خطبة عن ( قصة ذي القرنين )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( من أسباب المغفرة )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى (قصة: الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (259) البقرة
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ )، وهذه القصة تبين لنا قدرة الله وعظمته ، فما أعظم قدرة الله ، وما أجل حكمته ، سبحانه وتعالى ، أمره بين الكاف والنون ، يقول للشيء كن فيكون ، قال تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس 82 ، والإنسان من قديم الزمان ، يريد أن يصل بعقله إلى معرفة أسرار الله في الخلق ، أو طريقته في الإيجاد ، أو قدرته على إحياء الموتى ، يريد الإنسان أن يدرك ذلك بعقله ، ونسي هذا الإنسان الضعيف ، أن لقدرته العقلية حدودا لا يتخطاها ، وأن لإدراكاته الفكرية نهاية لا يتعداها ، فالإنسان بجهله يريد أن يعرف كيف خلق؟ وكيف يموت؟ وكيف يبعث بعد الموت حيا ؟، لهذا ، فقد أنزل الله على رسوله محمد قرآنا يتلى يقص له فيه عن أخبار السابقين ، ويبين لنا فيه قدرته على البعث والنشور ، وإحياء الموتى من القبور ، يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (259) ، فهذه الآيات تتحدث عن نبي من أنبياء بني إسرائيل ، قيل أن اسمه ( عزير ) ، كان عزير عليه السلام رجلا صالحا ، وحكيما ورعا ، يحفظ التوراة عن ظهر قلب ، وقد جعله الله مستجاب الدعوة ، وكان له بستان ، فيه من الأشجار والثمار ،خرج عزير ذات يوم في الصباح الباكر ، راكبا حماره ، قاصدا بستانه ، ومعه سلة فيها طعامه وشرابه ، (من عنب وتين وخبز ) ووصل عزير إلى بستانه ، فسقى الأشجار وحمد الله على نعمه وآلائه ، ثم قفل راجعا إلى منزله ،وفي الطريق مر عزير بقرية مهجورة ، ومقابر متناثرة ، تبدوا من بعضها عظام نخرة ،قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا )، أسند عزير ظهره إلى أحد الجدران ، وأخرج ما معه من طعام ، ثم شرد بفكره ، وجال بخاطره ، تذكر أن هذا المكان كان في الماضي قرية عامرة بالسكان ، مليئة بالخيرات ، شوارعها مزدحمة وقصورها عالية ، وثمارها متدلية ، ومن يرى هو عظامهم الآن كان لهم شأن وسلطان ، وهاهم أصبحوا من سكان القبور ،عظامهم نخرة ، وأجسادهم بالية، ثم نظر عزير إلى البيوت الخربة ، والجدران المتصدعة ، والأسقف المتهدمة ،فكر وفكر ، ثم قال متعجبا (قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) ، أي كيف يحي الله هذه العظام التي صارت ترابا وتذروها الرياح في كل مكان ،قال عزير ذلك بتعجب ، فهو رجل مؤمن بقدرة الله ، ولكنه يريد أن يعرف الكيفية ،فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعطيه درسا عمليا ، وليكون له ولمن بعده آية ودليلا من دلائل قدرته ، فبينما هو مستغرق في تفكيره ، قبض الله روحه ، فمات في مكانه ، ومات معه حماره ، وتمر الأيام والشهور والأعوام ، حتى مضى على موته مائة عام ،وشاءت حكمة الله أن يبعث عزيرا من موته : (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ،نفخ الملك فيه الروح، استوى عزير جالسا، وفتح عينيه ثم سأله الملك :(قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا ) ، ثم نظر حوله فوجد الشمس لم تغرب ، فقال :(أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، فكانت المفاجأة من الملك حينما قال له: (قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) ، فتعجب عزير ، مائة عام ؟ ، إنها مدة طويلة وزمن مديد ، فقال له الملك لبين له قدرة الله في خلقه (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) ، لقد حفظ الله طعامك كل هذه المدة الطويلة فلم يتغير لونه أو طعمه ، ولم يتعفن ، ولم يجف ، وفي نفس الوقت (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) ، فالحمار الذي تركته حيا بجوارك ها هو قد أصبح ميتا ، قد بليت عظامه ، وتفتت أجزاؤه ، فأنت تريد أن ترى كيفية الإحياء ، (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ) : أي لتكون علامة للناس على قدرتنا على بعث الأموات من قبورهم، ولتكون أنموذجاً محسوساً مشاهداً بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل.: (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) ، فانظر إلى حمارك الميت كيف تعود له الحياة ؟ ، وكيف يبعث من بعد موته ؟ ، وكيف تتجمع عظامه ؟ ، وكيف تكسى العظام باللحم والجلد ؟، نظر عزير إلى الحمار ورأى بعينيه قدرة الله في إحياء الموتى ، وإعادة البعث ،فقال مؤمنا ومصدقا ومستسلما ومعترفا وموقنا : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن القصة نتعلم دروسا وعبرا أهمها : بلاغة القرآن، حيث ينوع الأدلة، والبراهين على الأمور العظيمة؛ لقوله تعالى: ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ؛ ) فهذه الآية وما قبلها، وما بعدها كلها في سياق قدرة الله -عز وجل- على إحياء الموتى. الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يهتم الإنسان بأعيان أصحاب القصة؛ إذ لو كان هذا من الأمور المهمة لكان الله يبين ذلك: يقول: فلان؛ ويبين القرية. قصور نظر الإنسان، وأنه ينظر إلى الأمور بمعيار المشاهَد المنظور لديه؛ لقوله هذا الرجل: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ؛ فكونك ترى أشياء متغيرة لا تستبعد أن الله -عز وجل- يزيل هذا التغيير؛ وكم من أشياء قدَّر الناس فيها أنها لن تزول، ثم تزول؛ كم من أناس أمَّلوا دوام الغنى، ودوام الأمن، ودوام السرور، ثم أعقبه ضد ذلك؛ وكم من أناس كانوا على شدة من العيش، والخوف، والهموم، والغموم، ثم أبدلهم الله -سبحانه وتعالى- بضد ذلك. أن الإنسان إذا استبعد وقوع الشيء -ولكنه لم يشك في قدرة الله- لا يكفر بهذا. بيان قدرة الله -عز وجل- في إماتة هذا الرجل لمدة معينة، ثم إحيائه؛ لقوله تعالى: ( فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ. ) إثبات الكلام لله -عز وجل-، والقول، وأنه بحرف، وصوت مسموع؛ لقوله تعالى: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ؟ والأولى الأخذ بظاهر القرآن، وأن القائل هو الله -عز وجل- ، جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه، وأنه إذا خالف الواقع لا يعد مخطئاً؛ لقوله تعالى: قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍمع أنه لبث مائة عام. أن الله قد يمنّ على عبده بأن يريه من آياته ما يزداد به يقينه؛ لقوله تعالى: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ … إلخ. أن قدرة الله فوق ما هو معتاد من طبيعة الأمور، حيث بقي هذا الطعام والشراب مائة سنة لم يتغير. أن الله يحدث للعبد ما يكون عبرة لغيره؛ لقوله تعالى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ؛ ومثل ذلك قوله تعالى في عيسى بن مريم، وأمه: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَسورة الأنبياء(91). أنه ينبغي التفكر فيما خلقه الله عز وجل، وأحدثه في الكون؛ لأن ذلك يزيد الإيمان، حيث إن هذا الشيء آية من آيات الله. أن الله عز وجل جعل اللحم على العظام كالكسوة؛ بل هو كسوة في الواقع؛ لقوله تعالى: ( ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً )، وقال تعالى: ( فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) المؤمنون (14)؛ ولهذا تجد اللحم يقي العظام من الكسر والضرر؛ لأن الضرر في العظام أشد من الضرر في اللحم. أن الإنسان بالتدبر والتأمل والنظر يتبين له من آيات الله ما لا يتبين لو غفل؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ… الخ. أنه يلزم من النظر في الآيات العلم واليقين؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
الدعاء