خطبة عن (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ )
يوليو 9, 2016خطبة عن ( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ)
يوليو 9, 2016الخطبة الأولى (حرمة هجر المسلم وأنواع الهجر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما (عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا ، وَيَصُدُّ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ » ،وفيهما : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ »
إخوة الإسلام
نتناول اليوم -إن شاء الله تعالى- فقه هذا الحديث بالشرح والتوضيح فقوله صلى الله عليه وسلم :(لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ ) وفي رواية (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ ) “لا يحل”: أي لا يجوز. قال “الإمام النووي”: “يحرم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفي عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، وسوء الخلق، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض. وقال “أبو العباس القرطبي” : المعتبر ثلاث ليال، حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغى البعض وتعتبر ليلة ذلك اليوم، وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة. قال “ابن حجر” :وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود. …. وفي رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ: “ثلاثة أيام” فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها، فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها، وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها، ويكون الاعتبار مضى ثلاثة أيام بلياليها ، فإذا كان في هجر من فعل معصية لترك واجب أو فعل محرم فائدة يهجر حتى تتحقق الفائدة، وأما من كان هجره لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة والنار إلا اضطراما؛ لأن الشرع جاء بالمصالح وليس بالمفاسد، فإذا علمنا أننا لو هجرنا هذا العاصي لم يزدد إلا شراً وكراهة لنا وكراهة لما معنا من الخير، فإننا لا نهجره، نسلم عليه ونرد عليه السلام لأنه وإن عصى الله، والمؤمن لا يهجر فوق ثلاث، هذا هو الحكم فيما يتعلق بالهجر،
أيها المسلمون
ومما يؤسفنا جداّ أن نرى مسلمين يلتقي بعضهم ببعض ولا يسلم، بل ربما كانا أخوين زميلين في الدراسة، سواءً في دراسة المسجد أو دراسة الكلية أو المعهد أو المدارس الأخرى، لا يسلم بعضهم على بعض، إذاً ما فائدة العلم؟ وما فائدة طلب العلم؟ إذ لم يتربى طالب العلم بالتربية الحسنة التي دل عليها الكتاب والسنة وكان عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فما الفائدة من التعليم فالمتعلم والجاهل سواء، إن لم يكن الجاهل خيراً منه، (أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ )”يهجر أخاه”: أي يعتزل أخاه المسلم ويقاطعه دون عذر. والهجر كما قال “المناوي”: هو مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن, أو اللسان, أو القلب). وقال ابن رجب الحنبلي: “والهجران: مأخوذ من أن يولّي الرجل صاحبه دبره ويعرض عنه بوجهه، وهو التقاطع”.ومن مفردات الهجر: عدم المجالسة، والمكالمة، وبسط الوجه للمهجور. قوله-صلى الله عليه وسلم-:”فوق ثلاث” ظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق، لأن الآدمي في طبعه الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، والغالب أن يزول أو يقل في الثلاث ،وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا ، وَيَصُدُّ هَذَا ) وفي رواية (فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا )، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ » أي هو أفضلهما وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله، ،وقال أحمد وابن القاسم المالكي إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته، وقال الشافعية: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول ثم الهجرة وفيه وجهان أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم .وقال “ابن حجر في الفتح:” قال أكثر العلماء: “تزول الهجرة بمجرد السلام ورده”، وقال أحمد: “لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً”. وهذه بعض الأمثلة عن السلف الصالح للتسابق على البدء بالسلام بعد التهاجر, فعن أبي الحسن المدائني قال: “جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به” .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (حرمة هجر المسلم وأنواع الهجر)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وذكر العلماء أن للهجر أنواعا ، ومنها : أولها : الهجر ديانة، أي الهجر لحق الله تعالى، وذلك في هجر السيئة، وهجر فاعلها. وقد ورد في ذلك قوله تعالى: ﴿والرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: 5]، وقوله تعالى: ﴿واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]. وقوله تعالى: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِين َ﴾ [الأنعام: 68 والهجر لحق الله تعالى يكون بترك المنكرات، وهجر من يظهر المنكرات عقوبةً له، وقد نصّ على ذلك ابن تيمية، فقال: “الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني: بمعنى العقوبة عليها فالأول هو المذكور في قوله تعالى: ﴿وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِين َ﴾ [الأنعام: 68]… فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم، وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم وأمثال ذلك، بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره، ولهذا يقال حاضر المنكر كفاعله… النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها” .وقد وردت أقوال كثيرة للصحابة والتابعين ومن بعدهم في عدم مجالسة أهل الأهواء نظراً لانتفاء المصلحة من مجالستهم، وعِظم الضّرر الذي قد يحصل منهم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: “لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب” .وقال أبو قلابة: “لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبِّسوا عليكم في الدّين بعض ما لُبّس عليهم” .وقال الحسن البصري: “لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم” ،وقال الشاطبي في معرض ذكره لأحكام أهل البدع: “الهجران وترك الكلام والسلام، حسبما تقدم عن جملةٍ من السلف في هجرانهم لمن تلبَّس ببدعة، وما جاء عن عمر – رضي الله عنه- من قصة صبيغ العراقي” . وقال ابن تيميه: “فالمقصود بهذا أن يهجر المسلم السيئات ويهجر قرناء السوء الذين تضر صحبتهم، إلا لحاجةٍ، أو مصلحةٍ راجحة” .وقال الغزالي: “الهجر فوق ثلاث جائز في موضعين: أحدهما: أن يرى فيه إصلاحاً للمهجور في الزيادة. الثاني: أن يرى لنفسه سلامة فيه” . وقد بوَّبَ النووي فقال: باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، إلا لبدعةٍ في المهجور أو تظاهرٍ بفسقٍ أو نحو ذلك. الثالث . الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد، وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، وقد تقدم ذكرها.
الدعاء