خطبة عن ( من فضائل الصحابة )
يوليو 7, 2016خطبة عن ( رحلة ذي القرنين )
يوليو 7, 2016الخطبة الأولى ( قصة صاحب الجنتين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) (32 ): (44) الكهف
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الاعراف 176، فالهدف والمقصود من القصص القرآني ، هو التفكر والاعتبار ، واستخلاص الدروس والعبر ، والاستفادة من نجاحات الآخرين أو اخفاقاتهم ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع قصة ( صاحب الجنتين ) ،في هذه القصة تعرض لنا الآيات مثالا لصنفين من البشر ،أحدهما كفر بالله ، وجحد نعمه ، وأنكر فضله ، والآخر مؤمن بالله شاكر لفضله ، ورضي بما أعطاه الله ، قال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) الكهف 32، فتخبرنا آيات القصة عن وجود رجلين في الماضي، كان بينهما صلة وصحبة، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقد أَبهمت الآيات اسمَيّ الرجُلَيْن، كما أبهمت تحديد زمانهما ومكانهما وقومهما، ابتلى الله الرجُلَ المؤمن بضيق ذات اليد، وقلة الرزق والمال والمتاع، لكنه أنعم عليه بأعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان واليقين والرضا بقدر الله وابتغاء ما عند الله، أما صاحبه الكافر فقد ابتلاه الله بأن بَسَط له الرزق، ووسَّع عليه في الدنيا، وآتاه الكثير من المال والمتاع، ليبلوه هل يشكر أم يكفر؟ وهل يطغى أم يتواضع؟ جعل الله لذلك الكافر جنَّتَيْن، والمراد بالجنّة هو البستان أو “المزرعة”، أي إنه كان يملك مزرعتين ، قال تعالى : (جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ) الكهف، كانتا مزرعتين من أعناب، وكانتا “مُسوَّرَتَيْن” بأسرابِ النخل من جميع الجهات، وكان صاحبهما يزرع الزرع بين الأعناب، وقد فجَّرَ الله له نهرًا، فكان يجري بين الجنَّتَيْن (المزرعتين)، وكان صاحبهما يجني ثمارَهما، ثمار الأعناب، وثمار النخل، وثمار الزرع، قال تعالى : (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) الكهف ،هكذا أعجِبَ الرجلُ الكافر بجنَّتيه، وافتخرَ بمزرعتَيْه، واعتزَّ بهما، ودخلهما وهو ظالمٌ لنفسِه، كافرٌ بربِّه، متكبرٌ على الآخرين، وقال:( إنهما مزرعتان دائمتان أبَدِيَّتان لن تبيدا أبدًا، وأنا أغنى الناس وأسعدهم بهما، وهما كل شيء، وليس هناك بعث ولا آخرة ولا جنة غير هاتين الجنتين ) الكهف .ولو كنت صادقا في اعتقادك أن هناك موتا وبعثا وجنة في الدار الآخرة فسوف يكون لي أنا جنة أفضل من هذه ، لأنني أستحق ذلك ، وسوف يعطيني أفضل منك : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ) الكهف ، فقد لاحظ صاحبه المؤمن الفقير الصابر غرورَه وبطرَه، فذكّره بالله، ودعاه إلى الإيمان بالله وشكره، والاعتماد عليه وليس على جنتيه وماله وغناه ، فقال له ناصحا : ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) الكهف ، أي ذكرت الله ، وتوكلت عليه ، وفوضت الأمر له ، ونسبت الفضل إليه ، ثم قال له واعظا ومذكرا : ( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) الكهف ، أما أنا وإن كنت فقيرا ، قليل المال ، ولكني مؤمن بالله ورسوله ، وراض بما قسم الله لي ، وأشكره على كل النعم ، ولا أشرك معه أحد في فضله وعطائه ، ولكن الكافرَ المغرور أسكرته نشوة التملُّك، فلم توقظه هذه الكلمات ، ولم يستجب للنصيحة فرفض كلام وتحذير وتوجيه صاحبه المؤمن، وزاد اعتزازه بمزرعتيه واعتماده عليهما، وهنا كانت العقوبة من الله بأسرع مما يتصور ، وبجند من جنود الله التي لا يعلمها إلا هو (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ )، قال تعالى واصفا ما حدث لجنته من تدمير وخراب ، وما انتابه من حزن وحسرة وألم: ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا) الكهف ، لقد حدث ما حذَّره منه صاحبه المؤمن، فأرسل الله على مزرعتيه صاعقة، فأحرقتهما!! أحرقت العنب والنخل والزرع، وقضت على الشجر والزرع والثمر، ولم يبقَ مِن المزرعتين شيء، كل هذا جرى في ساعة من ساعات الليل ،وفي الصباح ذهب المغرور إلى جنتيه كعادته، فإذا بهما فانيتان بائدتان، فأسقط في يديه، وشعر بالندم وأيقن بالخسارة، التي أتت على كل ما يملك، وتمنى لو استجاب لنصح صاحبه المؤمن، ولكن متى؟ بعد فوات الأوان!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة صاحب الجنتين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ) نعم ، فمن كان الله وليه فقد أفلح وفاز في الدنيا والآخرة ، ومن وكله الله إلى نفسه ، خاب وخسر ، في الدنيا والآخرة ، ونتعلم من هذه القصة : ـ الاعتبار والاتعاظ بحال من أنعم الله عليه نعما دنيوية ، فألهته عن آخرته وأطغته وعصى الله فيها ـ أن المال والولد لا ينفعان إن لم يعينا على طاعة الله( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) .سبأ 37 ، ـ ينبغي للعبد إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى مسديها ؛ ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه ويقول ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) ، ـ الافتخار الذي لم يُعترف بفضل الله فيه ولم يشكر الله عليه يحبط الأعمال ، ـ أن الله ينعم على عباده ليبتليهم ؛ هل يشكرون أم يكفرون ؟! ، ـ الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه ، ويوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب ، ـ حقارة هذه الدنيا من أولها إلى آخرها ، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من يحب ! ، ـ نصح صاحبه المؤمن له وتذكيره بنعم الله عليه ، وكيف خلقه ونقله من طور إلى طور ، ويسر له الأسباب ، فكيف يليق بك أن تكفر بالله ؟! ، ـ أن منكر البعث كافر ، ـ أن في تذكر الإنسان مبدأ أمره وخلقه موعظة عظيمة وذكرى ، ـ أن نعمة الله على الإنسان بالإيمان والإسلام ولو مع قلة المال والولد هي النعمة الحقيقية ، وما عداها معرض للزوال والعقوبة ، ـ من اعترف بفضل الله عليه ، فإنه يبارك الله له فيما أعطاه ، وأما من أشِر وبطر ، فلا يبارك الله له فيما آتاه ولا ينتفع به ، ـ أن ما عند الله خير وأبقى ، وما يُرجى من خيره وإحسانه أفضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون ، ـ الارشاد إلى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير، ـ جواز الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه ، خصوصا إن فضّل نفسه بسبب ماله على المؤمنين وفخر عليهم ، ـ أن دعاء المؤمن على جنتيّ الكافر كان غضبا لله ؛ لكونها غرته وأطغته ، لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في أمره ، ـ لا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بمثل ما ظلمه و استجابة الله لدعاء من دعاه ، ـ في قوله (حسبانا من السماء) خص السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع ، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه ويتعذر ! ، ـ قوله (خيرا من جنتك) أي أفضل منها وهي جنة الآخرة ، وجنة الدنيا هي الفرح بفضل الله والالتذاذ بطاعته ، والاغتباط بالأعمال الصالحة ، والأنس بذكر الله وشكره ، فهذا خير من متاع الدنيا متاع الغرور، ـ الندم بعد فوات الأوان لا ينفع ، إنما ينتفع من سمع القصة واعتبر بها ، أن سبب عقوبته لأنه أشرك بالله ، ونسب نعمة الله إلى غيره ، وفضل الله إلى نفسه وقوته وحيلته ، ـ من كان مؤمنا بالله تقيا كان الله له وليا وأكرمه بأنواع الكرامات ، ودفع عنه الشرور والمَثُلات ، ومن لم يؤمن بربه ويتولاه خسر دينه ودنياه ، ـ أن في يوم القيامة لا نُصرة ولا مُلك إلا لله الحق ، وأن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئا ، ـ أن من خذله الله فليس له ولي ، ولا ناصر ينصره من عذاب الله ، ومن أمِن بأس الله فإنه ضال مضِل
الدعاء