خطبة عن (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ)
أكتوبر 8, 2016خطبة عن ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)
أكتوبر 8, 2016الخطبة الأولى ( لا يعلم الغيب إلا الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ) آل عمران 179 ،وقال تعالى :(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (59)) الانعام ،وقال تعالى : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (20)) يونس ،وقال تعالى : (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) (9)) الرعد ،وقال تعالى : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) 27الجن
إخوة الإسلام
الغيب هو : كل ما غاب عن الحواس ولا يوصل إليه بصحيح النظر فلا يعلم منه إلا ما جاء في صحيح الخبر من الله تعالى بواسطة الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذّب لله عزّ وجلّ قال الله تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) [النمل:65]، وإن من المسلمات في ديننا ، ومن الأصول المعتقدة في شريعتنا ، ومن الثوابت في عقيدتنا ، أن الله وحده استأثر بعلم الغيب قال تعالى { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } التغابن18 ،قال الطبري رحمه الله : ” عالم الغيب والشهادة : يعني الذي يعلم السرّ والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها ” . ولقد نفى الله جل جلاله أن يعلم الغيب أحد من الخلق أجمعين سواه سبحانه ، فهو المتفرد بالعبودية والربوبية والألوهية ، فقال تعالى : { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النمل65 ] . وقال تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام59 ] ، ومفاتيح الغيب الخمسة لا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له ، قال الله جل شأنه : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] . والملائكة وهم عباد الله الذين يطيعونه ولا يعصونه ، فقد خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره ، ومع كل ما يتمتع به الملائكة الكرام من قرب من ربهم تبارك وتعالى ، وما يحظون به من مكانة عظيمة ، ورفعة كبيرة ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، ولا يطلعون عليه ، فقد اختص الله به سبحانه نفسه العلية الكريمة ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } [ الجن26- 27 ] ، فيخبر الله جل وعلا أنه لا يعلم الغيب أحد من الملائكة ولا الرسل إلا من أطلعه الله على بعض الأمور الغيبية ، وكذلك الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم وهم أفضل البشر على الإطلاق ، وخير الناس إلى الأبد .وأفضلهم أولوا العزم الخمسة وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم أفضل الصلوات وأعظم التسليمات وأفضل هؤلاء الخمسة ، هو خاتمهم وآخرهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
ومع تلكم المكانة المرموقة لأنبياء الله عند ربهم ، ورفع منازلهم ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، فقد قال أولهم نوح عليه السلام : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ } [ هود31 ] . وقال آخرهم وخاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله وسلم عليه: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف188 ] . وأكرم الخلق على الله بعد رسله وأنبيائه ، متبعوهم ومحبوهم ، لاسيما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم أجمعين ، فقد تركوا الأموال والديار والأهل ، محبة لله ولدينه ، واتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم قدموا جماجمهم لإعلاء كلمة التوحيد ، وشعار الإسلام عالية خفاقة ، ضحوا بكل ما يملكون في سبيل نصرة دين الله تعالى ، فوعدهم الله أجراً عظيماً ، وجنات تجري تحتها الأنهار ، ومع ما وعد الله به الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان بالمغفرة ، والبشرى بالجنة ، إلا أنه نفى سبحانه أن يكون أحدهم قد اطلع على الغيب أو علمه ، قال تعالى : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران179 ] ،فهذا نفي منه سبحانه وتعالى أن يكون أحد من البشر أو الملائكة قد علم الغيب أو علم ما كان قبل وقوعه ، أو ما سيكون ، وهذا تعجيز من الله تعالى لعباده جنهم وإنسهم . والجن خلق من خلق الله تعالى ، منهم الكافر ومنهم المؤمن ، قال تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [ الأحقاف 29-32 ] ، وقال تعالى على لسان الجن : { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن 14-15 ] . فالقرآن الكريم يثبت وجود الجن ، ولا ينكر ذلك إلا جاحد لصحة القرآن ، ويثبت كتاب الله تعالى أيضاً أن هناك من الجن مؤمن وكافر ، مردة وفساق وأهل فساد ، ومع ذلك فهم لا يعلمون الغيب ، ولم يطلعوا عليه قط ، إلا ما يسترقونه من السمع ، عندما يقضي الله أمراً فيسمعون من الملائكة ، ومع ذلك يحرقهم الله بالشهب ، قال تعالى : { إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر18 ] ، وفي صحيح البخاري عن عِكْرِمَةَ يَقُولُ (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : ( إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ – وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ – فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ ، فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا ، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ ، فَيُقَالُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ » . فالجن لا يعلمون الغيب ، بل يسترقون علم السماء ، فيموتون قبل إيصاله إلى الأرض ، ومن يصل منهم سالماً لم يصله ممن هو فوقه شيء ، وإن وصله أمر يسير كذب معه مائة كذبة ، ثم ألقاها على فم الساحر ، فيكذب الساحر معها مائة كذبة أيضاً ، وقال تعالى في قصة سليمان عليه السلام ، وكان قد قيضهم الله لنبيه ، يطيعونه ولا يعصونه ، يخافون عقوبته ، منة من الله على عبده ونبيه سليمان عليه السلام ، ومع اضطهادهم وإرادتهم الخلاص من سليمان عليه السلام ، فلم يعلموا أنه قد مات وهو مرتكز على عصاه ، إلا بعد أن أكلتها دابة الأرض ، ويصور الله تعالى ضعف الجن وقصورهم عن معرفة الغيب في قوله سبحانه : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } [ سبأ14 ] . فالغيب من اختصاص الحق تبارك وتعالى ، ويجب أن يعلم كل مسلم أن من ادعى علم الغيب من الكهنة والمشعوذين والسحرة والمنجمين ومن يقرءون الكف والفنجان أنهم جميعاً كفار مرقوا من الدين ، وخرجوا عن طاعة رب العالمين ، حتى يتوبوا إلى الله ويستغفرونه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا يعلم الغيب إلا الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد وردت أحاديث متعددة تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الغيب لله وحده ، وأن الخلق كل الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا. فعن عائشة رضي الله عنها،: قَالَتْ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ). أخرجه مسلم . وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب، وذلك في قوله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الانعام50]. ولذا لما رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك، لم يعلم، أهي بريئة أم لا حتى أخبره الله تعالى بقوله: { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } [النور 26]. ولما جاءت الملائكة الى نبي الله ابراهيم ذبح لهم عجلا وحسبهم ضيوفا ، ولا علم له بأنهم ملائكة حتى أخبروه، وقالوا له: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} هود 70 . ولما جاءت الملائكة لوطاً ل عليه السلام لم يعلم أيضاً أنهم ملائكة، ولذا {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [ هود 77]، فهو يخاف عليهم من أن يفعل بهم قومه فاحشتهم المعروفة حتى قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [ هود 80]، ولم يعلم خبرهم حتى قالوا له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} هود81
وهذا نبي الله يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن على يوسف، وهو في مصر وهو لا يدري خبره حتى أظهر الله خبر يوسف. وهذا نبي الله سليمان عليه السلام مع أن الله سخر له الشياطين والريح ما كان يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس حتى جاءه الهدهد، وقال له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} النمل 22 . وهذا سيدنا نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ما كان يدري أن ابنه الذي غرق ليس من أهله الموعود بنجاتهم حتى قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} الآية [هود 45]، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أخبره الله بقوله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود 46]. وقد قال تعالى عن نوح : {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الانعام50]، والملائكة عليهم الصلاة والسلام لما قال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ, قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة 31 ، 32].
أيها المسلمون
وبالرّغم من صراحة الآياتِ في تحريم ادعاء علم الغيب ، والحذر من تصديق من ادعى ذلك ، فإنّك تأسَف لحالِ بعضِ جهَّال المسلمين وسفهائهم ، وقد وقَعوا في مثلِ هذه البلايا ، فأهلكوا أنفسهم ، وتنصلوا من دينهم ، بأنواعٍ من البدَع والضلالات ، وتعلَّقوا بالسحرة والمنجمين لمعرفة غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وتوجَّهوا إلى المشعوذين في طلبِ الحاجات ودفعِ الكربات ، حتَّى عمّت الفتنةُ كثيراً من بلاد المسلمين ، واتخذ الناس فيها رؤوساً جهالاً من الدجالين الكذابين ، ومن المعلوم أنه متى ما ظهر الجهل وأطبق ، ظهر السحرة والكهنة وأمثالهم ممن يدعون علم الغيب وشفاء المرضى والدلالة على المفقود ، لعباً بعقول المسلمين لابتزاز أموالهم ، ونهب مقدراتهم ، فيطلب الناس منهم ما لا يُطلب إلا مِن الله ، ويسوقون إليهم الهدايا والأموال ، ويقدِّمون النذورَ ، ويطلبون جلبَ النفع ، ودفعَ الشرور ، ونسوا أن النافع الضار هو الله الواحد القهار ، قال تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ يونس107 ] ، وقال سبحانه : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [ الأنعام17 ] . وفي مسند الإمام أحمد وغيره (عَن أَبِى هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ »
الدعاء