خطبة عن (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ)
نوفمبر 23, 2016خطبة عن (التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام)
نوفمبر 24, 2016الخطبة الأولى ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » .
إخوة الإسلام
إن أمامكم اليوم عرضاً ربانياً سخياَ ، أمامكم عرضاً بأن تحيوا حياة في نعيم أبدي سرمدي لا يحول ولا يزول ، لا تشوبه المنغصات ولا تطرأ عليه المكدرات ، إنه نعيم الجنة ، فمن ذا الذي بنى الجنة ؟ ومن الذي زينها ؟ ومن الذي طيبها ؟ إنه الله ، وقد أخبركم بأنه أعد لكم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،اليوم يحمل لكم البشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال :((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)) ،فيالها من بشرى يرقص القلب لها فرحاً ، و تنتعش لها الأرواح مرحاً ، أرأيتم مدى كرم الكريم بكم يا أمة خير البرية كلكم تدخلون الجنة إلا من أبى ،فيا عجباً لمن أبى ! عجباً لمن أعرض عن التوحيد الذي جاء به خير البرية، وأعرض عن أبواب الحي الذي لا يموت
أيها المسلمون
في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنهم سيدخلون الجنة، وذلك لمن آمن به وصدقه واتبع النور الذي جاء به، فإنه صلى الله عليه وسلم أرسله ربه تبارك وتعالى لإنقاذ البشرية كلها من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وبين ذلك أبلغ بيان، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليه آيات بينات واضحات تبين هذا، وتحث على تصديقه والإيمان به،
كما أخبر أن من أمته من هو مستثنى من دخول الجنة، وهو الذي يأبى دخول الجنة ويرفض ذلك، حتى عجب أصحابه ورضي الله عنهم، فتساءلوا ومَن يأبى يا رسول الله ؟ فعلق صلى الله عليه وسلم دخول الجنة بطاعته، وبين أن من يعصه فهو الذي يأبى دخول الجنة ، ومعناه أن أمته التي تطيعه وتتبع سبيله تدخل الجنة، ومن لم يتبعه فقد أبى، فمن تابع الرسول – صلى الله عليه وسلم – ووحد الله واستقام على الشريعة فأدى الصلوات وأدى الزكاة وصام رمضان وبر والديه، وكف عن محارم الله من الزنا وشرب المسكرات وغير ذلك فهذا يدخل الجنة، لأنه تابع الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأما من أبى ولم ينقد للشرع فهذا معناه أنه قد أبى، ومعناه أنه امتنع من دخول الجنة بأعماله السيئة،
فالواجب على المسلم أن ينقاد لشرع الله، وأن يتبع رسول الله محمداً عليه الصلاة والسلام فيما جاء به، فهو رسول الله حقاً، وهو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (32) آل عمران ، فاتباعه – صلى الله عليه وسلم -من أسباب المحبة، محبة الله للعبد، ومن أسباب المغفرة، ومن أسباب دخول الجنة. أما عصيانه ومخالفته فذلك من أسباب غضب الله ومن أسباب دخول النار، ومن فعل ذلك فقد أبى، ومن امتنع من طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم -فقد أبى، قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (63) النور فالواجب على كل مسلم؛ بل على كل أهل الأرض، من الرجال والنساء والجن والإنس الواجب عليهم جميعاً أن ينقادوا لشرعه – صلى الله عليه وسلم-، وأن يتبعوه وأن يطعيوا أوامره وينتهوا عن نواهيه وهذا هو سبب دخول الجنة، قال الله جل وعلا: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (80) النساء، وقال سبحانه:( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (54) النور ،ولقد فرض الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا شأن المرسلين جميعًا، فالله عز وجل يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) 64 النساء، فرسل الله تعالى أرسلوا إلى أقوامهم ليهدوهم إلى صراط الله المستقيم، ولن يتحقق الفلاح والفوز والنجاح لأمة إلا إذا أطاعت رسولها، فما من رسول أرسله الله تعالى إلى قومه إلا فرض طاعته عليهم حتى تتحقق ثمرة الدعوة، ورسل الله تعالى كلهم دعوا أقوامهم إلى توحيد الله تعالى، فالدين الذي جاءوا به كلهم هو الإسلام؛
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 36النحل ،ولقد قرن الله عز وجل طاعة رسوله بطاعته، وعطفها عليها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وهذا يفهم منه أن من أطاع الله ولم يطع رسوله فلا قيمة لطاعته لربه، كما أن من أطاع الرسول ولم يطع الله تعالى فطاعته أيضًا لا تفيده شيئًا حتى يجمع بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله ، كما أن الإيمان بالله مقرون بالإيمان بالرسول، فلا يقبل أحدهما بدون الآخر قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} 32 آل عمران ،
أيها المسلمون
وقد أمر الله ـ عز وجل ـ عباده المؤمنين بطاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وألزمهم بها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكذا على لسان نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، ولا يسع أحد إنكاره . قال أحمد بن حنبل: ” نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ثلاثة وثلاثين موضعًا” . وقال ابن تيمية: “: أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقَرَنَ طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه ” . والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذر من يحاول رد أمره وسنته بدعوى الاكتفاء بالقرآن الكريم، فعَنْ أَبِى رَافِعٍ وَغَيْرُهُ رَفَعَهُ قَالَ « لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ». رواه الترمذي .وفي سنن أبي داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ ». وفي رواية « أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّى وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ». وهذا الحديث من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إذ ظهر في الأمة أناس ينكرون بعض السُنَّة أو كلها بدعوى الاستغناء عنها بالقرآن الكريم، ولو أننا استغنينا عن السنة لانهدم الدين من أساسه، وانفتح باب الزندقة على مصراعيه . وقد جاءت السُنة بمثل ما جاء به القرآن الكريم مِنْ وجوب طاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها : فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: « مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ، ) رواه البخاري . وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذى نفسي بيده ، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى ، و شرد على الله كشرود البعير ، قالوا : و من يأبى أن يدخل الجنة ؟ فقال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني ومن عصاني دخل النار ) رواه الطبراني .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن من سعادة العبد أن يرزقه الله طاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي أصل من أصول الدين، وشرط من شروط الإيمان، وقد حذرنا الله من مخالفته وعصيانه، فقال تعالى: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } (النساء:14)، وأوجب علينا تصديق خبره، واتباع أمره، وجعل طاعته فرضا لازما، فهي مفتاح الجنة، وسبيل الهداية، فقال تعالى: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } (النور: من الآية54) .. وطاعة الرسول طاعة لله وتؤدي إلى الجنة: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً . فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا ، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ . فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا فَالدَّارُ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ . » أخرجه البخاري . وقد وردت أيضًا معصية الرسول منفردة عن معصية الله تعالى منهيًا عنها ومحذرًا منها، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} 216 الشعراء ، وعاتب أصحاب النبي عندما عصوا أمره يوم أحد، فقال تعالى: {وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} آل عمران 152، وفي أخذ البيعة على النساء قال: {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} 12 الممتحنة . ومن ذلك أيضًا حديث عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ.
فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ».» متفق عليه
أيها المؤمنون
وهكذا أيها المسلم يصور لك النبي أنه يدعوك إلى دخول الجنة والهرب من النار، يدعوك إلى الفوز بالجنة ونعيمها المقيم، ويبعدك عن النار وعذابها الأليم العظيم، وأنت تأبى وتمتنع عن طاعة رسولك ، فهو يدعوك إلى توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ويدعوك إلى أداء فرائض الله تبارك وتعالى ؛ من الصلاة والمحافظة عليها وأدائها في جماعة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، وعدم البخل بها، وصوم رمضان وحفظه من اللغو والرفث والغيبة والنميمة، وأداء الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وتعجيله وعدم الإمهال والتراخي عنه، وكذا بر الوالدين والإحسان بهما واجتناب عقوقهما، وصلة الأرحام واجتناب قطيعتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران وكف الأذى عنهم، وكف الأذى عن المسلمين، وعن الناس جميعًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما دعانا إلا إلى خير لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، ولم يأمرنا إلا بما فيه فوزنا بالجنة والنجاة من النار، ولكن بعض الناس يأبى هذه الدعوة ويرفضها، ويرضى لنفسه أن يوردها النار فبالله كيف يسوغ لعاقل أن يرفض هذه الدعوة وينفر منها ويعرض عنها ؟ ويأباها ولا يقبلها، ويرضى لنفسه النار وهو يعلم أنها بئس القرار ،ولقد بين النبي أن الجنة حفت بالمكاره، والمقصود التكاليف الشرعية ؛ وفيها كف النفس عن شهواتها وكبح جماحها عن ما تريده من الآثام، ومتاع الدنيا الزائل القليل إرضاءً للرب الجليل، والشهوات منها ما أباحه الله تعالى لكنه ذكره في مقام النقص والعيب مفضلاً غيره عليه، كما في قوله تعالى :
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ} 14 آل عمران ، ثم عقَّب ذلك بقوله جل ذكره: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} 15 آل عمران ، فذكرت الشهوات المباحة ثم ذكر بعدها ما هو خير منها وأفضل لينوه أنها ليس الخير فيها وإنما في غيرها ،ومن الشهوات ما هو محرم مقطوع بحرمته فيجب على العاقل أن يبتعد عنه كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من الشهوات التي حفت بها النار، فهذه من شهوات النفس الأمارة بالسوء، ومنها الغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، فذلك مما حرمه الله تعالى، فإذا ركن العبد إلى هذه الشهوات فقد عصى الرسول وأعرض عن دعوته وأبى الاستجابة له وحينئذ يحرم نفسه الجنة ويوردها النار، كما شبهه الرسول بالبعير الذي يشرد عن أهله.
الدعاء