خطبة عن ( قصة صاحب الجنتين )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( قصة ذي القرنين )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى ( رحلة ذي القرنين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) ( 84): (97) الكهف
إخوة الإسلام
ونواصل حديثنا عن ذي القرنين ، ذلك الذي ملك الأرض وحكم من فيها ، وكان عادلا في أحكامه ، معتدلا في قراراته ، منصفا في معاملاته ، ولم يكن من المفسدين الظالمين ، ويظهر ذلك من خلال تصرفه عندما خيره الله بقوله تعالى (قُلْنَا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ) فكان اختياره اختيارا منصفا عادلا : ( قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرا ) ،هذا هو (الدستور)، وهذا هو (المنهج)، بل هذا هو (العدل الرباني). الظالم عند ذي القرنين، الباغي المعتدي، صاحب الكفر، وصاحب المخالفات، هذا لابد أن يأخذ عقابه، فمن العدل أن يعاقب هذا الظالم ، ويكون هذا عذاباً دنيوياً له، أما في الآخرة: (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً.)، وأما المؤمن الصالح عند ذي القرنين، فإنه مقرب يجزيه الجزاء الحسن، ويكافئه المكافأة الطيبة، ويخاطبه بيسر وسهولة ( وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً )[الكهف:88]. فلماذا اختلف هذا الميزان، في زماننا هذا ، ولماذا تغير هذا الدستور، وتحول هذا المنهج في عالمنا اليوم. أصبح الظالم مقربا، أصبح المعتدي محترما، أصبح صاحب المنكرات مفضلا ، المفسدون والمعتدون، هؤلاء صاروا هم المقربون، عند من مكن الله لهم شيئاً من التصرف والتسلط على عباد الله. صار المفسدون الظالمون، المخمورون، هم الذين ينالون من المتمكن بِرَّه وكرمه. بل ويختارهم في المناصب العليا ، وصار الذي آمن وعمل صالحاً. من المؤمنين الصالحين، أصحاب الخير وأصحاب الدعوة، وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صار هؤلاء هم المحاربون والمطرودون، والمسجونون. والمعتقلون ، والمنبوذون من أصحاب الأهواء ، فأين الميزان الذي وضعه الله عز وجل لذي القرنين ؟ لماذا يُستبعد هذا الميزان؟ ولماذا يغير ذلك الدستور؟ ولماذا يحال دون تطبيق ذلك المنهج؟ الله عز وجل يقول، وهذا حكمه جل وعلا في كل من ظلم، وفي كل من أساء وخالف يقول سبحانه: ( أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً ) ، ويقول جل وعلا، وهذا حكمه سبحانه في كل من آمن وعمل صالحاً، يقول تعالى: ( وَأَمَّا مَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً.) ، فأصبحنا نعكس هذا الميزان: الذي ظلم، صار عندنا له جزاءً الحسنى، بل ونقول له من أمرنا يسراً. والمؤمن الصالح، الذي يغار على دين الله، والذي لا يرضى بوجود المنكرات، ويحاول تغييرها هذا نعذبه عذاباً نكراً. فرحماك رحماك ـ يا رب ـ من انتكاس الفطرة، وتبدل الحال، وانتشار الفساد، واختلال الأمن، ورواج الفوضى. فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى يا من جعل الله بأيدكم شيئا من التمكين، ويا من أُعطيتم بعض الأسباب، لا تستعملوا هذا التمكين في ظلم الناس، ولا تستغلوا هذه الأسباب في التستر على الظالم المفسد، فإن لكل شيء نهاية. يقول سبحانه (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي سار بجيوشه في أرجاء الأرض من مغربها إلى مشرقها ،فإن ذا القرنين مع توكله على الله، لم يتواكل ويغفل الأسباب المؤدية إلى تمكينه في الأرض، بل استخدم ما منحه الله من علم في سبيل تعريف الخلق بالخالق، وتحطيم قوى الشرك وإذلال المشركين، وتحقيق العبودية لله رب العالمين ،ويقول سبحانه : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ) ، والمعنى : أنه سار بجيوشه حتى بلغ الجهة الشرقية من الأرض ، ووجدها تطلع على أمة من الناس (لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً ) أي ليس لهم بناء ولا حاجز يحجز الشمس عنهم ، ويحميهم ويسترهم من حرارتها ،وقيل: ما كانوا يملكون شيئا يغطون به أجسادهم، وكانوا عراة فإذا أشرقت أصابتهم بأشعتها (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً) أي والله مطلع على جميع أحواله ، ولا يخفي عليه من أمره شيء ، مهما اتسعت مملكته ، وكثر اتباعه فهو سبحانه (لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) آل عمران 5 ، (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ) (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)، هناك وفي جهة المشرق ، وجد أمة لا يكادون يفقهون قولا: وذلك لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس . ولكن ذا القرنين أستطاع أن يتفهم مشكلتهم ،وهى أن هذه الأمة عاجزة عن الدفاع عن نفسها ، واتكالية ، وترغب من الآخرين حل مشكلتها، ولذلك قالوا لذي القرنين (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) وفهم منهم أن هذه الأمة تجاورها أمتان كثير عددها، ويستفحل خطرها، وتعيث فسادا فيما حولها، إنهما يأجوج ومأجوج الذين قال الله في وصفهم: (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) الأنبياء:96 . ويأجوج ومأجوج هما أمتان من سلالة آدم عليه السلام، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، وهما المكثرتان لبعث النار، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ . فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ » ،فلقد كان من رحمة الله لهذه الأمة أن وصلها ذو القرنين، وكان بناؤه السد برهانا آخر على تمكينه في الأرض، فكيف وقع ذلك كله؟ ،لقد بلغ ذو القرنين بين السدين، وهما جبلان متقابلان، بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على تلك البلاد، فيعيثون فيها فسادا، ويهلكون الحرث والنسل، ويقال إن هذه المنطقة الواقعة جنوبي جبال القوقاز، وهى المسماة الآن بأرمينيا وجورجيا وأذربيجان – والله أعلم ، فطلب القوم الذين يسكنون فيها من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا، ويعطوه من المال ما يعينه على هذه المهمة … ولكن ذا القرنين، بعلمه وتمكين الله له، رد عليهم بقوله ( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) يعنى: ما أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعون، وكذلك قال سليمان – عليه السلام – حين جاءته هدايا وأموال (بلقيس) صاحبة سبأ (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ )[النمل :36]. وكذلك تلتقي كلمات الصالحين مع كلمات الأنبياء والمرسلين، عليهم السلام، وكلها الثقة بالله، والتوكل عليه وحده، والاستغناء بما عنده، وكذلك يظهر لك توكل ذي القرنين، واعتماده أساسا على الله ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) [الطلاق:3].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رحلة ذي القرنين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم شرع ذو القرنين في بناء السد، وكان عملا جبارا، وتخطيطا رائعا، فهو أولا يطلب من هذه الأمة المشاركة بمجهودها العضلي، وما تملكه من آلات البناء، ثم يطلب قطع الحديد حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولا وعرضا قال: انفخوا: أي أججوا عليه النار، ولك أن تتخيل حجم وضخامة هذه النار التي يلزمها صهر هذه الأطنان من الحديد في هذا الممر الشاهق الارتفاع. ولما كانت هذه المجموعة مشغولة بجمع قطع الحديد وصهرها، فهناك مجموعة أخرى تجمع النحاس، وتذيبه في القدور. فلما تم صهر الحديد في الممر، وتم صهر النحاس في القدور – أو في أي مكان آخر – جاءت المرحلة الأخيرة من مراحل بناء السد (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )،والقطر كما قال ابن عباس وغيره: النحاس المذاب، فأمرهم بصب النحاس المصهور المذاب على الحديد المصهور المذاب فتخلل النحاس وسط الحديد واختلطا وصارا معدنا واحدا قويا متينا ثم تركا حتى جمدا، فصار سدا منيعا عجيبا مدهشا. وإذا أردت أن تعلم مرة أخرى علم ذي القرنين، وتدرك حجم تمكينه في الأرض، وتفقه معنى قوله تعالى(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) فاقرأ كتابا متخصصا في الصناعة الحديثة، وقف على ما انتهى إليه عالم اليوم بمصانعه الضخمة، وآلياته الجبارة، المتقدمة، وستدرك أن ذا القرنين، بما علمه الله سبق هذه الصناعة بقرون، وعلمه الله ما لم يعلمه غيره إلا بعد آلاف السنين. يقول سيد قطب – رحمه الله – (وقد استخدمت هذه الطريقة حديثا في تقوية الحديد، فوجد أن إضافة نسبة من النحاس إلى الحديد تضاعف مقاومته وصلابته، وكان هذا الذي هدى الله إليه ذا القرنين وسجله في كتابه الخالد سبقا للعلم البشري الحديث بقرون لا يعلم عددها إلا الله ).
أيها المؤمنون
ومن القصة نتعلم هذه الدروس وتلك العبر وهي : ـ أنه ينبغي أن تكون دعائم التمكين في الأرض توكلا على الله، ينفي الاعتماد على غيره، أو الاستعانة بما سواه. ـ تأخذ بكل أسباب القوة الممكنة شرعا عقلا، فلا تدع مجالا للتواكل والتراخي، وإضاعة الفرص، وهدر الطاقات سدى. ـ السياسة الحازمة العادلة مع خلق الله، وأن تسوسهم بشرع الله، تكافئ المحسن وتفرق بين المؤمنين والكافرين، وتكرم العلماء والصلحاء، وتأخذ على أيدي الفسقة والسفهاء، وتأطرهم على الحق أطرا. ـ إن الأرض أرض الله، وإن الخلق خلقه، والسموات مطويات بيمينه، ـ تعسا لمن يحارب الله وهو الذي أوجده ومكنه، ـ لن يفلح قوم نصبوا العداوة لشرعه، وعادوا أولياءه، وما أنكد عيش من كان همه صرف الناس عن العبودية الحقة لله، ـ مهما طال ليل الظالمين فالعاقبة في النهاية للمتقين، ولا يقدر التمكين حق قدره إلا المؤمنون، فبالحق يحكمون، وبالعدل يسوسون، ـ ولا تغتر بالمستكبرين، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) ، وما أجمل ما أنهى به ذو القرنين كلامه وأحداث قصته ، حيث قال الله تعالى على لسانه : (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)
الدعاء