خطبة عن حديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ)
أكتوبر 8, 2016خطبة عن (لا يعلم الغيب إلا الله)
أكتوبر 8, 2016الخطبة الأولى ( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (سورة يونس57- 58 ). وقال تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) (5) الروم
إخوة الإسلام
الفرح : هو نعيم القلب وبهجته وسروره،. والفرح : لذةٌ تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى وشتان شتان- عباد الله – بين فرحٍ وفرح ، شتان بين من فرحه بدنياً فانية ولذةٍ زائلة أو بأهواءٍ باطلة وبدعٍ مردية وبين من فرحه كما أمر الله جل وعلا في الآية المتقدِّمة بفضل الله وبرحمته فالفرح الحقيقي للمؤمن هو الفرح بطاعة الله وبفضله ،فالفرح بالطاعة، كقدوم رمضان، والحج، بمواسم العبادة، الفرح بيوم عرفة، الفرح بالأضحية، الفرح بصيام عاشوراء، الفرح بستة من شوال، الفرح بختم القرآن، الفرح بالتوفيق للصدقة، الفرح بنصر الله، والذين يفرحون بمثل هذا ويستقيمون على شرع الله يرجى أن يفرحوا يوم القيامة بما قدموا من الصالحات ، قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7-9].
أيها المسلمون
وقوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) : أي افرحوا أيها الناس بفضل الله، أي بالإسلام ، ورحمته أي بالقرآن، فإنهما أعظم نعمة ومنة تفضل الله بها عليكم، ليست نعمةً دنيوية تنسي فضل الله ومنته بل هي نعمة عظيمة إسلامية قرآنية دينية تقرب إلى الله تبارك وتعالى وتشعر بالفرح والسرور بهذه المنة الربانية الكريمة. ذلك خير من كل ما يجمعه الناس من زينة الدنيا وزهرتها ومتاعها المضمحل عن قريب. فالفرح (بفضل الله) بالإسلام، (وبرحمته): القرآن، وما بين الله لنا فيه من الحلال والحرام، ومعالم الإسلام، هذا الفرح برحمة الله، بفضل الله، بطاعة الله، بعبادة الله، بمواسم الخير، الفرح بالأجر الذي يذكر لنا في النصوص الشرعية، لمن أطاع الله،
إنه فرح يبعث النفس على الانبساط، يبعثها على الانشراح لتقبل على الطاعة، وتزداد انشغالاً بها، بخلاف الفرح بالدنيا، وبالمال، وبالحطام الفاني، فإنه فرح يولد الأشر والبطر.
أيها المسلمون
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفرح بإسلام الناس ونجاتهم من النار، ففي صحيح البخاري :(عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ » . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ – صلى الله عليه وسلم – . فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ » . هكذا فرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وخرج وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار». كما كان عليه الصلاة والسلام يفرح إذا حصل لبعض أصحابه خير، كما فرح بتوبة الله على كعب بن مالك الذي كان قد تخلف عن غزوة تبوك بغير عذر، فلما تاب الله عليه فرح حتى كان يبرق وجه ، ففي الصحيحين (قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ »
ويفرح صلى الله عليه وسلم لأن بعض أصحابه حصل أو وصل إلى نتيجة عظيمة في العلم، مثل أُبي رضي الله عنه حين علم أي آية في كتاب الله أعظم، فقد روى مسلم (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ « وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ». ويفرح صلى الله عليه وسلم بسماع الكلام الجميل الذي يدل على الصدق وقوة الإيمان، فلما قال المقداد في يوم بدر للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: من الآية 24]، ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرّه ذاك. وفرح بمبادرة الصحابة إلى طاعة الله، لما دعاهم للتصدق وجاء واحد بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، وتتابع الناس، حتى اجتمع كومان من طعام وثياب، قال الراوي: “حتى رأيتُ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة”. ففي صحيح مسلم (قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ – قَالَ – ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ) ،وفرح حين فتح الله عليه مكة: قال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: “رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجِّع”. ونبي الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحاً لم يحمله الفرح على الكِبر والبطر، بل كان متواضعاً خاضعاً حتى إن ذقنه ليكاد يمسّ رحله من تواضعه لله عز وجل، مع أنه في موطن نصر وعِزّ وتمكين وغلبة على أعدائه. وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام الناس، ودخولهم في الدين أفواجاً، وفرح بإسلام وجهائهم وأعيانهم، فلما أسلم عكرمة وثب إليه فرحاً، ولما أسلم عدي بن حاتم بين يديه تبسط وجهه فرحاً، وفرح بظهور براءة عائشة رضي الله عنها، وما أنزله الله في ذلك من القرآن، وفرح لما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، وفرح بسماع قصة تميم الداري الموافقة لما حدّث به أصحابه من أشراط الساعة،
أيها المسلمون
وهناك في السيرة والتاريخ نماذج مباركة لأمور فرح بها الصالحون، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا حوله وأتى رجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، كما في الصحيحين (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ « وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا » .قَالَ لاَ شَيْءَ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم – . فَقَالَ « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ » . قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّى إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ) ، فهم يُحبون رسول الله وأبا بكر وعمر ويرجون من خلال هذه البشارة أن يجمعهم الله تعالى مع هؤلاء الذين هم من أهل الجنة يقيناً. وهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه كما في الصحيحين (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لأُبَىٍّ . « إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) » . قَالَ وَسَمَّانِى قَالَ « نَعَمْ » . فَبَكَى . ) هكذا بكى أُبي رضي الله عنه من شدة الفرح. وفرح أبو هريرة رضي الله عنه بإسلام أمه رضي الله عنها حين أسلمت، ففي صحيح مسلم :(حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَبْكِى قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِىَ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ ». فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ – فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ – قَالَ – فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِى مِنَ الْفَرَحِ – قَالَ – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا – قَالَ – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا – يَعْنِى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ – إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ ». فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلاَ يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي. )
وفرح أبي بكر الصديق رضي الله عنه فحين أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة قصد دار الصديق أبي بكر رضي الله عنه وقت الظهيرة، فأقبل النبي عليه الصلاة والسلام متقنعاً مغطياً رأسه، ففزع أبو بكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأيتهم في تلك الساعة.. يدخل النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: «يا أبا بكر أخرج من عندك». قال أبو بكر: إنما هم أهلك يا رسول الله. قال: «فإني قد أذن لي في الخروج». قال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله. فقا?: «نعم». فبكى أبو بكر ،وفرح الصحابة بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وفرحت البنات الصغيرات حتى قلن: نحن جوارٍ من بني النجار *** يا حبذا محمد من جار
وكذلك فرح المسلمون بإسلام عمر رضي الله عنه، وفرح الناس من أهل الإسلام باستقبال العلماء عندما كانوا يدخلون البلدان، فلما دخل الإمام البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف على الخيول غير الذين كانوا على الدواب الأخرى غير الرجالة. وفرح المسلمون بموت الظلمة والطغاة، قال حماد: بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد، وفرح طاووس لنفس الخبر، وتلا قول الله: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) سورة الأنعام45.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والله جل وعلا عندما أمر في هذا السياق المبارك بالفرح برحمته وفضله جل في علاه قدَّم ببيان أوصاف القرآن التي تدعو حقاً من تأملها إلى الفرح بالقرآن والفرح بهدايات كلام الله تبارك وتعالى ، فوصف سبحانه في هذا السياق المبارك القرآن بصفات أربع ما أعظمها وما أجلَّها : الأولى : أنه كتاب موعظة ؛ ففيه الترغيب والترهيب ، وفيه الوعد والوعيد ، وفيه الحث على الخيرات والنهي عن المحرمات ، وفيه أخذٌ بالقلوب وبالنفوس إلى التعلق بالمقاصد العالية والغايات النبيلة والبعد عن سفساف الأمور ورديئها وحقيرها . ووصفه جل وعلا بأنه شفاءٌ لما في الصدور من الأمراض والأسقام ؛ أمراض الشبهات وأمراض الشهوات ، الشبهات التي تحجب عن القلوب العلم بالحق والمعرفة به ، والشهوات التي تُبعد القلوب عن لزوم الحق والاستمساك به ، فالقرآن شفاء لما في الصدور لما فيه من حججٍ بينات وبراهين واضحات ، ولما فيه من وعظٍ وترغيبٍ وترهيبٍ ووعدٍ ووعيد . ووصف الله تبارك وتعالى القرآن بأنه هدى ؛ أي فيه هداية للقلوب ، فهو يهدي للتي هي أقوم ، ويدل للتي هي أرشد ، فالقرآن كتاب هداية وفلاح ، وكتاب زكاء وصلاح ، فلا هداية لأحد إلا بهذا القرآن الكريم ، هو كتاب الله المشتمل على هداية القلوب وصلاح النفوس وزكائها ورفعتها في الدنيا والآخرة . ووصفه جل وعلا بأنه رحمة لما يترتب على العمل بالقرآن من الخيرات العظام والبركات الجسام التي يفوز بها من كان من أهل القرآن حقاً وصدقا علماً وعملا . عباد الله : وعلى إثر ذكر هذه الأوصاف العظيمة أمر الله عز وجل بالفرح بفضله وبرحمته ،قال تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } أي : بالقرآن والإيمان ، والعلم والعمل ، والطاعة والانقياد ، والعبادة لله سبحانه وتعالى :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } ، وقوله { فَلْيَفْرَحُوا } أمْرٌ بهذا النوع من الفرح ، لأنه – عباد الله – عبودية عظيمة للقلوب خسِرَتها قلوبٌ كثيرة وضيَّعتها نفوسٌ عديدة بسبب الانشغال بأنواعٍ من الفرح الذي لا طائل وراءه ولا فائدة منه إلا الضياع والحرمان ، فهذا أمْرٌ بالفرح بفضل الله جل وعلا ورحمته .
أيها المؤمن
وإذا أكرمك الله بأداء الصلاة والمحافظة عليها ، والقيام بفرائض الإسلام وواجبات الدين ، وأداء الحقوق – حقوق الله وحقوق العباد – ، والبعد عن المحرمات فلتفرح بذلك ، وفرحك بذلك عبودية عظيمة من عبوديات القلب ، وإذا وُجد هذا النوع من الفرح في قلب المؤمن انبسطت نفسه وزاد إقباله على طاعة الله وزاد عملاً بأوامر الله وبُعداً عن نواهيه تبارك وتعالى . ويجب علينا أجمعين أن نقوِّم فرحَنا ، بحيث يكون فرحنا حقاً وصدقاً بفضل الله وبرحمته سبحانه ، ونجاهد أنفسنا على تحقيق ذلك . بينما – من ساء فهمه أو فسد عمله يتحول فرحه إما إلى فرحٍ بلذة فانيةٍ وشهوةٍ زائلة أو إلى فرحٍ ببدع وأهواءٍ ما أنزل الله بها من سلطان ،ومن أسوأ الفهم – عباد الله – ما يقرِّره بعض من يقيم احتفالاتٍ مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان ويستدل على تلك الاحتفالات بقول الله :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }
فيا سبحان الله !! ما أسوأ الفهوم عندما تكون مع كتاب الله عز وجل ودلالاته العظام بهذا المستوى من التحريف واللَّيِّ لدلالات النصوص عن مقاصدها وغاياتها اتِّباعاً لأهواء النفوس ورغباتها .
الدعاء