خطبة عن ( رحلة ذي القرنين )
يوليو 7, 2016خطبة عن (قصة: الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى ( قصة ذي القرنين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا) (83 ): (85) الكهف
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة رجل أوتي من أسباب القوة والتمكين في الأرض ، إنه ( ذو القرنين ) وذو القرنين عبد من عباد الله الصالحين، ونتوقف في نبوته، كما توقف النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: ( وَمَا أَدْرِى ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لاَ )، ولقد أعطاه الله ملكا عظيما فيه من أدوات التمكين والجنود مما لم يؤت لغيره من الملوك، ودانت له البلاد، وخضعت له العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم، وطاف الأرض كلها حتى بلغ قرني الشمس، مشرقها ومغربها، ولهذا سمى بذي القرنين. قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرْضِ وَاتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً [الكهف:83-92] ، وقد استهلت الآيات بقوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ) ، فمن الذي يسأل؟ ومن هو المسئول ؟ ،قال المفسرون : الذي يسأل هم المشركون واليهود ، والمسئول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن ذي القرنين ، ما كان شأنه ، وما قصته ، فقل لهم يا محمد (قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً)، ويقول علماء التفسير، بأن “النَّضْر بن الحارث” كان من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم “الحِيرة” وتعلم بها أحاديث “رستم”، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلساً ذكر فيه الله، وحدّث قومه ما أصاب مَنْ كان قبلهم من الأمم، جاء النضر بن الحارث بعده، وخلفه في مجلسه إذا قام، فقال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلموا إليّ، فأنا أحدثكم بأحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس. فبعثته قريش مع بعض رجالها إلى المدينة، حيث اليهود هناك وكان هذا قبل الهجرة، وقالوا لهم: اذهبوا إلى أحبار اليهود في المدينة، وسلوهم عن محمد وصفته وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجوا حتى قدموا المدينة، فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمد، فقال أحبار اليهود سلوه عن ثلاث، عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم، فإن حديثهم عجب، وعن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي، وإلا فهو مُتَقَوِّل، فلما قدم النضر ومن معه إلى مكة، قالوا: قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمد، وأخبروا بما قاله اليهود، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخبركم بما سألتم عنه غداً))، ولم يستثنِ، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لم يأتهِ الوحي، ولم يُخبر بخبر هؤلاء، فشق ذلك عليه، وأرجف أهل مكة به، وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة. ثم جاء جبريل عليه السلام من عند الله بسورة أصحاب الكهف، وفيها معاتبة الله إياه على حزنه عليهم، وفيها خبر أولئك الفتية، وخبر الرجل الطواف، ذي القرنين: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ) أي ويسألونك يا محمد عن خبر ذي القرنين، يسألونك عن خبر هذا الرجل. (قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً ) [الكهف:83] ، أي سأخبركم بخبره وسأذكر لكم نبأه( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرْضِ وَاتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً )[الكهف:84]. ومعنى (مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرْضِ ) أي جعلناه ممكنا في الأرض ، فأعطيناه ملكا عظيما ، فأصبح ذا قوة بشرية ممثلة الأتباع والجيوش الجرارة ، وقوة علمية من أسلحة وصناعات وآلات ومعادن جعلته يسخر جميع ما في الأرض لخدمة البشرية وعمارة الأرض ، وقوة سياسية جعلته يحكم هؤلاء القوم ويسوسهم ، ويدبر أمرهم ، والمؤمن مطلوب منه أن يكون متمكنا في الأرض بعلمه النافع ، ويسخر ذلك لعمارة الأرض وإسعاد البشر وإقامة العدل بينهم ، ولا ينسى أن هذا التمكين إنما هو من عند الله ، فيشكر المنعم ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج 41 ، وفي قوله تعالى : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرْضِ ) فالذي يمكن الإنسان في الأرض هو الله ، يمكنه بما وهبه من عقل وفكر ، يبحث به ويستنتج ويخترع ويصنع :(وَاتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً ) أي أعطاه الله ووهبه الأسباب وهي العلوم النافعة ، والطرق الموصلة إلى هذا العلم ، فعلمه ربه كيف يسخر ما في الأرض من كنوز ومعادن وكيمياء وآلات وأسلحة ، كما علمه كيف يحكم قومه ويسوس مملكته ، بل وكيف يفهم لغات الآخرين ، وهكذا ، (وَاتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً ) آتاه من كل شيء فيه نفع ، حتى يؤدي رسالته في الأرض بكل قوة ، ففتح الله عليه البلاد ، وأدب به ملوك الأرض الظالمين ، وأذل به أهل الشرك والضلال ، حتى ملك الأرض ، جاء عن معاوية قوله: ( ملك الأرض أربعة : منهم (سليمان بن داود و ذو القرنين )، (فَأَتْبَعَ سَبَباً) ، أي عمل بالأسباب التي وهبها الله إياه ، وعمل بالعلم الذي أعطاه ، ونشر عدل الله في أرضه ، في مشرقها ومغربها
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة ذي القرنين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أخذ ذو القرنين وجنوده يتنقلون في الأرض ، ينشرون دين الله ، ويقيمون عدله ، ويسعون في عمارة الأرض بكل ما أوتي من أسباب ، ويقاوم كل فساد ، وضلال ، وشرك حتى بلغ في سيره مغرب الشمس ، قال تعالى : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً ) [الكهف:86]. وصل إلى مغرب الشمس، وهو المكان الذي يرى الرائي أن الشمس تغرب فيه، فهو قد سار بجنوده، يفتح البلاد حتى وصل إلى ساحل وانتهى به اليابسة، إلى بحر الظلمات، فرأى ذو القرنين، أنها تغرب في عين حمئة، والحمأة هو الطين الأسود .أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر، وهذا شأن كل من وقف على الساحل فإنه يرى الشمس كأنها تغرب فيه: (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً ) ، أي وجد أمة من الأمم، وقد ذُكر أنها كانت أمة عظيمة، والذي يظهر من سياق الآيات، أن هذه الأمة، كان فيها أناس صالحون، وكان فيها أناس سيؤون، كان فيهم مؤمنون وكافرون .ولهذا جاءت الآيات: (قُلْنَا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً.) ، أي إما أن تعذب، والمراد به القتل، لأن هؤلاء القوم كانوا على كفر وباطل، وضلال ، وكانوا مستحقين للقتل، فقالوا له: إما أن تعذب بالقتل من أول الأمر، وإما أن تتخذ فيهم حسناً، أي أمراً حسناً، وذلك بأسرهم ثم دعوتهم إلى الحق، والإرشاد إلى ما فيه الفوز بالدرجات. فماذا كان جواب هذا الحاكم الصالح. قال: ( أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً ) [الكهف:87]. أي من ظلم نفسه، ولم يقبل دعوتي، وأصر على ما كان عليه، من الظلم العظيم، والمخالفة لأمر الله، واستمر على كفره وشركه وفسقه وظلمه، فهذا سوف نعذبه بالقتل، ثم يرد إلى ربه في الآخرة، فيعذبه عذاباً نُكراً، أي عذاباً منكراً فظيعاً، وهو العذاب في نار جهنم والعياذ بالله، لكن في المقابل ماذا قال ذو القرنين: ( وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً )[الكهف:88]. أي وأما من آمن بما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، وعمل صالحاً، حسبما يقتضيه الإيمان، فله جزاءً الحسنى، أي فله المثوبة الحسنى في الدارين، في الدنيا له الفعل الحسن، وفي الآخرة، فجزاؤه الجنة (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً ) : أي لا نقول له ما يتكلفه مما هو شاق عليه، أي نقول له قولاً ذا يسر وسهولة. قال الله تعالى بعد ذلك ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ) [الكهف:89]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: “ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً: أي طريقاً راجعاً من مغرب الشمس موصلاً إلى مشرقها”، وكان كلما مر بأمة قهرهم وغلبهم ودعاهم إلى الله عز وجل، فإن أطاعوه، وإلا أذلهم وأرغم أنوفهم، واستباح أموالهم وأمتعتهم، واستخدم من كل أمة ما يستعين به مع جيوشه على أهل الإقليم الملاصق لهم. ونستكمل بقية رحلة ذي القرنين في لقاء قادم أن شاء الله
الدعاء