خطبة عن ( قصة أصحاب السبت : دروس وعبر)
نوفمبر 1, 2016خطبة عن(حديث كُنْتُ لَكِ كَأَبِى زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ)
نوفمبر 2, 2016الخطبة الأولى ( قصة أصحاب السبت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف 163: 168) ،وقال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) البقرة 65 ، 66 ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) النساء 47
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله تعالى- : مع قصة أصحاب السبت ، هذه القصة العظيمة التي وردت في عدة مواضع من القرآن، وجعلها الله عز وجل موعظة للمتقين، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:65، 66]، فكل من اتقى الله عز وجل وعلم هذه القصة، فهو ينتفع بها ويتعظ، ويعلم أهميتها في حياة المسلمين عموماً وخصوصاً. وهذه القصة وإن وقعت لأمة غير أمتنا ، فهي قد وقعت في جماعة من بني إسرائيل ، وإن لم يكن زمنها هو زمننا، إلا أننا نتعلم من قصص القرآن دائما كما ذكر الله عز وجل أنه عبرة لأصحاب العقول ، قال تعالى :(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، فلا بد أن نتعلم، ونستفيد، ونطبق هذه القصص علي واقعنا وعلي حياتنا، وليس فقط أن نجعلها مجرد حكاية للتسلية. ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون أعظم الاستفادة من قصص القرآن وخطابه عن السابقين، ولا يمنعهم أن نزول الآيات كان لأقوام غيرهم من أن يحذروا الشر الذي ذموا به وأن يقتدوا بالخير الذي مدحوا. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتورع عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ويتنزه عنها ويقول إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم و وبخهم وقرعهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف:21] ، مع أن الآية بلا إشكال في الكفار كما ينص على ذلك أولها : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ..)، ولكن الفهم العميق للصحابة رضي الله عنهم دلهم على أن الذم للكفار كان على أعمال وصفات معينة فمن شاركهم في بعضها استحق بعض جزائهم وغن لم يكن كافراً مثلهم. وأيضا في قصة ذات أنواط ، كما في سنن الترمذي بسند صحيح وغيره (عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ». فالحذر الحذر من مشابهة ما فعلته هذه الفئة من عصاة وغواة بني إسرائيل ، وها نحن نرى كيف انتشرت الحيل في الأمة الإسلامية مضاهاة لأهل الكتاب ، وخصوصاً عند من يرى إن المسلمين لن يتقدموا إلا بمشابهتهم ومتابعتهم والعياذ بالله. فمن هنا كان لابد ان نطبق ما نسمعه من قصص القرآن على واقعنا وحياتنا. والأمر أن نعلم طبيعة الأمة التي ستظل المواجهة بيننا وبينها قائمة إلى قرب قيام الساعة، فإذا علمنا حقيقة هؤلاء ،وعلمنا صفاتهم التي بينها الله عز وجل في القرآن، وفضحهم بها، لم يغرنا غار أو مغرور، ويظن أنه يمكن أن تنطلي علي المسلمين دعاوى المحبة والسلام والوئام والصداقة بين المسلمين وبين أعداء الإسلام من اليهود خصوصا ” وممن شابههم من النصارى كذلك . فالمسلمون يعلمون أن عداوتهم مع اليهود لا تنتهي إلا بقتالهم ، كما في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ». والنبي صلي الله عليه و سلم أخبر أن أكبر الفتن و أعظم أمر ما بين أدم إلي قيام الساعة هو الدجال ، وهو منسوب أيضا إلي اليهود .ففي صحيح مسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ ». فإذا علمنا صفات هؤلاء القوم حذرنا علي أنفسنا منها ، وكذلك علمنا خطرهم ، وعلمنا حقيقتهم ، فلا يمكن أبدا أن نصدق في يوم من الأيام من يدعي صداقتهم ،ومن يريد موالاتهم ، والدوران في فلكهم ، ونعلم بذلك أن من أحبهم وودهم وسار في فلكهم، وحسب مخططاتهم فإنه منافق عدو للإسلام وإن صلي وصام وزعم أنه مسلم.
أيها المسلمون
قصة أصحاب السبت ، هذه القصة الكريمة ذكرها الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز في مواضع ، إلا أن أكثر المواضع تفصيلاً كان في سورة الأعراف قال تعالي : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (163- 167) سورة الأعراف”? . يأمر الله عز وجل نبيه صلي الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن هذه القرية ، وهذا سؤال توبيخ في الحقيقة ، لأن أولئك الذين عاصروا النبي صلي الله عليه وسلم شابهوا هؤلاء الذين جعلهم الله قردة خاسئين ، فلذلك أمر بالسؤال عن شيء يكتمونه مما جرى لأسلافهم وهم شابهوهم فيه ، وساروا علي نهجهم . لذا نجد أن في خاتمة القصة ذكر الله عز وجل فيها أنه يبعث عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، فمن المقصودون بعد بالهلاك المقصودون هم من كانوا علي شاكلتهم من بقية اليهود ، فهذا تأكد علي الارتباط بين الماضي والحاضر كما ذكرنا . فهذه القصة توبيخ لبني إسرائيل في عهد النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم يفعلون مثل ما فعل أولئك من التحايل علي أمر الله وعدم الالتزام بشرعه وقوله تعالي : ( واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) :أي علي ساحل البحر ، ولكن ما اسم هذه القرية ؟ وما اسم البحر ؟ ومن كان رئيسها ؟ كل هذا لم يذكره القرآن ، مع أن كثيرا من الناس يبحثون في ذلك أثر البحث وذلك لأنهم لم يفقهوا جيدا طريقة القرآن إذ لا فائدة من الأسماء كثيرا ولا فائدة من الأماكن كثيرا، ولا في أي الأزمنة بالضبط ، فكل هذا لا يعود علينا منه كبير فائدة ، وربما لا فائدة منه علي الإطلاق . والاختصار في الكلام القرآني بليغ غاية البلاغة ، فقد أوضح كل الأمور من غير إخلال علي الاطلاق بأي من المعاني المطلوبة . فالمهم أنها كانت قرية علي ساحل بحر ، وكان عملهم صيد السمك .
قال سبحانه وتعالي: (إِذْ يَعْدُونَ ) أي : حين يعدون، و المعني و اسألهم عن القرية حين عدت في السبت، ما كان شأنها ؟ ذلك أن الله عز وجل حرم علي اليهود العمل في يوم السبت ،وقد كان هذا نوعا من الإصر والأغلال التي كانت عليهم ، والتي جعلها الله بسبب اختلافهم ،فإن اليوم الذي أمروا بتعظيمه -أصلا- هو يوم الجمعة ، لأنه أعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالي فاختلفوا علي نبيهم ، ولم يطيعوه في أول الأمر عندما بلغهم ، فصرفهم الله عن يوم الجمعة، و جعلهم يعظمون يوم السبت حرمانا لهم يوم الجمعة . قال تعالي : (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) النحل 124 ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ – قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ – فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى ». وفي رواية البخاري « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ » ويقصد صلي الله عليه وسلم أن يوم الجمعة كان اليوم المعظم ولكنهم صرفوا عنه وجعل الله عز وجل عليهم من الأغلال والآصار تحريم العمل يوم السبت، فلا يجوز أن يعملوا يوم السبت، ولابد أن يتفرغوا للعبادة، ولأنهم قوم لم يحافظوا علي العبادات اليومية، فأمروا أن يتفرغوا تفرغا” تاما” بترك العمل يوم العبادة الأسبوعية. وقد اخترع اليهود قصة قبيحة من باطلهم لتعليل تحريم العمل يوم السبت : وهي : ( أن الله تعالي بعد ان خلق العالم ابتداء من يوم الأحد ، انتهي يوم الجمعة واستراح في اليوم السابع لأنه تعب : فوجب علي العباد أن يستريحوا ، أيضا ويتركوا العمل ويتفرغوا للعبادة ) ،وهذا من عظيم جهلهم و عظيم ظلمهم ، فرد الله عليهم بقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) ق 38 ، 39 ، ومعنى لغوب يعني : الإعياء الشديد . فكان هؤلاء القوم يعملون في صيد الأسماك، فأراد الله أن يختبر صدق إيمانهم ونيتهم، فأمر الله السمك (الحيتان) بعدم الاقتراب من سواحلهم في أيام العمل الستة، بينما يكثر في يوم السبت وهو يوم يحرم عندهم فيه العمل، بل إن هذه الحيتان (الأسماك) كانت تظهر على الماء في يوم السبت إمعانًا في اختبارهم. وبدأ اعتداؤهم بصيد السمك يوم السبت بشيء عجيب ، قال سبحانه وتعالي : ” إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ” ففي يوم السبت المحرم عليهم العمل فيه يجدون البحر مليئا بالأسماك والحيتان ، فكانت الأسماك تأتيهم يوم السبت في البحر شارعه زعانفها وخراطيمها في المياه ، تظهر نفسها ، وفي بقية أيام الأسبوع لا تأتي ،والأسماك – قطعا- لا تدرك أيام الأسبوع ، ولكن قدر الله هذا الأمر العجيب ، فيوم لا يسبتون لا تأتيهم ولا يكون في البحر سمكة واحدة ، فسبحان الله . فقد كان هذا الابتلاء من الله عز وجل لأهل هذه القرية لعلهم يتوبون ويرجعون ، وكان لابد لهم أن يفكروا لماذا ضاق الرزق ، ولماذا وجدنا الفقر ، فلابد أن هناك سبب ، كان لابد أن ينظروا هذه النظرة ويفكروا هذا التفكير ، وهو أن الفسق هو السبب ، كما قال سبحانه وتعالي :” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) (30) ” الشورى
فكان علاج هذه القرية أن يتوبوا إلي الله عز وجل من المعاصي والفسق الذي ارتكبوه ، فيعود الأمر إليهم كما كان ، فيتسع الحلال ويضيق الحرام ، وتأتي الأسماك كما تأتي لكل الناس في كل أيام الأسبوع . ولكنهم لم يفهموا معني الامتحان ومعني الابتلاء ، فالله ضيق عليهم ليرجعوا إلي الهدي ، ولم يعلموا أن السمك إنما يتحرك بأمر من الله عز وجل ،وهنا شرع أهل هذه القرية من بني اسرائيل يتحايلون علي شرع الله ، فبدأ أحدهم ينصب شبكة يوم الجمعة ، أي يجئ قبل السبت ، فيقع السمك في الشبك يوم السبت ، ويأخذها هو يوم الأحد ، فوجد بعض الناس رائحة السمك يشوى فيما يذكرون ، فتتبعوا الرائحة حتي وجدوها في بيت واحد منهم ، فجعلوا يسألون كيف أتي بالسمك وهم يشتاقون له جدا فقد مرت عليهم أيام ، أو أسابيع ، وربما شهور -والله أعلم- وهم يشتاقون للسمك ، فأخبرهم بما صنع ، فأخذوا يتدافعون علي فعله ، ويقولون “لم نصطد يوم السبت ، ولم نعمل يوم السبت “وكذبوا، فاستحلال محارم الله بأدنى الحيل والتحايل على شرع الله سمة يهودية والعياذ بالله، وهناك من يفعلها من المسلمين، كمن يسمي الربا بغير اسمه ليضل الناس، كالاستثمار مثلاً، أو يسميه بالفائدة، أو عائداً أو نحو ذلك، وهو في الحقيقة ربا. ومن الحيل المنتشرة نكاح التحليل، الذي يطلق امرأته ثلاثاً ثم يتفق مع رجل يحلها له، يسمى في الشرع الإسلامي التيس المستعار،
كما قال صلى الله عليه وسلم: “لعن الله المحلل والمحلل له”، وهناك أنواع من الحيل في البيوع، مثل بيع العينة وهو نوع من الربا لكن بحيلة على الربا، وذلك بأنه يقول لمن يريد أن يقترض مه مائة مثلاً والرجل لن يقرضه مائة إلا بمائة وعشرون، فيقول: اشترِ مني هذه السلعة بمائة، وهو يعرف ما سوف يتم، فيشتريها بمائة ويقبضها إياه، ثم يقول: أنا أشتريها منك بالتقسيط بمائة وعشرون، فرجعت له سلعته، وأصبح مديناً بمائة وعشرون، وهو قبض مائة فصارت المائة مائة وعشرون ، ودخلت بينهما السلعة.
أيها المسلمون
بدأ الأمر كما ذكرنا بأنهم صاروا يعتادون العمل بالصيد في السبت بهذه الطريقة، وهو أنهم ينصبون الشباك يوم الجمعة، ويأخذون السمك يوم الأحد، وقيل إنهم حفروا حفراً يقع فيها السمك عندما يمد البحر، ثم إذا جاء الجذر عجز السمك عن الخروج من الحفر، فيتناولنه يوم الأحد فالله أعلم، لكنهم كانوا يتحايلون بطريقة معينة على عدم الصيد يوم السبت. وهنا انقسم المجتمع في هذه القرية إلى ثلاثة أقسام: 1- قوم معتدون يفعلون هذه الحيلة المحرمة. 2- وقوم آخرون رفضوا ذلك، وأبوا، وهم قوم صالحون نهوا المسيئين عن ذلك، ودعوا إلى الله عز وجل وشرعوا ينهونهم عن الاعتداء والصيد في يوم السبت. 3- وأمة ثالثة سكتت عن الدعوة، وليس هذا فقط، بل شرعت تيئس الدعاة، قال تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]، فهذه الطائفة قالت للدعاة إلى الله نحو ما نسمع اليوم “لا فائدة”، “لا تتعبوا أنفسكم”، “هل أنتم الذين تصلحون الكون”، “الفساد مستمر”، “ولن تأتي الدعوة ثمرتها”، “بل لابد أن يهلك هؤلاء على ضلالهم”. وهذا الصنف نوع من الناس لا يريد المشاركة الإيجابية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي تغيير الشر والفساد،
فهو يعلم الخير من الشر، ويشعر بالتأنيب من نفسه اللوامة لأنه مقصر، ويود لو أن الناس كلهم مقصرون، ولذلك يقول لغيره دع عنك إتعاب نفسك، ودع عنك ما تبذل من دعوة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فإنه لا فائدة!!.
وهذا منه تبرير لموقفه السلبي في ثوب نصيحة، ولا شك أن هذا جهل كبير منهم بفوائد الدعوة إلى الله تعالى، على الداعي نفسه، وعلى المجتمع بصفة عامة. وإن كان الدعاة إلى الله أفهم لوظيفتهم وواجبهم الذي افترض على الأمة من هؤلاء الذين يثبطون الدعاة دائماً، ذلك لأن الدعاة يعلمون أن الدعوة إلى الله لها هدفين أساسيين، ولا تخلوا من فائدة طالما وجد هذان الهدفان. الهدف الأول وهو الأثر العام للدعوة: وهو إبلاغ الحق للناس أعذاراً إلى الله عز وجل، فإنه يكون لنا عذر بين يدي الله سبحانه، إذا كان المنكر يفعل فقلنا للناس إنه منكر، وبلغناهم شرع الله عز وجل، وهذا الهدف يحصل بمجرد فعل الدعوة، وبمجرد إبلاغ الحق للناس سواء استجابوا أم لم يستجيبوا، التزموا أو لم يلتزموا، قبلوا الدعوة أو لم يقبلوها، فذلك حاصل بدون النظر إلى النتيجة، وهذا يثاب عليه العبد بين يدي الله في الآخرة ويثاب في الدنيا بمنع نزول العقاب العام ومنع تعذيب الجميع، وذلك أن تعذيب الجميع ونزول الفتن التي لا تخص الظلمة فقط، إنما يقع عندما يظهر المنكر ولا يغيره أحد، ففي سنن أبي داود (عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا ». وفي مسند أحمد (لَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ أَوْ لَيُسْحِتَنَّكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً بِعَذَابٍ أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) وفيه « إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي أُمَّتِى عَمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ أُنَاسٌ صَالِحُونَ قَالَ « بَلَى ». قَالَتْ فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ قَالَ « يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ » ، فالإعذار هنا معناه إظهار كراهيتنا للمنكر، وعذرنا بين يدي الله أننا بلغنا الحق.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة أصحاب السبت )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما بشأن وجود الطائفة المؤمنة في مجتمع ما تظهر فيه المنكرات فيمكننا أن نلاحظ أن هناك عدة مراتب وأحوال:
المرتبة الأولى: أن تكون الدعوة ظاهرة وشعر الإسلام ظاهراً في مجتمع من المجتمعات وتكون كلمة الحق معلومة، فعند ذلك لا يعذب الله الجميع، بل إذا نزل عذاب نجى الله المؤمنين الدعاة، كما قال الله عز وجل: (وَمَا كَان للّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33]، أي: وفيهم من يستغفر، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندهم لنزل فيهم العذاب، وذلك يدلنا على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم كان أماناً لأمته وهكذا ظهور الدعوة إلى الله عز وجل، أمام لكل مجتمع من المجتمعات من العقاب العام، فإذا ضاعت الدعوة، فإن ذلك يؤذن بعذاب الجميع. فإذا كانت لديهم قوة على التغيير باليد لم يكن الوعظ كافياً، بل لابد من إزالة المنكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ » رواه مسلم ،لكن إذا ترتب على التغيير باليد مفاسد معتبرة أو إيذاء معتبر له أو لأهله أو لعموم المسلمين لم يكن له ذلك
المرتبة الثاني: أن يكون هناك من هو صالح في نفسه وعاجز عن أن يبلغ كلمة الحق للناس، لأن الناس يمنعونه ويكرهونه على تركها، فهؤلاء قد يقع العذاب عليهم جميعاً، ويبعثون على نياتهم، وقد يدفع الله العذاب عن الناس بهم، فهو سبحانه يفعل هذا وذاك، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعذب أمة بأسرها مع ظهور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن العذاب يحدث مع عدم الاستجابة لأمر الله عز وجل لكن إذا وجد من يسكت لعجزه، مستضعف ساكت عن الحق لا يستطيع أن يقوله ولا أن يعلنه فهذا قد ورد فيه قول الله تعالى: ( وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:33]. فالله دفع عن أهل مكة العذاب الأليم على الجميع لوجود طائفة مستضعفة، وإن لم تكن تدعو إلى الحق وتظهره من أجل عجزها. وورد في مثل هؤلاء أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري :
(عن عَائِشَةُ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ » . قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ . قَالَ « يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ » . وفي رواية مسلم : فَقَالَ « الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِى يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ « نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ». ومن عجز عن الدعوة يكون معذوراً، وإن احتمل أن ينزل العذاب العام بدرجات متفاوتة، ليس شرطاً أن يكون مستأصلاً، بل قد يكون أنواعاً من المحن العامة، لو قلنا مثلاً المجاعات، سوء الحال، الفقر الشديد، الأمراض المنتشرة، الزلازل، الأعاصير، وهذه يمكن أن تصيب الصالح والطالح، وهذا نوعاً من العذاب الذي يصيب الجميع إذا كانت هناك طائفة مستضعفة لا تستطيع ان تؤدي دورها في الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث لا تظهر شعائر الإسلام. ويؤيد هذا ما في الصحيحين ( عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ – رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » ،وهذا الحديث يوضح الحالة التي نزل بها العذاب العام، مع وجود الصالحين وهو كثرة الخبث. المرتبة الثالثة: أن يوجد من يقدرون على الدعوة والتغيير فلا يفعلون، أو الوعظ فيسكتون ولا ينتقلون عن مكان المنكر فيكونون مستحقون للعذاب لتقصيرهم كما قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:164]. فمن سمع آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها، وهو قادر على أن يغير ولم يغير، ولم ينتقل، فهو آثم بسكوته وبه يبدأ إذا نزل العذاب العام، كما في بعض الآثار، أن قرية أمر الله بهلاكها، فتقول الملائكة: “يا رب إن فيهم عبدك فلان فيقول: فبه فابدؤوا فإنه لم يتمعر وجه فيِّ قط”، أي لم يتغير وجه عند رؤية المنكر، ولذلك من كان يجلس على مائدة تدار عليها الخمر ملعون مثل من يشربها والعياذ بالله ذلك أنه مشارك لهم وهم يشربون. وروى الترمذي بسند حسن (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » ،وروى البخاري عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » ،ومن هنا يظهر لنا أهمية الدعوة إلى الله في تحقيق الهدف الأول وهو الإعذار إلى الله وثمرته منع العقاب العام والفتنة الشاملة وهذا الهدف يتم تحقيقه إذا بلغ الحق للناس وظهر شعار الدين بين الناس كما قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29]. فالأمة مكلفة بالقيام بهذا الواجب واجب الإبلاغ بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: “بلغوا عني ولو آية”، وقال: “فليبلغ الشاهد منكم الغائب”. ونستكمل بقية أحداث القصة والدروس المستفادة منها في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء