خطبة عن ( بيوت لا تدخلها الملائكة )
نوفمبر 29, 2016خطبة عن (عليكم بالثبات حتى الممات)
نوفمبر 30, 2016الخطبة الأولى ( قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (25) النور ،وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »
وفي سنن أبي داود ومسند أحمد ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ».
إخوة الإسلام
القذف في اصطلاح الفقهاء هو: الرمي بزنا، أو لواط، أو نفي نسب، يوجب الحد فيهما. والقذف مُحرَّم شرعًا، فهو رمي بالفاحشة لمن هو بريء منها، ولا خلاف بين العلماء على أنَّ القذف محرَّمٌ قطعًا، بل وعدُّوه من الكبائر الموبقات . وللقذف أركانٌ وهي: القاذف والمقذوف والمقذوف به، ولكل ركنٍ شروطٌ ترتبط به حتى يتحقَّق القذف، ويستحقُّ القاذفُ العقوبةَ المقرَّرة عليه صيانةً لأعراض المسلمين عن الألفاظ القذرة الملطِّخة لأعراض الأبرياء بالتدنيس. والمقذوف به على ثلاثة أقسام: فقد يكون باللفظ الصريح أو الكنائي أو بالتعريض. ومن صُوَر ألفاظ الصيغة الصريحة «يا زاني» أو «يا زانية»، «يا عاهر» أو «يا عاهرة»، أو «يا لوطي»، فهذه ألفاظٌ لا تحتمل غير القذف ولا تُفَسَّر إلاَّ به، ويدخل في هذا المعنى كلُّ عبارةٍ تُجْرَى مجرى التصريح كنفي نَسَبِه عنه، كأن يقول لزوجته التي وضعت له مولودًا: «هذا ليس بابني» أو «هذا ابن غيري» ونحو ذلك. ومن صور ألفاظ الصيغة الكنائية: «يا فاجر» أو «يا فاجرة»، «يا فاسق» أو «يا فاسقة»، «يا خبيث» أو «يا خبيثة»، فهذه ألفاظ محتملة للقذف ولغيره، إذ قد يكون المراد بالفاجر أو الفاسق أو الخبيث غير معنى الزنا أو اللواط، أي: قد يراد به العصيان أو خبث الطبع. ومن صور ألفاظ الصيغة التعريضية: أن يقول المخاصم لخصمه: «ما أنا بزانٍ ولا أمي بزانية»، فهذا كالذي قبله يحتمل لفظُه لمعنى القذف ولغيره، ومع وجود هذا الاحتمال فإنَّ الحدود تدرأ بالشبهات، باستثناء ما إذا احتفت ألفاظه المحتملة بالقرائن التي تقوِّي معنى القذف وتخلّفت –عندئذ- الشبهة، فإنَّ اللفظ بهذا الاعتبار يوجب الحدَّ وإلاَّ فلا. ومع ذلك فقد يُسْقِطُ المقذوف حقَّه بالعفو عن القاذف، ولا يُقام الحدُّ على القاذف إلاَّ بطلب المقذوف إجماعًا وفي حالة ما إذا أسقط عنه الحدَّ فإنَّ القاضي يعزِّره، وله السلطة التقديرية في تقرير العقوبة الرادعة له. وهذا الحكم إنما يتقرَّر عند عامة الناس، وهو معنى لا يُخْرِجُ صاحبه من الملَّة، بخلاف رمي خواصِّ الناس ممَّن اصطفاهم الله بالرسالة أو النبوة ونحو ذلك، فمن أعظم المحرمات في الإسلام، ومن أكبر الكبائر عند الله : رمي المحصنات الغافلات المؤمنات بالزنى وارتكاب الفاحشة، ظلما وزورا، لما في ذلك من تلويث سمعة الإنسان البريء، وما فيه من تجريء الناس على المعصية وإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن, ولا سيما إذا كان رامي المحصنة يعلم أنه كاذب مزور فيما يقول، وليس مبنيا على سوء ظن، أو نحو ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر رمي المحصنات الغافلات المؤمنات: من (الموبقات السبع) التي حذر الأمة منها، و(الموبقات) أي المهلكات، فهي مهلكات للفرد، ومهلكات للجماعة، مهلكات في الدنيا، ومهلكات في الآخرة. ففي صحيح مسلم :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ ». وفي القرآن الكريم، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } النور:23-25 ،وقد جاءت هذه الآيات –المتضمنة لهذا الوعيد الهائل باللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم عند الله، وشهادة جوارحهم عليهم، في سياق (حديث الإفك) الذي افتراه المفترون على الصديقة بنت الصديق، عائشة أم المؤمنين، وأحب إنسانة إليه بعد خديجة، وقد برأها الله جل شأنه من فوق سبع سموات، ونزل فيها قرآن يتلى إلى ما شاء الله
أيها المسلمون
أما عقوبة القاذف الدنيوية والأخروية إذا لم يقم بينة على صحة ما قال فهي : أن يجلد ثمانين جلدة، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ﴾ [النور: 4]. وقد روى أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي، قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ ذَاكَ وَتَلَا تَعْنِي الْقُرْآنَ، فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ . 2- أن ترد شهادته دائمًا إلا إذا تاب وأصلح لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم ﴾ [النور: 4-5]. 3- أن يكون من الفاسقين، قال تعالى: ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ﴾. 4- يكون عند الله من الكاذبين، لقوله تعالى: ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور:7]. 5- أنه ملعون في الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ [النور: 23]. 6- أن له عذابًا عظيمًا ادخره الله له يوم القيامة، لقوله تعالى: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم ﴾ [النور: 23]. 7- تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي، والعار على رؤوس الأشهاد، لقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾ [النور:24]. 8- إن الله تعالى يوفيهم جزاء فعلهم، ويجزيهم حساب عملهم من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم لقوله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِين ﴾ [النور:25].
أيها المسلمون
ولا توجد (كفارة معينة) لتلك المعصية، إنما توجد (مكفرات عامة) لمن وقع في المعاصي والكبائر، ويريد أن يتطهر منها. ومن هذه المكفرات: 1. التوبة النصوح، فإنها تغسل الإنسان من الذنوب، كما يغسل الماء الوسخ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } البقرة:222 ، 2. الاستغفار، بصيغه المختلفة التي وردت في القرآن والسنة، وقد قال تعالى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا }النساء:110 ، 3. الأعمال الصالحة: من الوضوء، الصلاة، الصيام، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، والذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، وفعل الخير، والجهاد في سبيل الله. كما قال تعالى:{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود:114 ، وفي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ،قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ». ، ومما ينفع التصدق بصدقة، فإنها تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وخصوصا صدقة السر. كما يمكن أن يعتمر عمرة لله تعالى، قاصدا بها أن يكفر الله عنه هذه الخطيئة، ويصلي في المسجد الحرام ما يسر الله له، من أجل ذلك. كما عليه أمر آخر مهم، وهو: أن يستغفر لهذه المرأة المفترى عليها، كلما تذكر ذلك الذنب العظيم. وقد قال تعالى لرسوله: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر:53
أيها المسلمون
لقد حمى الإسلام الأعراض وصانها، وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر أو الاتهام بالزنا وتوعد الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، بالعذاب الأليم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور 19. إنها آية تقسم الظهر وتقول : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فهم لم يتكلموا فيها بألسنتهم وإنما أحبوا بقلوبهم ما أشيع وارتاحت أنفسهم لسماع القصة وسعدوا بهذه الفضيحة ( أؤلئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ). فإن مجرد محبة إشاعة الفاحشة بين المؤمنين توجب عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فكيف بمن فعل؟! وكيف بمن نشر؟! وكيف بمن دعا وسهَّل؟ فالمسألة خطيرة. فحين تسمع خبراً يخدش الحياءَ أو يتناول الأعراض فإياك أنْ تشيعه في الناس ، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود ( عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ». فان اتهام الناس يحتاج إلى اثبات : واثبات الزنا لا يكون إلا بأحد أمرين الاقرار والشهادة :أولهما الاقرار أي الاعتراف من الزاني أنه ارتكب الجريمة كما اعترف الصحابي ماعز بن مالك والصحابية المرأة الغامدية أمام النبي صلى الله عليه وسلم . بل يحتاج الى تدقيق في الاعتراف ، فلما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ، ولم يقم عليه الحد الا بعد اعترف اعترافا صريحا بفعلته . والثاني : البينة ، بأن يشهد اربعة شهود بأنهم قد رأوا الزنا يحصل .لقوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) النساء 15. فهو يحتاج إلى أربعة شهداء ، لأنه يمس كرامة الإنسان، ويمس في المرأة أثمن ما تملك، فالمرأة الشريفة الطاهرة أثمن شيءٍ تملكه سُمعتها، وشرفها، وعفَّتها، فإذا اتهمتها بعكس ذلك فهناك شرط قوي جداً، لابدَّ من أن تأتي بأربعة شهداء يشهدون الحادثة الحقيقي. حينما وضع الله هذا القيد أنا لا أقول: قيد تعجيزي، لكن ليس من السهل أن يتوافر هذا الشرط إلا أن تكون المرأة فاجرة! وفرق بين المعصية والفجور، المعصية قد تقترف في حصن في غرف مغلقة، أما الفجور فأن تقترف هذه المعصية على قارعة الطريق كما يجري في العالم الغربي، وقد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم أنه: في آخر الزمان قد تقترف معصية الزنى على قارعة الطريق. وإن إثبات جريمة الزنا بالكاميرا أو الفيديو أو التسجيل الصوتي أو تحليل البصمة الوراثية ليس دليلا شرعيا لأن الخطأ به وارد ناهيك عن التزوير والتلفيق والقص واللصق ولا سيما في عصر التكنولوجيا والفوتو شوب. وقد يقول قائل وكيف لا نقبل بتحليل البصمة الوراثية فنقول إنه لا يرقى إلى مستوى الدليل اليقيني وإنما يتطرق اليه الشك لاحتمال وقوع الحمل بتسرب المني الى الرحم دون الزنا .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لو أن إنسانا اتهم شخصاً بالزنا هل يجب عليه الحد؟ هل يُجلد ثمانين جلدة إذا كان بريئاً؟ نعم يُجلد ثمانين جلدة، لأن الأصل أن الإنسان كرامته لا تُجزَّأ ذكراً كان أو أنثى. ولكن إذا كان الإنسان يتباهى بالزنا، يقول: أنا في اليوم الفلاني بالمكان الفلاني كنت مع فلانة، رجل يتباهى بمغامراته النسائية، يتباهى بانحطاطه الخُلقي، يتباهى بشذوذه. فإذا اتهمت هذا الإنسان، أو ذكرته بما قال عن نفسه، هل يعد هذا قذفاً؟ لا. وكذلك التي تقول: إنني في اليوم الفلاني بالمكان الفلاني زنيت مع فلان، فهذه التي صرَّحت بالزنا، وتباهت بالزنا، هل إذا قذفتها بالزنا يجب عليك الحد؟ الجواب: لا.. أن التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن من قذف غير العفيف من الرجال والنساء، لا يحدُّ حدَّ القذف، هذا الفاسق والفاجر لا غيبة له. أما عن حكم اتهام الزوجة بالزنا : فإذا قذَف رجل امرأته بالزنا، وأنكرت ذلك، فإن أحضر الزوج بيِّنة على ما ادَّعاه صُدِّقَ في دعواه، والبيِّنة هنا: أربعة شهود يشهَدُون بزناها شهادة صريحة عن مُعايَنة، فإن لم يستطعْ إقامة البيِّنة فله إسقاطُ حدِّ القذف عنه بالملاعنة، قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (9) ) النور ،فيقولُ الزوج أربع مرَّات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، ويشيرُ إليها، ويزيد في الشهادة الخامسة: إنَّ لعنة الله عليه إنْ كان من الكاذبين، ثم تقول هي أربع مرَّات: أشهد بالله لقد كذب فيما رَماني به الزنا، ثم تقول في الخامسة: وإنَّ غضب الله عليها إنْ كان من الصادقين ،والنتيجة ثُبوت الفرقة بينهما وتحريمها عليه تحريمًا مؤبدًا. أما عن حكم قتل الأهل للزانية : إذا ثبت الزنى في حق الفتاة المحصنة المتزوجة وقتلها أهلها فهنا نقول : الفتاة دمها مهدور ،ولكن لا يجوز قتلها من الأهل لأن الذي ينفذ الحكم هو الحاكم . وأما إذا ثبت الزنى في حق البكر الغير متزوجة وقتلها أهلها ، فقد ارتكبوا خطأ عظيما وجرما كبيرا ، وهو القتل ، إذ الحد هو جلد مائة وليس القتل ، وأما من قتلها من الأب أو الأم فلا قصاص عليه ، فالوالد لا يقاد بولده كما في الحديث: « لاَ يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ »رواه الدارقطني . والأم هي أحد الوالدين فأشبهت الأب و لا يحل للزوج أن يقتل زوجته التي وجدها تزني مرغومة أو غير مرغومة على الزنا وله أن يرجع للقضاء أو يطلقها، ومن باب أولى ألا تقتل الزوجة زوجها الذي رأته يزني، ولها أن تطلب الطلاق وترفع أمرها للقضاء . ويؤكد هذا ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ” أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلاً فقتلهما؟ فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته ” بمعنى يقاد للقضاء للاقتصاص منه .
أيها المسلمون
أما عن اللواط : فيُعتبر اللِّواط وهو جماع الذكر للذكر من أشنع المعاصي و الذنوب وأشدها حرمةً و قُبحاً ، وهو من الكبائر التي يهتزُّ لها عرش الله جَلَّ جَلالُه ، و يستحق مرتكبها سواءً كان فاعلاً أو مفعولاً به القتل . وفي مسند أحمد وغيره (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْبَهِيمَةَ وَالْوَاقِعَ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ » ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية لم يختلف أصحاب رسول الله في قتله سواء كان فاعلاً أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم يرجم بالحجارة، وقال بعضهم يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت، وقال بعضهم يحرق بالنار. فالفاعل والمفعول به إذا كان راضياً كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال سواء كانا محصنين أم غير محصنين لعظم جريمتهما وضرر بقائهما في المجتمع. ويثبت اللواط كما يثبت الزنا بالإقرار والاعتراف او بأربعة شهود .
أيها المسلمون
فعلى المسلم أن يحفظ لسانه عن القذف، والسب، والغيبة، وسائر الذنوب، فإن الحد إذا لم يؤخذ في الدنيا من صاحبه أُخر إلى يوم القيامة. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا، يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» . وعندما ذكر الله قصة قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما في سورة النور، قال بعدها: ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم ﴾ [النور:15]. وإذا اجتمع القذف مع الذنوب الأخرى كان مهلكًا لصاحبه. وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» .
الدعاء