تعالى :{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [العنكبوت:40]. فإن سنةَ الله لا تُحابِي أحدًا، وليس لفردٍ ولا لمُجتمعٍ حصانةٌ ذاتيةٌ، فحين تُقصِّرُ أمةٌ في توقِّي أسباب المصائب العامة، فإن عليها أن تتقبَّل نتيجةَ التقصير، والسعيدُ من اتَّعَظَ بغيره، وليست أمةٌ بمنأَى عن العذابِ إذا عقَدَت أسبابَه، ولا في مأمنٍ من العقابِ إن سلَكَت سبيلَه وفتحَت للذنبِ أبوابَه، ولذلك أكثرَ الله تعالى من وعظِ هذه الأمةِ بمصارعِ الأمم الغابِرة، وحذَّر الآمنين من مكرِه الذين لا يُقدِّرون اللهَ حقَّ قدره، ولا يقِفون عند نهيِه وأمرِه، فقال عز وجل: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُون . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِين . أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيم} النحل 45،47 وقال عز وجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُون . أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُون . أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون . أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون} [الأعراف: 97- 100].
أيها المسلمون
ونأتي إلى هذا السؤال : ما هي أسباب مصارع الأمم ، وعذابها ، والمهالك التي تحيق بالمجتمعات وتلحق بها ؟؟
فأقول وبالله التوفيق : إن أول الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : الظلم والكفر: والظلم هو تجاوز الحد، وله صور أعظمها الشرك كما قال الله: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، قال ابن حجر: “تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه , وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به”.ومما يوقفنا على عظم جريمة الشرك والكفر قوله تعالى:
{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَـواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الاْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـنِ وَلَداً} [مريم:89-91]. وقال تعالى محذراً من الشرك الذي أحل العقوبة بالأمم السابقة: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـاهُمْ لما ظلموا}[الكهف : 59]. قال ابن كثير: “الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم. .. وكذلك أنتم أيها المشركون: احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي، ولستم بأعز علينا منهم، فخافوا عذابي ونذر”.
وقال تعالى وهو يحكي عن مصارع الأمم المعذبة بسبب كفرها: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر:18-20]. وقال عن قوم فرعون وغيرهم {كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَـاتِ رَبّهِمْ فَأَهْلَكْنَـاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا ءالَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَـالِمِين}َ [آل عمران:11]. يقول ابن كثير: “فعل هؤلاء من المشركين المكذبين بما أرسلت به يا محمد كما فعل الأمم المكذبة قبلهم فقلنا بهم ما هو دأبنا أي عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل” وقد جعل الله العقوبة للأمم الكافرة سنة له في خلقه، فقال: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الاْوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب، ويقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم” وقد جاءت الآيات تتوعد الأمم الكافرة بسنة الله الماضية في أهل الشرك والكفر : {وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَـامَةِ} [الإسراء : 58]. قال ابن كثير: “هذا إخبار من الله عز وجل بأنه قد حتم وقضى بما قد كتب عنده في اللوح المحفوظ أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم عذاباً شديداً إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم كما قال تعالى عن الأمم الماضين {وَمَا ظَلَمْنَـاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} [هود:101].
وقال تعالى: {وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَـاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَـاهَا عَذَاباً نُّكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَـاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:8، 9]” وهذه السنة لا مهرب منها ولا محيص عنها، إذ هي قدر الله الذي لا يغلب، وقد يؤخره الله ليبلغ أجله، لكن {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. قال القرطبي: “أي أجرى الله العذاب على الكفار، ويجعل ذلك سنة فيهم، فهو يعذب بمثله من استحقه ولا يقدر أحد أن يبدل ذلك ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره” ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : . الطغيان وظلم العباد:
فمن الأسباب التي تحل العذاب في الأمم استضعاف العباد وظلمهم كما قال تعالى:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا}[الكهف:59]. والظلم من المعاصي التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا – مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ – مِثْلُ الْبَغْىي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ».رواه أبو داود . وقال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِمًا فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ».رواه الترمذي وغيره ،وقد تتأخر عقوبة الظلم إلى حين وأجل يعلمه الله فعَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) [هود:102] رواه البخاري ،وحكى الله عن مصارع الأمم الظالمة الطاغية كقوم عاد وثمود وفرعون، فقال تعالى : {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:9-14]. وقال تعالى : {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَـالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ} [الأنبياء:11]. وقال تعالى: {فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـاهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج:45]. ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : كثرة المعاصي والمنكرات وقلة الأمر بالمعروف:
فمن الأسباب التي تحل العذاب العاجل في الأمم فشو المنكرات وشيوعها، وذلك عندما تقصر الأمة بواجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]. وعَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ – رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » رواه البخاري ومسلم ، وعَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ أُمَّتِى بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِقَابٍ ». رواه أحمد ، والمنكرات إنما تفشو وتظهر حين تقصر الأمة عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتصبح المعصية في المجتمع ظاهرة مألوفة، وحينها تعم العقوبة الجميع ، ففي سنن الترمذي (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » وفي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ». قال القرطبي: “وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ولم يغير عوقب الجميع”. يقول صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ». رواه أبو داود “قال القاري: إذا كان الذين لا يعملون المعاصي أكثر من الذين يعملونها فلم يمنعوهم عنها عمهم العذاب. وقال العزيزي: لأن من لم يعمل إذا كانوا أكثر ممن يعمل كانوا قادرين على تغيير المنكر غالبًا، فتركهم له رضًا به” وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَوْلًى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ عَدِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ». رواه أحمد
قال ابن عباس: “أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكرين أظهرهم، فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم” [تفسير البغوي ،والعقاب الدنيوي الذي ينزل بالجميع لا يعني الاشتراك في العذاب في الآخرة، بل كل يحاسب عن عمله، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي أُمَّتِى عَمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ أُنَاسٌ صَالِحُونَ قَالَ « بَلَى ». قَالَتْ فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ قَالَ « يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ » رواه أحمد ،قال القرطبي: “فإن قيل فكيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنا ليس بظالم قيل يجعل هلاك الظالم انتقاما وجزاء، وهلاك المؤمن معوضاً بثواب الآخرة وفي صحيح مسلم « الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِى يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ « نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ : من أسباب مصارع الأمم وهلاكها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : العتو والكبر والغرور: فالأمة العاتية المغرورة المستكبرة أمة تعرضت لعقوبة الله ونازعت الله ما يستحقه من الكبرياء والعظمة قال تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم:50-52]. قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم وأعظم كفراً بربهم وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم” وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم:9]. قال ابن كثير: “كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم.. وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم” وقد حكى النبي صلى الله عليه وسلم قصة بني إسرائيل عندما أصابهم شيء من العزة بالكثرة والعدد، فجاءتهم العقوبة من الله، وأصابتهم سنن الله العادلة التي تحيق بمن أصابه شيء من الكبر أو الغرور أو العزة بغير الله، ففي مسند أحمد ((فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَطِنْتُمْ لِي ». قَالَ قَائِلٌ نَعَمْ. قَالَ « فَإِنِّي قَدْ ذَكَرْتُ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ أُعْطِىَ جُنُوداً مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلاَءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلاَءِ ». أَوْ كَلِمَةً شَبِيهَةً بِهَذِهِ شَكَّ سُلَيْمَانُ قَالَ « فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلاَثٍ إِمَّا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ أَوِ الْجُوعَ أَوِ الْمَوْتَ – قَالَ – فَاسْتَشَارَ قَوْمَهُ فِى ذَلِكَ فَقَالُوا أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ نَكِلُ ذَلِكَ إِلَيْكَ فَخِرْ لَنَا. قَالَ فَقَامَ إِلَى صَلاَتِهِ – قَالَ – وَكانُوا يَفْزَعُونَ إِذَا فَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ – قَالَ – فَصَلَّى قَالَ أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلاَ أَوِ الْجُوعُ فَلاَ وَلَكِنِ الْمَوْتُ. قَالَ فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً فَهَمْسِي الَّذِى تَرَوْنَ أَنِّى أَقُولُ اللَّهُمَّ يَا رَبِّ بِكَ أُقَاتِلُ وَبِكَ أُصَاوِلُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : الغلو في الدين: ففي مسند أحمد وغيره قال صلى الله عليه وسلم « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِى الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ ». قال المناوي: “إياكم والغلو في الدين أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها ” وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » البخاري ، مسلم ، قال النووي: “المراد بهلاك من قبلنا هنا هلاكهم في الدين بكفرهم , وابتداعهم , فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل فعلهم”. وقال ابن حجر عن المسائل الوارد ذمها في الحديث: “ما كان على وجه التعنت والتكلف” ، وقال ابن تيمية: “فأمرهم بالإمساك عما لم يؤمروا به معللاً ذلك بأن سبب هلاك الأولين ما كان إلا لكثرة السؤال ثم الاختلاف على الرسل بالمعصية كما أخبرنا الله عن بني إسرائيل من مخالفتهم أمر موسى في الجهاد وغيره، ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : كفران النعم: قال الله تعالى :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] : يقول الطبري في بيان معنى الآية: “ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله فجحدتموها بترك شكره عليها وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيه إن عذابي لشديد، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي” وحكى الله مصارع الأمم التي كفرت نعم الله فقال تعالى : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. قال المناوي: “ما زال شيء عن قوم أشد من نعمة لا يستطيعون ردها، وإنما ثبتت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم، وفي الحِكم: من لم يشكر النعمة فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
وقال الغزالي: والشكر قيد النعم، به تدوم وتبقى، وبتركه ينعقد وتتحول، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]” ،وكما قال الله: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53] ،قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضاً واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره” ،ومن الأسباب التي تكون سببا في هلاك الأمم : التنافس في الدنيا والشح بما فيها: فمن أسباب العذاب الركون إلى الدنيا والتسابق فيها، وهو الداء الذي أهلك الأمم السابقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: « إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا ».رواه أبو داود ، قال ابن حجر: “فيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين” ،وهو ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه حين حذرها من فتنة الدنيا والتسابق فيها فقال صلى الله عليه وسلم « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَ اللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » رواه البخاري و مسلم ،وقال صلى الله عليه وسلم : « إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا » البخاري، ومسلم ، فبسطة الدنيا على العباد سبب طغيانهم كما قال الله: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَـانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6، 7]. قال الطبري: “إن الإنسان ليتجاوز حده ويستكبر على ربه فيكفر به لأن رأى نفسه استغنت” وقال الله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرّزْق لبغوا في الأرض ولمن ينزل بقدر ما يشاءَ}[الشورى:27]. وقال ابن كثير: “أي لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً”
أيها المسلمون
إن الأمنَ من مكر اللهِ كبيرةٌ من الكبائِر، فعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: “الكبائِرُ: الإشراكُ بالله، والأمنُ من مكرِ الله، والقنوطُ من رحمة الله، واليأسُ من روحِ الله” (رواه الطبراني ) . ولهذا كان أعرفُ الخلقِ بربِّه وأخشاهم له صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرِف ذلك في وجهه، فسُئِل عن ذلك فقال: « “ما يُؤمِّنُني أن يكون فيه عذابٌ، قد عُذِّبَ قومٌ بالريح، ورأى قومٌ العذابَ فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]”» (متفق عليه) . وإن المسؤولية في المُجتمع على كلِّ فردٍ فيه، وجاء الأمرُ باتقاءِ المصائب العامة مُوجَّهًا إلى كل أحدٍ، كلٌّ بحسَبِه، قال الله عز وجل: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].
الدعاء